احتفل العالم قبل أيام بما سمّته منظمة اليونسكو "اليوم العالمي للكتاب"، ووجه مدير عام المنظمة كوتيشيرو ماتسورا رسالة في المناسبة حرّض فيها شعوب العالم على جعل الكتاب "رمزاً للأمل والحياة". وإن كانت مدن كثيرة في العالم أحيت هذا اليوم عيداً للكتاب فإن المؤسسات الرسمية في العالم العربي لم تبال به كثيراً ولا المؤسسات الخاصة احتفت به كما يجب. اقتصر الاحتفال العربي بهذا اليوم على بضعة مقالات نشرت في الصحف كما باتت تقتضي العادة. رسالة المدير العام لمنظمة اليونسكو قد تعني شعوب العالم الثالث أكثر مما تعني الشعوب الأخرى التي يؤلف الكتاب جزءاً رئيساً من حضارتها الحديثة. ولعلّ إصراره على أن "مستقبل الكتاب هو بين أيدي القراء" إنّما يدل على أن أزمة الكتاب هي أولاً وأخيراً أزمة قراءة. وعندما يقال أزمة قراءة يقال ضمناً أزمة قارئ، ترى هل تُلقى أسباب الأزمة التي يعانيها الكتاب على القارئ وحده؟ هل ينفصل تراجع عادة القراءة وانحسار عدد القراء عن الأزمة الشاملة التي يعانيها الكتاب العربي؟ ربما لم يعد يجدي الكلام عن أزمة "صناعة" الكتاب في ما تعني الصناعة من نشر وتوزيع. وقد قيل الكثير عن المشاكل المالية التي يواجهها الناشرون وعن ضآلة السوق العربي وتراجع حركة التسويق وكذلك عن الجمارك والرقابة وعن انتفاء الدعم الرسمي للكتاب... وقيل الكثير أيضاً عن جعل الناشرين الكتاب مادة استهلاكية في المعنى التجاري وعن استغلالهم الموجات التي تطرأ حيناً تلو حين لنشر الكتب السطحية التي لا تصمد في المكتبة. صحيح أن هذه الظواهر هي التي تصنع جوهر أزمة الكتاب في العالم العربي، لكن معظم المعنيين لم يسعوا كما يجب الى النظر في قضية الكتاب من وجهة القارئ او من خلال عينه، فالقارئ هو المرجع الأول والأخير، والقراءة هي التي تصنع الكتاب. فلا كتاب بلا قارئ ولا حركة نشر من دون قراءة. والقارئ العربي بات يحتاج حقاً الى ما يسمى "اعادة تأهيل" خصوصاً في مرحلة هيمنة الثقافة البصرية والمسموعة. وهذه من الشؤون الصعبة التي تحتاج الى منهج جديد وخطة حديثة. ولعلّ الأرقام التي تفيد بها بعض الاحصاءات تؤكد ان الشعوب العربية على كثرتها هي من الشعوب الأقل اقبالاً على القراءة. أحد الاحصاءات أفاد ان الانتاج العام للكتب في الدول العربية قاطبة أقل مما تنتجه منفردة أصغر دولة في أوروبا وهي تحديداً بلجيكا. أما أرقام منظمة اليونسكو فتؤكد ان صناعة الكتاب العربي تتراجع على المستويين: النشر والقراءة. وما يزيد من سوء صناعة الكتاب عدم مبالاة المؤسسات الرسمية بها. فبعض الدول تظن انها وجدت حلاً للأزمة عبر طبعها آلافاً من الكتب التي غالباً ما ترقد في المستودعات الرسمية نظراً الى رداءتها وخوائها وضعفها. وبعض الدول الأخرى تظن ان اقامة المعارض على أرضها هي من الحلول الممكنة متناسية انها ما زالت تراقب الكتب وتفرض عليها الضرائب وأنها لا تسعى الى انشاء المكتبات العامة. لعل "اليوم العالمي للكتاب" الذي احتفلت به منظمة اليونسكو هو فرصة ملائمة للبحث عن القارئ العربي ولتحديد ملامحه. فالقارئ العربي لا يزال مجهولاً والقراءة العربية لا تزال أمراً غامضاً. فالموجات التي تعتري العالم العربي حيناً تلو آخر تصنع قراء هم أشبه بالقراء الآنيين. في أحيان كان يروج الكتاب السياسي او العقائدي نظراً الى المرحلة التي يجتازها العالم العربي وفي أحيان أخرى الكتاب الديني او العلمي او التاريخي او التقني... ليس من معايير ثابتة يمكن تحديد القارئ العربي من خلالها. الكتب الأكثر مبيعاً في المعارض تتبدل بين مرحلة وأخرى، وبين عاصمة وأخرى. وما ينبغي استثناؤه طبعاً الكتب "العملية"، كالمعاجم وكتب الطبخ والتسلية. فهذه من الثوابت في كل المعارض العربية بلا استثناء. من هم القراء العرب؟ ماذا يقرأون؟ هل يقرأون حقاً؟ هذه الأسئلة لا بد من طرحها لفهم أزمة الكتاب العربي من وجهة القارئ نفسه او من ناحية القراءة نفسها بعيداً من عناصر الأزمة الأخرى التي باتت معروفة. عبده وازن مصر: الكتب الدينية الاكثر مبيعا في صيف العام 2001 وزعت سلاسل مشروع "مكتبة الاسرة" ثمانية ملايين نسخة في مختلف انحاء مصر، فهل يعني ذلك أن المصريين يقرأون بنهم؟ ينبغي الا ننسى أن تلك السلاسل تصدرها جهة نشر واحدة هي "الهيئة المصرية العامة للكتاب" وتعد جزءاً من نشاطها الواسع في مجال النشر على مدار العام وتنافسها فيه جهات حكومية اخرى منها "الهيئة العامة لقصور الثقافة" و"المجلس الاعلى للثقافة" و"دار الكتب والوثائق القومية"، فضلا عن عدد كبير من دور النشر الخاصة، وما تنتجه دور النشر العربية خصوصاً اللبنانية والسورية والذي تسبب حجبه في الدورة الاخيرة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في ازمة ما زال صداها يتردد الى الآن. حسني سليمان دار شرقيات يقول: "كيف لي أن أعرف ماذا يقرأ المصريون؟ هذا سؤال يصعب على ناشر مثلي أن يجيب عليه، ثم ان الاجابة الموضوعية على مثل هذا السؤال تتطلب الحصول على احصاءات من مصدرين: أولا المكتبات العامة، لأن القراءة شيء وشراء الكتب شيء آخر. والمصدر الثاني الناشرون انفسهم، إذ ينبغي ان تكون لديهم نشرات دورية في عدد النسخ المباعة من عنوان بعينه، وبذلك يمكن الحصول على مؤشر حقيقي لقراءة مؤلف ما. سمير غريب الرئيس السابق لمجلس ادارة دار الكتب يقول: "اعتقد ان الكتب الأكثر مبيعاً هي كتب الدين ومذكرات بعض الساسة وكذلك كتب الجنس، والمترددون على قاعات المطالعة في دار الكتب المكتبة الوطنية في مصر هم الباحثون والطلاب، وهؤلاء يقرأون كتباً ودوريات في تخصصات معينة في اطار سعيهم الى انجاز اطروحات للماجستير والدكتوراه في معظم الاحيان. وعلى رغم ايجابية مشروع "مكتبة الأسرة"، إلا أنه لا يصح من وجهة نظري اتخاذه مؤشراً على مدى اقبال المصريين على القراءة من عدمه. فإصدارات سلاسل المشروع تُحَّدد سلفاً، فضلاً عن انها تباع بأسعار زهيدة جداً تغري بالاقتناء قبل أي شيء آخر. الاحداث الساخنة تشد الانسان في شكل طبيعي. وجاذبية الصورة اشد من جاذبية الورق، والتلفزيون والانترنت اسرع في اجتذاب الانتباه، ونسيان ما يطلع عليه عبرهما يكون سريعاً ايضاً. ويقول محمد عبداللطيف مدير عام دار سفير للنشر: "العرب الآن لا يقرأون، فمتابعة الأحداث الدامية في فلسطين هي شغلهم الشاغل في الوقت الراهن. ارتباط الناس بالفضائيات والانترنت دفعنا الى التركيز على النشر الالكتروني من ناحية وتوجيه هذا النشر الى الاطفال من ناحية أخرى. واهتمامنا موجه في شكل اساسي في الفترة الاخيرة الى مخاطبة القارئ الغربي لتعريفه بوجهة نظرنا في نظرة الغرب الى الإسلام من مداخل متعددة". السعودية: المطبوع يعاني الإهمال لمصلحة الوسائل الحديثة من الصعوبة ان تحدد ما الذي يقرأه القارئ السعودي، فليس هناك احصاء دقيق يمكن من خلاله تتبع نوع الكتاب الذي يحظى بالقبول في الشارع السعودي أو العربي على السواء. وغياب المعلومة الإحصائية يكاد يكون مضخماً في كثير من الدول العربية التي لم تدخل العصر بفاعلية المعلومة وتفجرها. حتى هذا القول يدرج ضمن مؤشرات غير دقيقة ويصبح الحديث عن وفرة القراء وندرتهم سجين مقولة موشي دايان بأن "العرب امة لا تقرأ". ولعل ما استحدثته بعض الصحف السعودية من بيانات عن اكثر الكتب انتشاراً، تخضع لرغبات دور النشر التي غالباً ما تقوم بترويج نشرات عن اكثر الكتب مبيعاً وفق اهداف تسويقية، وبنسب لا يمكن لها ان تحدد السقف الاستهلاكي لنوعية تلك الكتب. وقد يكون كتاب ما يحتل صدارة المبيعات ليس من باب الاقتناء اذ تكون الكمية المباعة لجهة حكومية واحدة بكميات كبيرة وربما كانت نسبة الكتاب المباع اتكأت على حملة اعلانية كبيرة او ان الكتاب يستجيب لرغبات فئة من القراء القادرة على شراء الكتاب مثل قراء الشعر الشعبي وهذه الفئة تستأثر بنسبة كبيرة من المبيعات. وأسباب الأزمة التي يعيشها الكتاب السعودي تتعدد وتتشابك حتى تصبح الرؤية ضبابية لا تستطيع معها الوقوف على الأسباب الجوهرية وراء تخلف صناعة الكتاب السعودي وربما تتداخل اسباب ثانوية لتتحول الى جوهرية في منعطفات البحث عن اسباب تلك الأزمة. وتوزيع الكتاب السعودي في الخارج يكاد يكون معدوماً - اذا استثنينا المشاركات الرسمية في المعارض الدولية - كما ان دور النشر المعنية بتوزيع الكتاب في الداخل تأخذ من الكاتب 50 في المئة وربما 70 من سعر الغلاف، هذا في حال قيامها بطباعة الكتاب وهو امر نادر بالنسبة الى الكتب الإبداعية. وربما تطبق تلك النسبة على الكتب الاستهلاكية او التي يكتبها اصحابها. في السابق كانت وزارة الإعلام وبعض الجهات الحكومية تدعم الكاتب بشراء نسخ من كتابه المطبوع إلا ان هذا التقليد تجمد الآن وأصبح الكاتب يتحمل كل خسائر كتابه من غير ان يجد عوناً. وبقي الكتاب الجامعي - ما يؤلفه الأستاذ الجامعي - هو الكتاب النافد وصاحب الحضور الاستهلاكي. ويغمز كثير ممن يقتني هذا الكتاب ان الدكاترة يحضون على اقتناء هذه الكتب لأن بها النجاح! وسبق ان قمنا - قبل اربعة اشهر - بزيارة ثلاث مكتبات من اضخم المكتبات في جدة. وحين عاودنا الزيارة لاحظنا ان الحال لم تتبدل على رغم المتغيرات السياسية وما طرأ على الشارع العربي من هموم سياسية مستحدثة. وكان بالإمكان ان تتغير نوعية الاستهلاك لدى زوار هذه المكتبات. ولعل زائر المكتبات والدور الخاصة سيجد ان معظم الكتب المباعة هي كتب استهلاكية في معظمها ومرتكزة على جانب واحد يشغل اهتمام كل فئة. وكانت الكتب الأكثر بيعاً هي كتب دينية، الكتب الجامعية، كتب الأسرة الطبخ، شؤون المنزل، جمال المرأة، الأبراج، الكتب التراثية، كتب الرياضة، الكتب التاريخية، السير الذاتية، والقصص. واللافت ان اكثر من تحدثنا معهم قفزوا بحديثهم بسأم عما لا يُرجى من الكتب المعروضة ووصم بعضهم الكتب السياسية بأنها كتب الكذب. ويضع البعض الجرائد في السلة نفسها، وذهب البعض ممن تحدثوا الى ان اهتماماتهم هي اهتمامات منحازة للجرائد والصحف على الكتاب، وأن نوعية تلك القراءات محصورة في الرياضة والشعر الشعبي والفن والصفحات المعنية بتقديم اخبار الحوادث. وحصدت المجلات المعنية بالشعر الشعبي أكبر نسبة من القراء مقارنة مع الكتاب المحلي، وأظهر المسح في بعض المكتبات ان قراءة المجلات الوافدة تفوق نسبة قراء الكتاب. الامارات: الكتاب المطبوع رائج والأزمة في التوزيع يرى الشاعر محمد أحمد السويدي، أمين عام "المجمع الثقافي"، أن هناك أزمة قراءة في الوطن العربي. ويوضح أن "الأزمة الحقيقية هي في الأولويات، إذ ان الكتاب لا يحظى بالأولوية من حيث الاهتمام، لا سيما في النظم التعليمية العربية عامة، التي لا تحظى بدعم الحكومات كما ينبغي". ويعتبر ان "الوسائط المعرفية الأخرى، من انترنت وإذاعة وتلفزة وكتاب مسموع، وغيرها، ما هي إلا قنوات جديدة تصب كلها في النهر الكبير، نهر المعرفة، ولا يمكنها ان تشكل بديلاً عن الكتاب الورقي أو عن القراءة التقليدية". ويؤكد انه "من خلال مراقبتنا لانتشار الكتاب الورقي في المجتمعات الغربية، ابان ثورة المعلومات الجديدة، المتمثلة أساساً بالانترنت، نلاحظ ان الكتاب الورقي لا زال يشهد رواجاً أكبر". ناصر الظاهري، رئيس اتحاد كتاب وأدباء الامارات، ينفي وجود أزمة قراءة... "انما قد توجد أزمة توزيع، لا علاقة لها بالعدد الكبير لدور النشر في الوطن العربي، التي تباينت في اصداراتها وأهدافها، بل في سلطة الضرائب والجمارك والحدود، كأنما يلزم للكتاب، لكي ينتقل من بلد عربي الى آخر، ان يحصل على جواز سفر وتأشيرة دخول، وقبل ذلك، تجرى عنه وحوله التحريات وتقدم فيه التقارير". ويرى انه "إذا أردنا ان نجتاز أزمة الكتاب، التي تتجلى تداعياتها في حركته المشلولة، علينا ان نمنحه الحرية، وان نرفع أيدينا عن عبوره بين بلد وآخر، والا نعامله كالسلع الاستهلاكية". وعلى رغم طغيان الوسائل السمعية - البصرية وانتشارها، يستبعد الظاهري وجود منافسة أو خطر يهدد الكتاب الورقي... "فثمة خصائص لا توجد في سواه، وثمة روح خاصة تنام بين صفحاته". من جهته، يشير الكاتب والشاعر نوري الجراح الى ان "محيط القراءة بالغ الضيق، فأفضل كتاب اليوم لا تطبع منه أكثر من ثلاثة آلاف نسخة، والحديث عن قلة تقرأ، وهنا الأزمة الحقيقية، ذلك ان مجتمعات بأكملها تنتمي الى العربية، مخطوفة ومأسورة لدى شاشات التلفزة، في حين ان الكتاب بصيغه الفنية المختلفة، الورقية والالكترونية، أصبح منتوجاً بائراً لا زبون له". ويرى: "اننا بصدد أمة مسمّرة الى الشاشة، ترى ولا تقرأ". ويتساءل: "عن أي قارئ نتحدث، عندما نتطرق الى موضوع الأزمة بين القارئ والقراءة؟"، ويشير الى ان هناك قارئاً يعرف الكتاب الذي يريد فيذهب اليه مباشرة. وهناك قارئ يستطلع من دون معرفة مسبقة بما هو موجود. وهناك قارئ لا يقرأ، أو اللاقارئ، وأعني به الذي يقرأ لكن قراءته لا تفضي الى صلب الثقافة. والى هذا النوع الثالث تنتمي الشريحة الأوسع". ويستبعد الكاتب الاماراتي منصور عبدالرحمن مقولة ان "العربي لا يقرأ". ويشير الى ان القارئ العربي يمرّ في "أزمة" نتيجة لتطور وسائل الإعلام والاتصال، وبالذات البصرية... "حيث يوجد في المحطات الفضائية ما لذّ وطاب من البرامج الترفيهية والعلمية والتقنية"، معرباً عن الاعتقاد بأن "الأزمة تكمن في الكتاب، وليس في القارئ". ويعرب المخرج والكاتب المسرحي العراقي جواد الأسدي عن اعتقاده بأن "ثمة قطيعة، وأزمة وجودية ضخمة بين القارئ العربي وبين الكتاب المختلف". ويرى ان "مجتمعات تزخر بالأمية المعرفية، ويسود فيها جهل مقصود، تضع نفسها دائماً في مواجهة التنوير القادم من الكتاب المختلف، الحر، المقتحم والمجدد". ويوضح أن الكتاب "يزهر في أرجاء المجتمع المدني، حيث يتحول مع الكتابة الى ضرورة معرفية قصوى". ويعتبر خلفان مصبح المهيري، الوكيل المساعد لشؤون الثقافة والفنون في "المجمع الثقافي"، ان العرب لا يقرأون، ولا يتجاوز وقت المطالعة لدى العربي نصف الساعة سنوياً. ويحيل أسباب ذلك الى تفشي الأمية... "فمن بين 250 مليون عربي هناك ستون في المئة أميون، فلتُعالج الأمية أولاً. ويشير الى ان المجلس الأعلى للثقافة في مصر يصدر سنوياً نحو أربعمائة عنوان، بين مؤلف ومترجم، بواقع ثلاثة آلاف نسخة من كل عنوان، تعرض بأسعار مقبولة في بلد السبعين مليون نسمة، وتتجول في معارض الكتب بالدول العربية، ثم تعود منها نسخ كثيرة. الى ذلك يؤكد طلال طعمة، مدير تحرير مجلة "زهرة الخليج" الإماراتية، أن هناك "أزمة قراءة حقيقية، ويتضح هذا في حجم الإقبال على معارض الكتب، الذي يتراجع عاماً بعد عام، ذلك انك ترى زوّاراً أقل، اضافة الى ان العدد الأكبر من هؤلاء يغادرون المعارض من دون ان يشتروا كتاباً واحداً، كما لو أن المعرض هو مناسبة ترفيهية". ويضيف: "لو تعمقنا في نوعية الكتب الأكثر مبيعاً، لتكشّف لنا وجه آخر من وجوه الأزمة. فالأكثر مبيعاً ورواجاً هي كتب الطبخ والغيبيات. وهذا موضوع آخر يستحق الدرس". أما الشاعر الاماراتي أحمد راشد ثاني، فيعتبر ان "العربي على رغم انتشار الأمية التعليمية، قارئ ممتاز، وبخاصة المتعلم. لكن المتعلمين في المجتمع العربي يشكلون نسبة ضئيلة". ويضيف ان الخطاب النهضوي العربي تجنب ثنائية في منتهى الخطورة، في ما يتعلق بالثقافة العربية، وهي ثنائية الشفوية والكتابية، فحتى النخبة الضئيلة القارئة في المجتمع العربي هي شفوية التفكير والوعي". ويوضح ان "مشكلة العرب انهم لم يتحولوا نحو الكتابة، وبخاصة في مجتمع الخليج، بل قفزوا من الشفوية، من وعي شفوية يعيشونه ويشكل ثقافتهم الوحيدة، الى شفوية ثانية تقوم على المطبعة والكتابة أصلاً. لذلك ترى ان الوسائل الاذاعية والتلفزية والانترنت عرجت في هذه الثقافة، إذ ندخلها بلا أساس كتابي، أو يمكن ان نقول انها تكنولوجيا في خدمة التخلف". وفي هذا الاطار يؤكد ان الكتاب الورقي باقٍ". إلا ان الكاتب محمود خضر، يرى ان "الأزمة الموجودة ليست أزمة قارئ أو كتاب، بقدر ما هي أزمة الإنسان العربي الذي يعيش مطحوناً، يلهث وراء لقمة العيش". مؤكداً انه "إذا توافرت لهذا الإنسان الحرية والحياة الاقتصادية الجيدة، سيكون قارئاً جيداً". ويشير الى ان الحضارة الإسلامية كان لها دور رئيس في تطوير المعرفة الإنسانية، بصفتها حلقة مهمة في سلسلة الحضارة البشرية. ولن نرتقي ما لم نترك للعصافير حرية التغريد، وللأزهار ان تتفتح". ويعرب عن اعتقاده بأن الكتاب الورقي، على رغم تطور وسائل المعرفة المتعددة، سيظل موجوداً، "لقد تعلمنا من التاريخ ان الأشياء المفيدة تدوم وتزدهر". أما الباحث سعدي الحديثي، فيستنتج ان عدد القراء التقليديين في تصاعد، لأن "معدلات طباعة الكتب والمجلات في زيادة متواصلة". ويرى ان القراءة التقليدية ما زالت الوسيلة الأسهل والأكثر توصيلاً للمعلومات... وإذا حدث لهذه القراءة شيء فإنه لن يكون إلا في ايجاد الوسائل الأكثر سهولة وسرعة". عُمان: الكتاب ديكور منزلي والاخطر أمية المتعلمين تشكل معارض الكتاب في سلطنة عُمان فرصة كبيرة لاقتناء كتب خدمتها ظروف عدة لتكون ضمن قائمة الكتب المبتغاة. وفي هذه المعارض تنقسم حركة الشراء الى ثلاثة أنواع: النوع الاول: شراء خاص لعناوين غالبا ما تكون محددة ولكن قد يأتي المعرض الآخر بعد عام ولم تفارق الكتب الرفوف التي وضعت عليها، على أمل يبدو لا يتحقق في ان ياتي يوم يُفتح فيه غلاف هذا الكتاب. النوع الثاني: شراء للمكتبات العامة التي غزت ولايات عدة في عمان وتحتوي على عشرات الآلاف من الكتب. لكن قوائم الاستعارة فقيرة من الاسماء التي تتآكل يوما بعد آخر وقد يبقى الكتاب اشهراً ولا تعيده الى رفه الا مطالبات امين المكتبة. النوع الثالث: شراء للجهات الحكومية الحريصة على رفد مكتباتها بالكتب المتخصصة والتي قد لا تجد من يفض بكارة غلافها الا باحث اكاديمي يفتش عن معلومات محددة. اما الموظفون فهم عين على الاوراق التي على الطاولة واخرى على ساعة المكتب اذا كانت عقاربها بعيدة. وفي سياق هذه الانواع الثلاثة استثناءات لا تلغي القاعدة. فالقاعدة ان القراءة اصبحت ترفا ثانويا وقد تتكدس الكتب في رفوف المكتبات المنزلية لكنها كديكور في البيت تلبي استحقاقات نفسية فقط من باب ان الكتاب خير جليس في الزمان ولكن الشاعر لم يحدد اين يجلس هذا الجليس. وفي جولة على مكتبات مسقط بدا العاملون فيها يضربون كفا بكف للحالة التي وصل اليها الكتاب. مشيرين الى ان الراغبين في اقتناء الكتب ينتظرون معارض الكتاب على امل ان الكتب ستكون ارخص. ويقول احدهم: "لولا بيع الصحف والمجلات لأغلقنا المكتبة منذ زمن، فالكتب الادبية راقدة كما جاءت، واذا كان هناك من يوقظها فزيارات نادرة من باحثين في الكليات يفتشون عن عنوان محدد وقد يصرخون بأنه غال". علماً ان عدداً من المكتبات التي تركز على الكتب الادبية اغلقت ابوابها او تحولت الى قرطاسيات ان لم يكن الى بيع الملابس الجاهزة! اذن ما هي الكتب الاكثر رواجاً في عُمان؟ في ما يشبه الاتفاق يرى الكثيرون ان كتب المعلومات "سين وجيم" هي الاكثر مبيعاً فبرامج المسابقات اشعلت الطلب على مثل هذه الكتب، كما ان فوازير رمضان تناولت الامثال الشعبية فلم يبق كتاب في هذا الجانب يمكن الحصول عليه في أي مكتبة، فشاعت القراءات السطحية وكتب الجنس والمراهقة. لبنان: الروايات تتقدم وكتب التسلية الى تراجع في لبنان، معظم دور النشر والمكتبات وأكشاك الصحف التي ذهبنا الى أصحابها، نسألهم عن أحوال القراءة في لبنان، كان جوابهم المشترك الشكوى من الوضع الاقتصادي المتردي في لبنان. فالوضع الاقتصادي في السنوات الأخيرة، انعكس على الحراك الثقافي وتسويق الكتب وقراءتها، كون الكتاب من الكماليات التي يمكن الاستغناء عنها كما يردد بعض المواطنين، في وقت ازدادت ثقافة "الكيتش" التلفزيونية، وانتشرت كتب "الأسئلة والأجوبة" في المكتبات والأكشاك مثلما تنتشر كتب الجنس الرخيص والأبراج. والحال ان القراءة في لبنان ليست في خير، وثمة من يتهم القراء في لبنان بالسطحيين الذين يتبعون "الموضة" الثقافية أكثر مما تهمهم الرصانة. فخلال معرض الكتاب العربي الأخير، الذي أقيم في مبنى "اكسبو بيروت"، بدا ان دور النشر اللبنانية تعتمد على حفلات التواقيع كي تبيع، او تسوّق كتبها. والكاتب في "كرنفال" التوقيع، يكون مقدار بيعه نسخاً من كتابه بقدر ما "يمتلك" من علاقات عامة في الأوساط الاجتماعية أصدقاء، أقارب، محازبين. وهذا النسق بين أهل الثقافة، في المعرض الأخير أثار بعض السجالات العلنية بين مجموعة من الكتّاب، وصلت الى حد "الحرب الباردة" الضمنية، اذ كتب أحد الشعراء يومذاك ساخراً، بأن الكتب الأكثر مبيعاً هي الأكثر خداعاً. السؤال، ماذا يقرأ اللبنانيون؟ بدا الجواب واضحاً من خلال كلام صاحب أحد أكشاك الكتب في بيروت، اذ قال: "منذ فترة كان بعض المارة يتأمل في الكشك، ويسأل عن ثمن كتاب ماغي فرح وكان ربما يشتريه. في هذه الأيام قلّ من يشتريه وقلّ من يسأل عنه. كتب الصحافي المصري محمد حسنين هيكل أيضاً كانت تباع بكثرة، ولكن قلّ طلبها. كتاب "الشيف رمزي" المخصص للطبخ، ما عاد يمتلك بريقه الذي كان عليه في السابق. أحد باعة الكتب على الرصيف قال: "في هذه الأيام، هناك كثر يقرأون ديوان "حالة حصار" لمحمود درويش الصادر اخيراً. وهذا ما عكسته الأوضاع المزرية في فلسطين، كون الكتاب يعبر عن الوضع المأسوي، وأيضاً عكسه مجيء محمود درويش الى بيروت واقامته أمسية حاشدة في المدينة الرياضية، ثم توقيعه الديوان المذكور في فندق "الكومودور". وعلى هذا، نستنتج فعل الحدث في فعل القراءة. والسؤال ماذا لو صدر كتاب "حالة حصار" في فترة السلام، ماذا سيكون وقعه؟ أحد العاملين في مكتبة "بيسان" قال ان الطلب على الكتب التي تخص القضية الفلسطينية قلّ بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982، ولكن في ظل الانتفاضة الثانية، عاد الناس يقرأون عن الموضوع نفسه، مثلما دأبوا في الأيام الأخيرة على سماع الأغاني الوطنية ووضع الكوفيه المرقطة على أكتافهم او رؤوسهم. والحال ان الكوفيه انتشرت في محلات الثياب، والكتب الأجنبية عن ياسر عرفات تصدرت واجهات المكتبات. وقبل اشتداد الحرب في فلسطين ومجازر جنين ونابلس، كانت الكتب عن أسامة بن لادن قد انتشرت كالفطر في الواجهات، لكن ما لبثت ان قلّت. وهذا ارتبط بأحداث 11 أيلول وتداعياتها، ما يبين ان دور النشر تنتظر "النافذة الانتهازية" لنشر الكتب لتبيع أكبر قدر من النسخ في وهج الحدث وتأثيراته على ذهنية القارئ. أحد العاملين في دار الساقي، قال ان الكتب الأكثر مبيعاً في الدار هي "ساعتان هزتا العالم" عن 11 أيلول لفريد هاليداي و"أميركا التوتاليتارية" لميشال بوغنون - موردان. من ناحية اخرى يتأثر القارئ بالوسائل الاعلامية وما تقوله عن الكتب سلباً وايجاباً. فهي تحفز القارئ على شراء الكتب ذلك ان الكتاب كسلعة ثقافية لها مقدمات خاصة وتسويقها التجاري يجب ان يجاري خصوصيات الأذواق لمستهلكي الكتابة. أحد العاملين في مكتبة "دار النهار"، قال ان بعض عناوين الكتب لها محازبوها، فدار النهار التي طبعت كتاب "كمال جنبلاط الأسطورة" تدرك ان أكثر من يشتريه من الحزب التقدمي الاشتراكي او الطائفة الدرزية. الأمر نفسه مع كتاب "ضمير لبنان ريمون إده"، فأكثر من يقرأه من أنصار حزب الكتلة الوطنية، ولا يختلف الأمر في الكتب اليسارية لدى دار الفارابي والكتب الخمينية عند "حزب الله". الأمر الآخر المؤثر في القراءة كما بدا لنا، هو الأسماء اللامعة في الثقافة، شأن نوال السعداوي، محمد أركون، إدوارد سعيد، جورج طرابيشي وأمين معلوف. فهذا الأخير لا يزال الأكثر مبيعاً في دار الفارابي، وبخاصة روايته "صخرة طانيوس". ولعلّ المنع والرقابة يساهمان في تحفيز القراء على شراء كتاب "نقد الفكر الديني" لصادق جلال العظم، فهذا الكتاب، حسب صاحب احدى المكتبات، لا يزال مطلوباً على رغم مرور عقود على صدوره. وهو من جملة كتب تبحث في شكل علمي وعقلاني في أمور الدين. "دار الآداب" غالباً ما تضع في رأس مبيعاتها رواية أحلام مستغانمي "ذاكرة الجسد". فهذه الرواية أصبحت مثل اللغز من خلال تكاثر الراغبين في قراءتها. دار الآداب أيضاً تجد ان لدى القراء اهتماماً بالروايات التي تصدر عن الدار: الياس خوري، حنان الشيخ، حنا مينه وسواهم. الأمر نفسه في "دار النهار" التي أصدرت روايات لهدى بركات وجبور الدويهي... ذلك ان الطلب على الروايات الحديثة يبدو جيداً بحسب صاحب مكتبة "بيسان". قصارى القول ان في لبنان عشاقاً للقراءة، لكن الغالب ان بيروت تبدو منتجة للكتب أكثر من كونها مستهلكة.