أكثر من نصف الطعام في منطقة الخليج يذهب هدراً لا يستفاد منه! هذا محزن ومؤسف، وحسب ما ذكره وزير التغير المناخي والبيئة في دولة الإمارات العربية المتحدة الدكتور ثاني الزيودي فإن فاقد الطعام في المنطقة الخليجية يتراوح بين ستين في المائة إلى سبعين في المائة! المفارقة هي أن متوسط نسبة فاقد الطعام في بقية بلدان العالم لا تتجاوز ثلاثين بالمائة، وبعض هذه البلدان غنية بمصادرها الزراعية والحيوانية وتعتبر من البلدان الرئيسية في إنتاج الطعام وتصدر منتجاتها الزراعية ومصنوعاتها الغذائية إلى مختلف بلدان العالم بما فيها منطقتنا الخليجية. إن حجم الإسراف والبذخ عندنا في المملكة وفي مختلف دول مجلس التعاون الخليجي مهول ويصدم المنطق والحس السليم. وهذا الإسراف نلمسه في الولائم العامة والخاصة وفي بيوتنا، وقد تعود الناس عليه فأصبح مقبولاً وغير مستغرب. ومن المناظر المؤذية بشكل خاص ما نشاهده في الولائم التي تقام في حفلات الأعراس، فكمية الطعام التي تُقدم تكفي لإطعام أضعاف عدد المدعوين. وقد تكون هذه الظاهرة تقلصت قليلاً في بعض مدننا الكبيرة، إلا أنها ما زالت موجودة وبخاصة في حفلات الأعراس الشعبية التقليدية. ومن المؤسف أن العادات والتقاليد تغذي الإسراف والبذخ في الولائم وتعتبر ذلك كرماً مع أنه أحياناً أقرب إلى السفه منه إلى الكرم، وهو سلوك يتناقض مع القيم الدينية التي تحارب الإسراف. وفي السنوات الأخيرة انتشرت الجمعيات والمجموعات التي توزع فائض الولائم على الأسر المحتاجة، وهذا جيد لكنه مؤشر إلى حجم الإسراف وهو أمرٌ قلما نجده في البلدان الغنية الغربية اللهم إلا في فائض الطعام غير المستهلك في المطاعم أو الأطعمة ذات الصلاحية المحدودة والمشارفة على الانتهاء في محلات السوبرماركت. نحن نمر في فترة زمنية متغيرة، وقد جاءت مبادرة «حساب المواطن» على أمل تعويض بعض الشرائح عما فقدته وستفقده بسبب زيادة الأعباء المعيشية التي يتحملها وسيتحملها المواطن. وربما أن هذا الوقت مناسب لتكثيف التوعية بكيفية إعداد ميزانية الأسرة وترتيب الأولويات الإنفاقية ومحاربة المظاهر والسلوك الإسرافي. وهذا عِلم يُدَرَّس وليس مجرد وعظ إنشائي مكرر يستمع إليه البعض ولا يعيه.