إذا قضى الله أمراً فلا راد لقضائه..وإنا لله وإنا إليه راجعون «يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي». يرحل عن هذه الدنيا رجال ويأتي آخرون يخلد بعضهم في صفحات التاريخ، بينما تطوي صفحات آخرين، هؤلاء الذين خلدهم التاريخ أسهموا في بناء الماضي والحاضر والمستقبل، وأسسوا اللبنات وتركوا آثارهم أينما حلوا وارتحلوا. بقلوب مؤمنه بقضاء الله وقدره فقد الوطن أحد أغلى أبنائه المخلصين الأمير تركي بن سلطان يرحمه الله، وأحد أبرز رجالاته الأوفياء في مجالات الإعلام والرياضة والثقافة والأعمال الخيرية، قدم الكثير من الجهد والفكر والعطاء، وحمل لواء التحدي في الكثير من المواقف التي سنظل نذكرها ويذكرها التاريخ، ويسطرها في صفحات المجد الخالدة والتي ستكون دروساً وعبراً للأجيال القادمة. إن إنجازاتك وأعمالك ومواقفك الفكرية والإنسانية تجاه هذا الوطن وأبنائه ستظل علامات مضيئة في تاريخ الإعلام والرياضة.. نعم لقد عرفته منذ اللحظات الأولى وأيام الدراسة الجامعية في كلية الإعلام بجامعة الرياض.. لقد كان من الطلاب المتفوقين محباً للرياضة والثقافة داعماً للأنشطة. نعم عرفناك بتسامحك وصفائك وإنسانيتك وتواضعك وتعاطفك وتعاملك مع الجميع. لقد كنتٌ أحد رفقاء الدرب من الذين عملوا معك لا أكثر من ثلاثين عاماً. من اللحظات الأولى في الإعلام بعد التخرج عملنا كثيراً ورسمنا طريق المستقبل. لن ينساك الذين عملوا معك على مختلف المستويات في اللجان التطويرية، ولجان الحج، ومعارض المملكة بين الأمس واليوم وحرب الخليج، والمؤتمرات الدولية داخل وخارج المملكة، وأيضاً المناسبات الإعلامية والأسابيع الثقافية ومشاركات كأس العالم والدورات الأولمبية. لقد كنت رجل المواقف والداعم الحقيقي لإنجاح الرسالة الإعلامية. كم تحملت من الجهد والعطاء والأعباء المالية التي كنت تغطيها من جيبك الخاص. عرفتك في هدوئك ورزانتك وبساطتك وابتسامتك الدائمة ونظراتك الخجولة التي توحي دائماً بالأمل والمطالبة بمضاعفة الجهد والعمل من أجل مصلحة هذا الوطن. نبكيك ويبكيك الوطن، ويبكيك الإعلام والرياضة والجماهير في مدرجاتها وملاعبها التي كم أسعدتها بنقلاتك الحضارية في مجال الإعلام التلفزيوني والقنوات الرياضية التي جعلت منها فرس الرهان، وكنت الفارس الذي كسب سباق الرهان، وأصبحت قنواتنا الرياضية تنافس القنوات الفضائية، فكانت محل الإعجاب والتقدير. لقد دعمت وأتحت الفرصة للكوادر الإعلامية السعودية في مختلف المجالات، وأسهمت وعملت على تطويرها. أعمالك الإنسانية ومواقفك الخيرية ومساعداتك للمحتاجين في جميع الظروف ستظل شاهداً إلى يوم القيامة. لقد تعلمنا منك الكثير، كالصبر وسعة الصدر والعمل بصمت، وكانت أعمالك دائماً هي التي تتكلم عنك. لقد كنت الأخ والصديق والأستاذ والموجه، وكنت مدرسة في الأخلاق والتواضع و مساعدة الناس. تغيب أيها الراحل العزيز عن العيون ولكنك حاضر في زوايا الفؤاد، سيرتك النبيلة تسري في عروق التاريخ إنجازات، وخلقك ومواقفك ومناقبك وسجاياك التي عرفها القاصي والداني. نعم ما أحب الناس عبداً إلا أحبه الله، وأشهد أنك فزت بحب الناس. عزاؤنا أنك أسست لعطاء يستمر عملاً صالحاً نافعاً يخدم هذا الوطن، أيها الأمير أصدقاء دربك عبر السنين (الخياط والمانع والخريجي والرميح والقهيب والكثيري والجابر) وغيرهم من الإخوان الإعلاميين الذين رافقوك داخل المملكة وخارجها يحتفظون بأجمل الذكريات خلال عملهم معك، وسيذكرونك في حلهم وترحالهم أيام الزمن الجميل. كنت نبراساً يضيء الطريق لهم من أجل مستقبل زاهر. تركي بن سلطان.. رحلت ولم تقل لنا وداعاً.. نحن أحبابك وأصدقاؤك ورفاق دربك ورجالك المخلصون الذين سيقولون لك وداعاً، ويجعلون أبناء الوطن جميعاً يقولونها أيضاً.. وداعاً إلى جنات الخلد إن شاء الله. أخيراً، إن مصابنا في فقده جلل، ولا يسعني إلا أن أرفع أكف التضرع إلى الله الذي لا راد لقضائه، داعياً العلي القدير أن يتغمده برحمته الواسعة، وأن يسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء والأبرار الصالحين وحسن أولئك رفيقا، وأن يلهم أهله وذويه والعائلة الكريمة وجميع الإعلاميين والرياضيين الصبر والسلوان... وإنا لله وإنا إليه راجعون.