في المواسم الأخيرة ظهرت طفرة ما يسمى المحلل التحكيمي، معظم البرامج الرياضية أصبحت تستضيف حكماً سابقاً ليتحدث عن الحكم، فيبرر قراراته أو يكشف أخطاءه، خاصة القرارات التي تبعها جدل واحتجاج إن داخل الملعب من لاعبي الفريقين أو خارجه من مسؤوليهما وجماهيرهما والإعلام المحسوب عليهما. لم يكن التحليل التحكيمي معروفاً على نطاق واسع، وكان القائمون على التحكيم يرفضون الحديث عن أخطائه، اعتقد أن بدايات هذه الفقرات تعود لموسم 1997م عندما ألغى عمر المهنا هدفاً للاعب الهلال السابق خميس العويران سجله في مرمى النصر، فظهر أحد المسؤولين عن التحكيم في برنامج أسبوعي ليبرر عدم احتساب الهدف بنظرات اللاعب وهو ما عرف لاحقاً لدى الناس ب (هدف النية) وهو إلى اليوم أحد أشهر الأهداف الملغاة دون سبب واضح في ملاعبنا. في بدايات التحليل التحكيمي كانت القنوات المتخصصة تستضيف حكاماً لهم قيمتهم وتاريخهم وحضورهم المشرف، كانوا أيضاً حكاماً محايدين لم يشهد تاريخهم جدليات وأخطاء لا يقع فيها حكم مبتدئ، وكان الهدف من هذه الفقرات تثقيف المشاهد ورفع مستوى الوعي لديه في القانون وعدم جعله أسير آراء متعصبة أو صادرة من مسؤول أو لاعب يبحث عن شماعة يعلق عليها أخطاءه، كان المحلل المتخصص أيضاً يستعرض حالات محددة لا تتجاوز الثلاث أو أربع حالات فقط، وكان يحرص على عدم تأجيج الرأي العام ويبحث عن مبررات للأخطاء مثل زاوية الرؤية أو سرعة الحالة أو التقدير الخاص بها. مع الأيام وتعدد القنوات والبرامج ثم ظهور وسائل التواصل الاجتماعي زادت فقرات التحليل التحكيمي وزاد عدد المحللين، وأصبح لكل صحيفة وقناة محللها الخاص، وبعض الحكام السابقين اتخذ من وسائل التواصل منصات يستعرض فيها آراءه حول الحكام، ومع زيادة عدد المحللين وتباين الآراء - على الرغم من أن الحالة واحدة والقانون واحد - بدأت هذه الفقرات تفقد قيمتها، وأصبح المشاهد الواعي المتبصر قادراً على فرز ما يشاهده أو يسمعه، وأصبحت بعض الآراء محل تهكم وتندر الناس خاصة عندما تصدر من حكام سابقين، فشلوا في الميدان، وسجلت عليهم مواقف مختلفة تضرب حيادهم وتقلل من أثر آرائهم وقيمتها. يأخذ المتابعون على فقرات التحليل الرياضي عدة أمور ينبغي أن يأخذها القائمون عليها مأخذ الجد : - استضافة حكام سابقين لم يكن بعضهم ناجحاً في مجاله، وبعضهم أبعد عنه لتكرار أخطائه، وبعضهم وقع في أخطاء اتفق عليها الجميع وأصبح من المستحيل أن يستمع الناس لهم أو يؤمنوا بآرائهم، وحينما تسمع لآرائهم تتساءل كيف أصبح هؤلاء حكاماً يوماً. - وقوع محلل تحكيمي واحد في فخ التناقض في الرأي دائما، رغم أن الحالات المستعرضة متماثلة، والقانون واحد. - تناقض المحللين في الحالة الواحدة، وكل منهم يصدر حكماً، هذا وهم يشاهدونها مرات ومرات، ثم يلومون الحكم الذي يتخذ قراره في لحظة، مما يجعل المتابع يؤمن بأن التحليل مجرد انطباعات شخصية لا تقوم على قانون كرة القدم ولا تستند إليه. - استعراض حالات محددة فقط في المباراة يتم اختيارها من قبل المعد أو المحلل أو بالاتفاق بينهما مع حجب حالات أخرى، مما يضرب المصداقية المفترضة في مثل هذه البرامج. - تأثر المحلل بآراء المتواجدين معه في الاستديو ومجاملتهم في بعض الأحيان. - طريقة ظهور بعض المحللين في وسائل التواصل الاجتماعي وأسلوب كتاباتهم فيه وتعصبهم الواضح، الذي تؤيده مواقفهم السابقة في الميدان جعلت من تحليلهم مجرد (سوالف) لا تقدم ولا تؤخر. عندما تريد القنوات أن تقدم برامج تحليل تحكيمي، عليها أن تختار حكاماً أكفاء محايدين مؤهلين، مؤهل حكم سابق ليس كافياً لتقديم محلل جيد.... للأسف هذا المحلل نادر الوجود اليوم.