صداقتي مع فقيد الوطن عبد الرحمن بن صالح الشبيلي «أبي طلال» امتدت لأربعة عقود، وكانت حميمية منذ اليوم الأول الذي التقيته فيه في مكتبه عندما كان وكيلاً لوزارة التعليم العالي، وتشاركنا في دراسة، ومعنا الدكتور خالد السيف وكيل جامعة الملك فيصل، والدكتور فؤاد غزالي عميد كلية الهندسة في جامعة الملك عبدالعزيز، وكنت آنذاك عميد كلية الإدارة الصناعية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وكانت الدراسة حول نسبة الأساتذة إلى عدد الطلاب في الجامعات السعودية، بتكليف من الدكتور عبدالعزيز الخويطر وزير التعليم العالي حينذاك. وكان ذلك العمل الذي تطابقت فيه رؤانا لأهمية الجودة في التعليم العالي، وضرورة صيانتها، والحفاظ عليها خدمة للوطن وتطوره، نقطةً رابطة، بقيت تغذي تلك العلاقة الحميمة، إلى أن جمعتنا الدورة الأولى في مجلس الشورى، ويشاء الله تعالى أن يكون مقعدانا متجاورَين اثني عشر عامًا متواصلة. كان - رحمه الله - في اللجنة التعليمية، وكنت في اللجنة الاقتصادية والمالية، وبقينا نتبادل الأفكار والآراء حول ما يعرض من دراسات ومشاريع أنظمة، ونتبنى ما نرى فيه خير الوطن والمواطن. ولا أذكر يومًا أننا اختلفنا. ولقد أفدت كثيرًا في تلك السنين وبعدها من علمه وثقافته الموسوعية واللغوية وأدبه الجم، وابتعاده وترفعه عن سفاسف القول. لست الوحيد الذي يحس بفراغ في الفؤاد وينتابه شعور عميق بالفقد يا أبا طلال.. بل يشعر بذلك كثير ممن عرفوك، عرفوا عبدالرحمن الشبيلي الإنسان الراقي المفكر المهذب الودود الصادق.. ويأتي على رأس القائمة أهل بيتك، ولا أقرب من زوجتك الفاضلة أم طلال المرأة الصبور رفيقة دربك، وأصدق الأصدقاء المقربين إليك، التي شاركتك وعاشت معك حزن ابنها الوحيد.. واليوم تعيش حزن فقدك ورحيلك المفاجئ، وبناتك اللاتي عشن في كنف عطفك ومحبتك وقربك منهن، وأحفادك وأسباطك الذين أسبغت عليهم حنانك وعطفك، وكنت قدوتهم في الشهامة والسخاء وطيب النفس وعزتها، وأصدقاؤك ومحبوك ورفقاء دربك الكُثر، الذين كنت لهم نعم الأخ والزميل والمرشد والملهم والرفيق والصديق في ساعات يسرهم وعسرهم، والمضيف الكريم لمن زارك وقصدك.. فَقْدك يا أبا طلال فَقْد للوطن الذي أحببته وتفانيت في خدمته، وتعاملت بعدل وروح إيجابية صادقة مع جميع مكوناته دون تمييز.. كنت دومًا خادمًا أمينًا للوطن، صادقًا في محبته وخدمته، وجنديًّا أمينًا في الذود عن حياضه، ومشعل خير ونور، تُكسب الوطن مزيدًا من الصداقات حين مثلته في المحافل الدولية. وداعا يا صديقي «عَلَم الإعلام»، لقد اختططت لنفسك منهاجًا علميًّا رصينًا، رصدت من خلاله مسيرة رجال أفذاذ، كانت لهم بصمات في تأسيس هذا الوطن وخدمته، وبالأخص أولئك الذين كانت لهم أيد بيضاء وإسهامات على مستوى التنمية الاجتماعية والإعلامية في المملكة، فدونت ووثقت سيرهم وإسهاماتهم، وحاولت ونجحت في تسليط إضاءات على من استطعت، وذلك بتدوين سيرهم وإسهاماتهم وتجاربهم، فسجلت ودونت ما هو مفيد، وما تؤخذ منه الدروس والعبر. كنت مدرسة لعلم الإعلام في المملكة، وأجدت هذا الصنيع، وتركت حصيلة علمية توثيقية بمؤلفاتك ومحاضراتك وتسجيلك العلمي الرصين المميز لتاريخ الإعلام وتطوره في المملكة، جعل الله ذلك كله في ميزان حسناتك. وداعا يا صديقي.. أعرف أن هذه العجالة لا توفيك حقك، ولا تكفي لسرد إنجازاتك وإسهاماتك في خدمة وطنك؛ فأنت يا أبا طلال كنت رجلاً كبيرًا بكل مقاييس الرجال الأفذاذ، وخلدت لنفسك ذكرًا يعجز قلمي عن حصره.. لقد زرعت الخير بين كل من عرفوك؛ فحصدت الحب والتقدير والإجلال.. عندما اكتحلت عيناي برؤيتك وأنت على فراش الموت، وتحدثت إليك، أدركت كم هو فقدك كبير بالنسبة لي؛ فقد كنت الأخ الذي لم تلده أمي.. عزائي لجميع أفراد العائلة الكريمة، ولأصدقائك ومعارفك، وعزائي للوطن في فقد رجل من رجالاته الأوفياء المخلصين. تغمدك الله يا أبا طلال بواسع رحمته، وأسكنك فسيح جناته، وجمعنا الله وإياك في جنات الخلد. و{إنَّا للهِ وإنَّا إِلَيْه رَاجِعُون}. ** **