حذر خطباء ومستشارون من عملية التباهي والمفاخرة في عملية الإسراف والتبذير التي أصبحت تشكل الهاجس الكبير من خلال ما يتم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتباهي بنشر الصور والمقاطع لعملية المباهاة، مطالبين الجهات المسئولة بتتبع أولئك العابثين والأخذ على أيدي السفهاء. بتأديبهم وزجرهم ومعاقبتهم والتشهير بهم ليكونوا عبرةً لغيرهم ممن يغتر بهم ويقلدهم . وقال مدير عام إدارة الأوقاف والمساجد والدعوة والإرشاد بالأحساء، الشيخ أحمد بن إبراهيم السيد الهاشم: حذر الله جل وعلا من التبذير والإسراف في كل شيء، وذم المبذرين والمسرفين في عدة مواضع وآيات في كتابه الحكيم، فالله سبحانه يمقت الإسراف وهو مجاوزة الحد فيكفي المسرف عقوبةً بأن الله لا يحبه بل يبغضه، ويكفي المبذر أن الله جعله أخاً للشيطان الكافر الجاحد لنعم الله، وما شاهدناه من تجاوزات لبعض الناس في ولائمهم ومناسباتهم وتصويرها ونشرها للتباهي بها من بعض ضعاف النفوس وسفهاء العقول لا يعكس حال المجتمع السعودي، ولله الحمد، الذي تميز بانضباطه وحسن تصرفاته وحفظه للنعم بشكر الله والمحافظة عليها، كي تدوم وتحمى من الزوال، لأن الله وعد من شكر بالزيادة وتوعد من كفر بالعذاب الشديد، ولقد أثبتت الأيام والتاريخ كيف فعل الله بأقوام ومجتمعات وأناس أغدق الله عليهم النعم والأرزاق فتجاوزوا الحدود بالإسراف فيها وتبذيرها وعبثوا بها فسلبها الله من أيديهم وصاروا يشحذون ما يسد رمق جوعهم، ويكسو أجسادهم، والله جلّ وعلا بالمرصاد لكل من بغى وطغى وتجاوز الحدود، لذا واجب علينا جميعاً كمسلمين أن نتقي الله ونخشاه فيما أنعم علينا وأكرمنا ونحافظ عليها بشكره وعدم الإسراف والتبذير فيها وأداء حق الفقير والمسكين والمحتاج منها، وننبذ كل من يجاهر بالعبث بها ويكون سبباً في زوالها ولنتناصح ونتواصى على حفظها وصيانتها، كما يجب على الجهات المسئولة تتبع أولئك العابثين والأخذ على أيدي السفهاء. بتأديبهم وزجرهم ومعاقبتهم والتشهير بهم. ليكونوا عبرةً لغيرهم ممن يغتر بهم ويقلدهم، وبهذا نجنب بلادنا ومجتمعاتنا وأهلنا غضب الله ومقته وعقابه وعذابه، وأسأل الله الكريم أن يحفظنا ويحفظ لنا ديننا وولاة أمرنا وأمننا ورجال أمننا وأرزاقنا وخيراتنا. وألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا. هاوية المجتمعات وقال إمام وخطيب جامع علي ال ثاني، الشيخ الدكتور أحمد البوعلي : حذّر الله من الإسراف والتبذير وحذر رسوله صلى الله عليه وسلم من صرف الشيء فيما لا ينبغي أو إنفاق المال في غير حقه، وَمِمَّا لا شك فيه أن إكرام الضيف شيء جميل ودعوته إليه، بقدر ما يكفي الحال، بدون زيادة ولا إسراف، وما نراه من البعض من صور البطر ومظاهر الإسراف، والمباهاة والتفاخر، من طعام أو شراب أو لباس قد يكون ذلك كله مؤشراً على كفران النعم، واستيلاء الغفلة"، وياليتنا نسأل الآباء والأجداد عن حالهم قبل سنوات: كيف كانوا يعيشون فلابد أن يعود المجتمع نفسه على النقد والمحاسبة، والمراجعة عن أية عادة تخالف العبادة ولمثل هذه التصرفات والتي بدت من ضعيفي الإيمان قليلي الوعي وتظل هذه حالات فردية إلا أنها مؤلمة وخاصة ممن منحهم الله نعمة المال والأمن. ونحن بلد قدوة ينظر العالم إليه بينما هناك أناس يأكلون أنفسهم حتى الموت، من شدة الجوع يعانون منه، والذين يكاد عددهم يلامس المليار شخص في العالم. وقال البوعلي: يُقدر فائض الوجبات التي ترمى في الحاويات بالمنطقة الشرقية ب4 ملايين وجبة يومياً، وتصنع الفنادق العالمية ما يقارب 45 إلى 60 ألف وجبة سنوياً، و30% منها فائض يضطرون لرميها في الحاويات ، وقدرت حجم الأطعمة المتبقية يومياً من موائد السعوديين في رمضان بنحو 4500 طن من الأطعمة، و أن أغلبية الأطعمة الفائضة يتم رميها وعدم الاستفادة منها، رغم أن كل أسرة يمكن أن تطعم شخصاً واحداً على الأقل طوال السنة "، لتصل القيمة المهدرة منها نحو مليون و200 ألف ريال . وأشار البوعلي: أجدها فرصة للتأكيد على أمانات وبلديات المملكة بمشاريع التدوير والفرز والإفادة منها، ومن أبرز ما يترتب على هذه الظاهرة مفاسد وآثار سيئة على المجتمع، ومنها : ارتكاب ما حرمه الله ونهى عنه، وهو تبذير الأموال وإضاعتها والكفر بنعمة الله، أنه يؤدي إلى الكِبْر والفَخْر والمخْيَلة، وأنه يؤدي إلى كسر قلوب الفقراء والمحتاجين، فإنهم عندما يرون هذه الموائد مليئة بأنواع المأكولات تضيق صدورهم، وتنكسر قلوبهم ويحرمون من الاستفادة منها، وأنه يؤدي إلى وجود البغضاء والشحناء بين أفراد المجتمع، فالفقير إذا رأى فعل ذلك من الأغنياء حصل في قلبه الحقد والحسد، وأنه يؤدي إلى وجود التكلف في إطعام الضيوف، فيكلف المرء نفسه في ذلك ما لا يستطيع من المشاق، وربما استدان في سبيل ذلك فيكون سبباً لقطع أواصر الصلة بين أفراد المجتمع خشية عناء الكلفه أنه يؤدي إلى عزوف الشباب عن الزواج، وذلك بزيادة التكاليف المادية عليهم في ولائم الأعراس. جهل المسرف بتعاليم الدين وقال رئيس قسم الإنتاج الإعلامي بمركز التنمية الأسرية بالأحساء، أحمد محمد البريك : المال من نعم الله على العباد، وهو نوع من أنواع الزينة في هذه الحياة الدنيا، ولا شك أن المال ضروري لقيام حياة الناس في مصالحهم ومعاشهم، والعقلاء من الناس يعلمون هذه الحقيقة، ولهذا تراهم لا يبددون أموالهم فيما لا يجدي نفعا في دنياهم أو أخراهم، وكما أمر الله تعالى أن يكتسب العباد أموالهم من حلال طيب، فإنه نهاهم عن إضاعة المال وإعطائه السفهاء فتفوت بذلك مصالح كثيرة ويكون الفقر والحاجة، ومن أجل ذلك حرم الله الاعتداء على الأموال بأية صورة من الصور ، ومن صور إضاعة المال الإسراف، والإسراف مجاوزة الحد ، وكما يكون من الغني فإنه يكون من الفقير، والمسلم الحق معتدل متوسط مقتصد في أموره كلها، لا إِفْراطَ ولا تفرِيطَ، لا غُلُو ولا مُجافَاةَ، لا إسراف ولا تقتير، لأنه ينطلق في ذلك من تعاليم الإسلام التي تأمره بالاعتدال والتوازن والاقتصاد في جميع الأمور، وتنهاه عن الإسراف والتبذير ومجاوزة الحد حتى ولو كان في الاقتصاد الذي يصل إلى حد التقتير، ولا ينتظر توجيهات البشر لأنه يفعل هذه الأمور طاعةً لله عز وجل وقُربةً إليه رجاء الثواب من عند الله سبحانه وتعالى، وخوفًا من عقابه ومحبةً له عز وجل. وقال البريك: للإسراف والتبذير أسباب توقع فيه وتؤدي إليه ومنها: جهل المسرف بتعاليم الدين الذي ينهى عن الإسراف بشتى صوره، والغفلة عن طبيعة الحياة الدنيا، والسعة بعد الضيق أو اليسر بعد العسر، و صحبة المسرفين، وحب الظهور والتباهي، والمحاكاة والتقليد. وبين البريك أن لمعالجة ظاهرة الإسراف والتبذير أموراً منها : إن على العلماء دورا كبيرا في بيان الحكم الشرعي وإيصاله للناس عبر وسائل الاتصال المختلفة، بالتعاون مع القنوات الفضائية والإذاعية والصحف الورقية والإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، وتنسيق الجهات الخيرية المعنية بهذا الموضوع مثل : مركز دار الخير بالأحساء وجمعية إطعام بالشرقية ، وغيرها من الجمعيات والمؤسسات، مع قاعات الأفراح بالمنطقة، وذلك لعمل معرض توعوي يحوي الجهود المبذولة في سبيل المحافظة على هذه النعمة العظيمة، ويقام داخل هذه القاعات وقت مناسبة الزواجات، نشر أرقام التواصل مع هذه الجمعيات عبر وسائل التواصل الاجتماعي لسهولة تواصل المستفيدين وإيصال الفائض من الطعام مع هذه الجهات، تبني فكرة وضع الثلاجات داخل الأحياء لوضع الفائض من الطعام فيها، وسهولة وصول المحتاجين إليها، بشرط الإشراف المباشر عليها من قبل الجهات المختصة ومتابعتها باستمرار، سن القوانين الصارمة لمعاقبة المستهترين بالأموال، والتشهير بهم، وفي المقابل نشر الصور الإيجابية في المجتمع، وتكريم القائمين عليها، تذليل النفس البشرية بالجوع، فالنفس البشرية إذا شبعت تحركت وجالت وطافت على أبواب الشهوات، وإذا جاعت سكنت وخشعت وذلت ، التربية الاقتصادية، وذلك على حسن الإنتاج والكسب ، وحسن الاستهلاك والإنفاق، وحسن التوزيع. وبين أن على المسلمين أن يحجموا عن أي نمط سلوكي يدمر هذه القيم والمعالم والآداب. فأية نفقة بنية التباهي أو إظهار الأبهة أو الخيلاء، لا بد وأن يكون من شأنها توسيع الهوة الاجتماعية بين الأغنياء والفقراء في المجتمع المسلم الواحد، وإن نمط الإنفاق السليم والمتفق مع الآداب الشرعية هو ذلك الذي يحكي البساطة والتواضع والاعتدال ولا يعني ذلك عزوف المسلمين عن الاستفادة من دخلهم، أو من الموارد التي امتن الله بها عليهم، لسد حاجاتهم أو عن تزويد أنفسهم بأسباب الراحة، لكن الإسلام يتطلب إعطاء الاستهلاك جدوى وجودة أعظم، كما يأمر بتجنب أسلوب الحياة القائم على الغرور والخداع، لإشباع الميل الشديد إلى تقليد الآخرين، وإن المنافسة غير الصحية على رموز الأبهة والمصحوبة بعدد من العادات، ولا سيما بمناسبات الزواج، إنما تؤدي إلى الإنفاق المفرط الذي يتم تمويله إما بتعطيل استثمار ما سبق ادخاره أو بمنع ادخار المستقبل . تصرفات دخيلة وقال المستشار الأسري يوسف الرويشد : نشرت وسائل التواصل الاجتماعي بعضا من صور التباهي من بعض الجهلة والذين يتفاخرون ببعض التصرفات الدخيلة، والتي تمثل كفرا صريحا بالنعمة، كونهم يحبون الظهور والبروز، فذاك الذي يطعم الإبل النقود والآخر الذي يغسل أيادي ضيوفه بدهن العود وغيره، وليعلم العاقل أن نعم الله تدوم بالشكر والاحترام لا الابتذال، ولنا فيمن سبق عظة، والذي ينظر إلى حالنا مع فائض الولائم يدعو الله ألا يعاقبنا بما فعل السفهاء منا، ومما يؤرق الكثير من الناس أنه لايعلم كيف يوازن بين مسألة الكرم ومسألة الإسراف والتبذير، فالكرم خلق محمود حث عليه ديننا الحنيف وخلافه الإسراف فهو خلق مذموم توعد الشارع بعقوبة فاعله حيث نهى عنه . وقال الرويشد: لعل من أهم أساليب العلاج لهذه العادات السيئة : تذكير الناس بالحكم الشرعي، ورفع مستوى الوعي الثقافي في النفقة، ووضع عقوبة سلوكية للمسرفين بالعيش في مواطن الحاجة ومخالطة المحتاجين، وتنفيذ برامج حفظ النعمة الجمعيات التطوعية والتي نشرف بصنيعها، وزيارة صالات الأفراح وعمل داتا لمواعيد الزواجات والترتيب معها، والتنشئة الاجتماعية السليمة من الوالدين ، وعمل الندوات والدروس والمحاضرات التذكيرية . البذخ والإسراف لا يقبلهما الدين وقال إمام وخطيب جامع عمر بن الخطاب بمدينة العيون، الشيخ عبدالله القرناس : في الأيام القليلة الماضية، كان هناك تداول مكثف في وسائل التواصل الاجتماعي لبعض المظاهر المتعلقة في المفاخرة بالكرم والضيافة وهذه الحالات التي تم تداولها لا يمكن تعميمها على المجتمع المسلم ولا تعبر إلا عمن قام بها، وحقيقة الأمر أن هذه الحالات كان فيها مبالغة كبيرة وقد يعتقد من قام بها أنها من أصول الكرم وحسن الضيافة والرغبة في إكرام الضيف بشكل متميز ومختلف، وهم لا يدركون أنهم قد وقعوا في مخالفة دينية واجتماعية وسلوكية وهذه التصرفات ليست من مظاهر الكرم بل هي نوع من أنواع التبذير والبذخ والإسراف، ولا يقبلها الدين ولا العقل، وما نراه من هذه التصرفات لا يرضي الله عز وجل ولا عباده الصالحين، وهي ليست من الكرم في شيء بل هي مذمة وليست محمدة وهي نقيصة وليست مكرمة . وقال القرناس: الحمد لله الذي وفق هذه الدولة المباركة لوضع حد لهذه المظاهر الزائفة، فتولت الرئاسة العامة لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – بارك الله في جهودها – بوضع حد لهذه المنكرات والمخالفات الشرعية والنظامية، فلا بد من التعاون معها حتى تنجح في مهمتها ونحمي المجتمع من شر هؤلاء الأشرار أهل البطر والإسراف . وأوضح القرناس، أن من طبيعة البشر التوسع في النفقات والمبالغة في الاستهلاك وهدر الأموال عند أول شعور بالثراء واليسار، ولا يعرفون أي معنى لوفرة المال إذا لم يصاحبها استهلاك أكثر ورفاهية أشمل وتمتع بالكماليات. وقد جاء في القرآن أن من طبيعة الإنسان السرف عند الجدة وتجاوز حدود القصد والاعتدال، ولتهذيب الأنسان وتربيته أمر الله تعالى بالقصد في الامور كلها حتى في أمور العبادات كيلا يملها العبد ، وضد القصد السرف وهو منهي عنه، وكذا الإسراف في الملابس والمراكب وغيرها محرم والتشديد في النهي عن السرف ما كان إلا لأجل الحفاظ على الأموال والموارد التي يسأل عنها العبد، يوم القيامة، فهو يسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه . صورة للبذخ في مجتمعنا على صورة إكرام للضيف