ثلاثة تقارير غير عادية رصدت وجود إرهاصات داخل إيران، أشارت إلى وجود حالة من الغليان، تنذر بالانفجار الكبير، والتقرير الأول تناول احتجاجات أهالي مدينة مازندران على أبنائهم القتلى في سوريا، والتقرير الآخر تناول الضغوط التي يواجهها خامنئي بتشكيل مجلس رئاسي، في أول عملية فصل للسيامي الديني وعلاقته بالسلطة السياسية، والتقرير الثالث، تناول الأوضاع الاقتصادية المتردية، وعدم قدرة إيران على تلبية تكاليف وجودها الخارجي، حيث طالب أعضاء مجلس الشورى، بتقليص الحرس الثوري، ودمجه بالمؤسسة العسكرية، في خطوة إذا تمت، بالتزامن مع إقرار مجلس رئاسي، فإنها تعني بداية الطريق نحو الدولة المدنية الإيرانية، وتراجع دور المرجعية الدينية في الشأن السياسي، وقد استبقهم إلى ذلك المرجع علي السيستاني، عندما فصل ما بين لعبة السياسة والفساد والمماحكات، وبين متطلبات المؤسسة الدينية، وهذا الفصل هو ما أعلن عنه راشد الغنوشي الأسبوع الماضي عندما أعلن أن حركة النهضة أصبحت حزبا مدنيا، وأن لا علاقة لهم بالإسلام السياسي، ولا بالتطرف والإرهاب أو تسييس الدين. محاولات لصرف الانتباه هذه التحولات في إيران على التحديد، تأتي في ذروة انشغالات نظام الملالي، وعدم قدرته على إعادة تدوير وإنتاج الدور الشعبي الداعم للسلطة، حتى مع إنهاء الحصار الاقتصادي، وتوقيع الاتفاق النووي والانفتاح على الغرب، ليكتشف الإيرانيون اليوم، أنهم في ورطة خارجية وداخلية، ولكل واحدة منها التزاماتها المالية والسياسية، فهو كنظام لم يستطع حسم الأزمة السورية لصالحه، بل أظهرت الأحداث الأخيرة أنه يتكبد خسائر فادحة وعظيمة في قواته، دفعت بمجلس الأمن القومي الإيراني، للتأكيد أن ما يجري في سوريا، ليس سببه قوة المعارضة المسلحة، وإنما ناجم عن تفاهم روسي أمريكي، وجدت فيه طهران، أنها مستهلكة، وأنها تدفع أثمانا باهظة وعائداتها صفرية وسلبية عليها في إيران، وأن الحسم يبدو بعيدا جدا، وأن لا مجال أمام إيران للتراجع، لأن ذلك سينعكس سلبا عليها لدى المواطن الإيراني. كيف ستعمل إيران في ظل حالة عدم الحسم، فهي متخوفة من علاقاتها مع واشنطن، والتي لم تؤد إلى نتائج، تسهم في تعزيز قوتها، ولا هي واثقة من أن هيلاري كلينتون تبدو قادمة، بدليل صعود نجم دونالد ترامب، حيث أرادت طهران توظيف هذه العوامل لإدارة الداخل الإيراني قبل انفجاره، حيث بدأ أحمدي نجاد سلسلة من المحاضرات المتشددة، في عدد من المحافظاتالإيرانية، في إشارة داخلية لإمكانية عودته مرشحا للرئاسة العام القادم 2017، ولإرسال رسالة للغرب والداخل، بعودة اليمين الإيراني المتطرف طالما لم تفرج أو تفي أمريكا بتعهداتها لإيران. عسكرة الحياة الداخلية ولم يتوقف الأمر على الإرهاصات والهواجس الداخلية، بل جاءت موافقة خامنئي على طلب أمين تشخيص مصلحة النظام والقائد السابق للحرس الثوري الإيراني الجنرال محسن رضائي بالعودة للعمل في صفوف الحرس الثوري، لتضاعف التكهنات حول احتمالية انقلاب أبيض داخل طهران، يتم فيه، جعل مؤسسة المرشد مؤسسة اعتبارية ليس لها سلطة سياسية، في خطة تم تفسيرها على أنها استعداد مبكر لوأد أية خطوات إصلاحية، قد تقود إلى هذه النتيجة، وجاء تعيين رضائي للتأكيد بإمكانية استخدام ذات الأسلوب في قمع أية تحركات داخلية كما حدث عام 2009، حيث كان لرضائي دور بارز في قمع الانتفاضة الخضراء. ولتعظيم قيمة ومكانة المرشد في الحياة السياسية والاجتماعية الإيرانية، ولمضاعفة الالتفاف الشعبي حوله، وللحيلولة دون قيام أية إجراءات تصحيحية، قد تضعف من دور خامنئي السياسي، جاءت تأكيدات المرجع ناصر مكارم الشيرازي، بأن من أهم عوامل نجاح الثورة الإيرانية، أن المرشد علي خامنئي كان دائما على تواصل مباشر والإمام المهدي، وأن اللقاءات تتم في مسجد جمكران الواقع في مدينة قم، حيث تحول المسجد إلى قبلة أنظار الشيعة الإيرانيين، لأن الإمام المهدي يزوره ويلتقي المرشد علي خامنئي، وأنه هو من يرشد السياسة الإيرانية اليوم، وأن خامنئي ليس سوى منفذ لسياسات المهدي، ولفت انتباه المواطنين إلى المهدي المنتظر، وإلى مدينة قم، أكد شيرازي أن كثرة الحروب والدماء والابتلاءات التي تصيب المسلمين، هي شاهد على قرب موعد ظهور المهدي، الأمر الذي يستدعي عدم التكالب على الدنيا، مقابل انتظار ظهور المهدي والاستعداد له. هذه التحولات السريعة والعاجلة، تأتي نتيجة للإرهاصات الداخلية، حيث عملت إيران على منع مواطنيها من الذهاب إلى حج البيت لهذا العام، وذلك لاستغلالهم وتوظيفهم في خدمة سياسات التعبئة والتحريض ضد المملكة، وبغية إدارة الوضع الداخلي، حيث يرفض مواطنو إيران الاقتناع بالمبررات الحكومية، وتأكيداتهم بأنها كاذبة ومخادعة. القشة وظهر البعير ويذهب موقع ديبكا فايل الاستخباري الإسرائيلي إلى أن معركة خان طومان 6/5/2016، قسمت الظهر الإيرانية في سوريا، حيث بدت الحكومة الإيرانية بحالة إرباك غير عادية هذه المرة، بسبب عدد القتلى الذين حصدتهم المعارك الأخيرة مع جيش الفتح الإسلامي، وأن 8 من كبار قيادات الحرس الثوري وحزب الله قتلوا في هذه الحادثة إضافة إلى أسر قياديين كبار، جرى التخلص من 5 منهم بسبب جراحهم العميقة، بينما يخضع عدد لا يقل عن 10 أشخاص من الأسرى من كبار قادة الحرس الثوري وحزب الله للتحقيقات، جرى إعدام 5 منهم، فيما نقل الآخرون إلى مناطق آمنة، خاصة بعدما حصلت قوات المعارضة على صواريخ أوكرانية مضادة للدبابات والأفراد، وعدد من الصواريخ المضادة للطائرات والتي لم تستخدم بعد، وهو الأمر الذي أحدث تغيرا استراتيجيا، لا تقوى إيران على مواجهته هذه الفترة. وأشارت ديبكا فايل إلى وصول دفعة من صواريخ ميلان المضادة للدروع والطوافات إلى يد المعارضة السورية، بينما تشير المعلومات إلى أن حزب الله خسر في هذه المعركة 15 قياديا الأمر الذي نفاه حزب الله، غير أن نفي حزب الله كان مواربا خوفا من إبراز صور جثثهم من قبل جيش الفتح الذي أعلن في توقيت سابق بأن مجمل معاركة ستكون موثقة. إيران وصراعها مع طالبان وجاءت خطوة تعيين الجنرال محسن رضائي، لتأتي وخطوة أخرى اتخذها خامنئي بعدما فشل قاسم سليماني في حسم العديد من الملفات الخارجية، وتحديدا في سورياوالعراق، بنقله للإشراف على الشأن الداخلي هذه الفترة، خاصة وأن إيران تلقت للمرة الأولى تهديدات مباشرة من قبل حركة طالبان بعد معلومات مؤكدة تفيد بأن الملا أختر منصور اغتالته واستهدفته الطائرات الأمريكية بعد عودته مباشرة من إيران، بعد مفاوضات وتهديدات عنيفة، تقضي بضرورة تعاونه والاستخبارات الإيرانية لاستهداف تنظيم القاعدة وداعش والحكومة الأفغانية، غير أن رفضه الاتفاق مع إيران للعمل ضد القاعدة وداعش، دفع بالحكومة الإيرانية لتزويد الإدارة الأمريكية بمعلومات دقيقة عنه، حيث كانت تحركات عودة الملا أختر منصور تحت رقابة إيران، ولأن الإدارة الأمريكية بحاجة لعدد من الانتصارات تكتب في سجلات الديمقراطيين، كان الملا أختر، هدفا غير عادي، يسجل في رصيد الرئيس الامريكي باراك اوباما. اللافت أن غالبية التقارير الاستخبارية تشير إلى أن إيران تعيش حالة غير مسبوقة من الارتباك، والمخاوف دفعت بها لتوتير علاقاتها مع مختلف دول الجوار، وأن نتائج هذا التوتير وصلت إلى ذروتها، ولم يبق أمامها إلا التحول السياسي والاقتصادي، وهذا ما تتوقعه هذه التقارير، ويتطلب ذلك إعادة النظر في سياسة إيران التدخلية، وهدر الثروات على التنظيمات الإرهابية المتطرفة، وتمويل الإرهاب والحروب، والأحزاب، في وقت بدأت الرهانات على التيارات الإصلاحية والشبابية تفرض نفسها، إضافة إلى إيران التي هللت كثيرا لعلاقاتها مع الإدارة الأمريكية، لم تجد نفعا، فلم تمنحها الإدارة الحالية ترياق التخلص من الأعباء، وتحديدا العبء الاقتصادي، إلا النزر اليسير، في وقت بدأت الشعوب الإيرانية تدرك أن لا تغيير في إيران دون كلف مادية، ودون ضريبة، حيث بدأت عوالم التفسخ داخل النظام نفسه، عبر مجموعة من القوى ترى في الانفتاح والإصلاح السياسي والاقتصادي، إعادة إنتاج لدورها السياسي، وهذا لن يكون سهلا، لأن الصدام مع التيارات المحافظة والمتشددة بات أمرا لا مفر منه، ونذر الصدام الداخلي هذه المرة باتت قريبة جدا، وأن محاولات المرشد إعادة عسكرة الحياة الإيرانية تبدو خيارا وحيدا لوأد أية تحركات واحتجاجات إصلاحية، قد تبرز خلال الأشهر القادمة. الاقتصاد وسلطة خامنئي وتشير المعلومات إلى أن تذرع إيران وعدم مشاركتها في الحج لهذا العام، يعود إلى أسباب اقتصادية، حيث تعمل الحكومة الإيرانية على إدارة إمكاناتها لمواجهة تحديات قادمة، حيث بدأت سلسلة من الإجراءات التقشفية، خاصة مع ارتفاع وتيرة النقد للمرشد خامنئي والمقربين منه، بالاستئثار بالسيطرة على مفاصل الاقتصاد الإيراني، إضافة إلى الاستياء العام الذي يلف المجتمع الإيراني نتيجة ارتفاع معدلات التضخم والبطالة والركود الاقتصادي، وعليه جاءت عودة رضائي لإعطاء انطباعات وعلامات قوة تعكس جانبا من الضعف الذي تعيشه المؤسسة الإيرانية، حيث هدف التعيين إرسال ثلاث رسائل أساسية أولى موجهة للداخل الإيراني مفادها استمرارية القبضة الحديدية وأن القرار للحرس الثوري، والثانية رسالة إقليمية توحي بأنه وعلى الرغم من الخسائر الإستراتيجية في خان طومان، فإن إيران مستمرة بتوجهاتها التدخلية في الشؤون الإقليمية، ورسالة دولية، بأن إيران تتجه إلى التشدد والتطرف والعداء مع الغرب، وأن إيران وهي تعيد الاعتبار لنجومية أحمدي نجاد، وموقفه المتطرف من المفاوضات النووية مع الغرب، ستمضي في طموحاتها العسكرية عبر التسلح بصواريخ بالستية متحدية القرارات الدولية، وامتلاك السلاح النووي. الملاحظ أن ما تقوم به إيران اليوم، هو نوع من الافلاس والاستنزاف الداخلي والمكابرة الإقليمية، لدرجة أن النظام لا يملك إلا أن يكرر نفسه وشخوصه، ويعتمد على الجانب الإعلامي في إبراز معالم قوة متهالكة، فقد قدمت إيران وفقا للمرشد الإيراني تنازلات قاسية سميت بالمرونة البطولية، شملت إرادتها السياسية وسيادتها الوطنية، بعدما وصلت إلى مراحل الانهيار الاقتصادي، وهي اليوم تكتشف أن روسياوأمريكا تعملان على استنزاف إيران ومواردها في سورياوالعراق، بينما ردة فعل الشعبين مضادة للتوجهات الإيرانية، وهو ما تتخوف منه إيران التي اكتشفت أن مشاركاتها في الأزمات الإقليمية وتوتير المنطقة ترتد إليها بقوة غير عادية، دفع بوزير خارجيتها محمد جواد ظريف للقول إننا توجهنا للسعودية سرا وعلانية لإجراء حوار معها، ولكن هذا التوجه كان بعدما اكتشفت إيران أن عبثها بالأمن الإقليمي والعربي لا يؤهلها لإقامة علاقات حسن جوار مع دول الخليج العربي والمنظومة العربية. وجاءت قرارات البنك المركزي اللبناني باستهداف حسابات حزب الله بناء على تعليمات أمريكية، لتثقل العبء الكبير على حزب الله الذي يعاني هو الآخر من ارتدادات فشل السياسة الإيرانية في المنطقة، حيث بدأت إيران تقليص حجم معونتها السنوية للحزب، إضافة إلى تراجع تجارة الحشيش والكبتاجون نتيجة للظروف الأمنية، ووجود صراع داخل الحزب وانشقاقات غير معلنة، ومعارضة مجتمعية لاختطاف الطائفة الشيعية في لبنان، وتأثير سياسات الحزب على مصالح الدولة والمجتمع اللبناني، وكذلك انفجار الأوضاع في العراق وتحديدا ضد الأحزاب الدينية التابعة لإيران، وميليشياتها التي تتصرف خارج إطار الدولة والقانون، كأدوات لحماية الفساد، وسقوط هيبتها وتأثيرها في الشارع الشيعي، الأمر الذي دفع بالمتظاهرين إلى المطالبة بطرد إيران واعتبارها من مسببات الفوضى وحماية الفاسدين في العراق، ناهيك عن الاحتجاجات في إقليم أذربيجان المتصاعدة بسبب التنافر الثقافي والشعور بالإقصاء والتهميش، ومخاوف طهران من عودة المطالبات بالانفصال والانضمام إلى دولة أذربيجان، حيث تدعم إيران الشيعية أرمينيا المسيحية في إقليم ناجورنو كرباخ على حساب أذربيجان الشيعية. مظاهرات الإيرانيين عام 2009 احتجاجا على تزوير الانتخابات الرئاسية