كنت أقول، ومازلت عند رأيي، إن إيران (نمر من ورق)، معركة (حلب) التي حشدت لها إيران كل ما تملكه من قوى، تثبت أنها بالفعل كذلك. حلب كان يعدها الملالي معركة إستراتيجية، وسيكون لها تأثير مفصلي على مجريات الصراع، ليس فقط في الساحة السورية وحسب، وإنما في كل مناطق الصراعات الإقليمية بين العرب والفرس، لذلك حشدت لها من الحشود وسخرت لها من الإمكانات ما استطاعت في البداية أن تحقق انتصارات هامة، غير أن هذه الانتصارات لم تلبث إلا وتصدعت، وأصبح الغالب مغلوبا، ومن يُحاصر محاصرا؛ وما زالت المعركة حتى كتابة هذه السطور قائمة، بل إن المؤشرات تقول إن الإيرانيين وكل ميليشياتهم، لم يستطيعوا أن يحافظوا على ما كسبوه، وأن الفصائل السورية الثائرة المسلحة، جمّعت قواها، وأعادت الكرة، وفاجأت الملالي الذين كانوا يظنون أنهم انتصروا نصرا دائما. النظام الإيراني هو من تُشكل ميليشياته 80 % من قوى بشار الأسد، والملالي كجيش وحرس ثوري يفتقدون أي نوع من أنواع الغطاء الجوي، فلا يوجد لدى الإيراني أية طائرة مقاتلة أو قاذفة، ويقولون إن هذا النقص في واحد من أهم مكونات الجيوش في العالم، استعاضوا عنه بالصواريخ، وبالذات البالستية منها، غير أن الحقيقة تقول إن صواريخ إيران التي تفاخر بها كثيرا، ينقصها نظم التحكم والسيطرة والتوجيه، ما يجعل إصابتها للأهداف ذات قدرات متدنية، فضلا عن أن إصابتها من قبل مضادات الدفاع الجوي ممكنة نظرا لأجهزة التوجيه البدائية التي يمتلكها الإيرانيون. ورغم أن إيران تصرف كثيرا كم ثرواتها على التصنيع الحربي، خاصة الصواريخ منه، إلا أنها لا تملك جيشا وقوة ضاربة، يواكب طموحاتها التوسعية في المنطقة. والمتأسلمون المسيسون، شيعة وسنة، لا يكترثون بالاقتصاد، ولا الرفاه الاقتصادي، قدر اهتمامهم بالقوة العسكرية وامتلاك السلاح، والتضحية من أجل اقتنائه وتصنيعه بمدخرات الشعوب وثرواتهم، فشرط بقاء الدول عند المتأسلمين المسيسين أن تكون حصينة وذات مناعة عسكرية؛ وهم في ذلك لا يستفيدون من تجارب الأمم الأخرى، خاصة في العصر الحديث ولا يتعظون من تجاربها.. الاتحاد السوفييتي كان قوة نووية عظمى ضاربة وموازية للغرب بقواه العسكرية، ومع ذلك سقط وتفكك ليس بسبب غزو خارجي وإنما بسبب الفشل الاقتصادي، ولأنه وجه النسبة الكبرى من ثرواته إلى تصنيع السلاح بمختلف أنواعه وأشكاله؛ غير أن قوته النووية العسكرية الضاربة لم تدفع عنه النهاية والسقوط، فتحول في بضع سنين إلى حضارة بادت بعد أن سادت لعقود. ومن يرصد أوضاع إيران الاقتصادية من الداخل، وتدهور بنيتها الاقتصادية، لن تخطئ عينه أن ما انتهى إليه الاتحاد السوفييتي ستنتهي إليه إيران، لا سيما وأن أيديولوجية التوسع، والصرف العبثي غير المبرر على هذه الأيديولوجيا التوسعية، سيستنزفها مع الزمن، وسوف يحرض مكونات الشعب الإيراني على الثورة والتمرد. وليس لدي أدنى شك أن المسألة مسألة وقت ليس إلا وتصل إيران إلى ما وصل إليه الاتحاد السوفيتي، فالقوة العسكرية التي لا ترتكز على قوة اقتصادية صلبة لا يمكن أن تستمر في هذا العصر. إلى اللقاء