تعهدت قيادات في الحرس الثوري لموسكو هذه المرة، بأن تكون معركة حلب هي الأخيرة، وقالوا: إن الانتصار في حلب يعني الانتصار في سوريا، وفرض منطق جيوسياسي جديد في المنطقة، وتبرعت إيران بارسال 25 الف مقاتل جمعت بعضهم من ميليشيات العراق وبعض المتطوعين الافغان والباكستان، لمعركة كانت تظن انها سهلة ومن بعدها تعلن سيطرتها على الشام، كل الشام، لتشترك وداعش بشراكة في الماء والكلأ والسلاح. حلب قالت عنها تقارير الاستخبارات الامريكية: إنها عقدة النصر، والخسارة أيضا، فمن يسيطر عليها يعني الانتصار في معركة سوريا، وهي بوابة التغيير في المنطقة، ولهذا كان ثمة استخفاف كبير بالمعارضة السورية وبجيش الفتح، الذي استطاع طيلة الاشهر الستة الماضية تمويه استعداداته للمعركة الفاصلة والكبرى في حلب وتحديدا في خان طومان. فقد استطاع اقامة تحصينات عسكرية استخدمها جهاديون في افغانستان فترة صراعهم مع الاتحاد السوفيتي عندما كان الطيران يلقي عليهم حمما من القنابل شديدة الانفجار، لا.. بل على العكس هذه المرة، استعانوا بخبراء في نمط عسكري جديد ومغامر وهو التمدد والانتشار تحت القصف، حيث تم نقل العديد من الاسلحة والذخيرة الى ساحات مواجهة أمامية، بعد ان وصلتهم معلومات دقيقة عن استعدادات إيرانية تقضي باحتلال حلب وفرض الأمر الواقع، في فترة البحث عن التهدئة المفقودة. حرب المعلومات المعلومات التي حصلت عليها استطلاعات جيش الفتح، تفيد بأن قوة إيرانية من قوات النخبة الخاصة، كانت على استعداد لأن تكون النواة الصلبة لعملية عسكرية شاملة، تؤدي في نهاية المطاف للسيطرة على مدينة حلب وأطرافها، حيث تمكن جيش الفتح من الحصول على معلومات دقيقة عن الخطة الإيرانية، الأمر الذي استدعاهم للتحرك وأخذ زمام المبادرة دون انتظار تطورات المعارك الجانبية، حيث مهاجمة مركز قيادة قوة النخبة الإيرانية، ليقتل في هذه المعركة 13 قياديا من نخبة قيادات هذه الوحدة، وجرح أكثر من 35 شخصا، وأسر ما لا يقل عن 18 آخرين، لم تجد معه طهران تقديم مبررات لفشل قواتها سوى التأكيد على أن ممرا سريا كان يربط تركيا بحلب طوله يزيد على 2 كم، وهو أمر لا يصدقه الجاهلون في العلوم العسكرية، وانما ذريعة لتوريط تركيا. خلال ساعات معدودة استطاعت الوحدة الخاصة وقوة استطلاع جيش الفتح إعادة الانتشار، والتموضع لمدة تزيد على 5 ساعات متواصلة جرت فيها غارات جوية كثيفة. أعقبتها القوة الإيرانية بعملية تمشيط للمنطقة بحثا عن الأسرى من قوات النخبة الإيرانية، غير أن استراتيجية الفتح الجديدة، ساهمت في خروج الوحدة الخاصة الأولى لتأمين نقل الأسرى الى جهات آمنة، لتحل مكانها قوة أخرى بديلة من القناصة، مهمتها استقبال الأعداء، حيث استطاعت قنص ما لا يقل عن 80 شخصا من قيادات وحدة النخبة الإيرانية، حيث تمكنت هذه الوحدة من أسر 3 من القيادات الإيرانية ليصل عدد الأسرى الى 21 شخصا بينهم قيادات برتب عسكرية عالية. وفي الوقت الذي تركزت فيه خطط الميليشيات الإيرانية وشبيحة الأسد على اشغال قوة المعارضة وتوزيعها الى ثلاث مناطق مختلفة، استطاعت قوة جيش الفتح تنظيم مواقعها لعمليات قتال متعددة، تتعامل مع القوة الصلبة الدبابات والطائرات، وقوى متحركة، استطاعت شل قدرات هذه الميليشيات ومباغتتها وتوجيه ضربات قوية لها، ومحاصرة بعضها في معارك ملحمية خاطفة، حيث استطاعت وحدات جيش الفتح التحرك نحو ريفي حلب الجنوبي والغربي، والتحرك نحو الشمال تجاه الحدود التركية عن طريق خط الكاستيلو، مع خطة تجنيد وتعبئة نوعية، لم تشهدها معارك سابقة، اضافة الى سيطرة إحدى وحدات الفتح على مخازن سلاح للجيش السوري، من بينها صواريخ مضادة للدبابات والطائرات. ضربة لإيران الضربة المؤلمة أن وحدة النخبة الإيرانية، تكفلت باحداث تغيير جذري في معركة حلب، دون حاجتها لوحدات من الجيش السوري أو الميليشيات الإيرانية الأخرى. وكانت الخطة الإيرانية تقضي بتوجيه عمليات قصف عنيف لمنطقة خان طومان وما جاورها، لتقوم وحدات النخبة بالسيطرة، وفك عقدة حلب، غير أن الخطة التي استخدمها جيش الفتح، تعاملت مع الخطة الإيرانية بنجاح تام نظرا لحصولهم على معلومات استخبارية نتيجة اختراقات لهم في صفوف وحدات الجيش السوري وفي الميليشيات، مكنتهم من استيعاب الصدمة وامتصاصها وقلب المعركة لغير صالحها، حيث دخلت القوة الإيرانية لمسافات داخل خان طومان والقرى المجاورة، لتجد نفسها تحت وابل قصف عنيف وغير متوقع، أربك هذه القوة وقتل منهم الكثير، كان أبرزهم أحد مساعدي قاسم سليماني، وأسر منهم عددا كبيرا، ما دفع لجنة الأمن القومي في الحرس الثوري للاجتماع لبحث امكانية عقد صفقة عاجلة مع الفتح لتبادل الأسرى، حيث اضطر الأمر قاسم سليماني للوصول الى مشارف حلب للاشراف بنفسه على خطة استعادة المدينة. خامنئي الذي أصر على قطع خط حلب دمشق، لم يأبه برؤى قدمها مستشارون عسكريون، بأنه من الصعب المجازفة بالبقاء نظرا لتمتع جيش الفتح والنصرة بقدرات خاصة تحول دون تحقيقهم أية أهداف ميدانية، طالبين منه الانسحاب والتراجع، غير أن خامنئي أصر معتبرا هذه المعركة نهائية ومن ينتصر فيها سينتصر في سوريا، وأن هذه العملية بالنسبة لسوريا شأنها شأن عملية «كربلاء الرابعة» في العام 1986 في الحرب الإيرانية - العراقية. حيث كانت مقدمة لهزيمة قوات النظام الإيراني في الحرب الإيرانية - العراقية، ولهذا أصدر خامنئي تعليماته لقاسم سليماني بأن هذه معركة مصيرية ولا يمكن الانسحاب منها». يشار الى أن بعض المتطوعين الشيعة العرب الاحوازيين الذين دخلوا مع قوات القبعات الخضراء، وبعض الجنود الذين يرتبطون بعلاقة تنظيمية ومنظمة مجاهدي خلق ( المقاومة الإيرانية) على اتصال وثيق بقيادة الجيش السوري الحر، وهم مصدر تزويد جيش الفتح بالمعلومات الدقيقة حول انتشار وحدات النخبة الإيرانية، وأهدافها وتحركاتها. قيادات إيرانية عدد القوات الإيرانية مع الميليشيات والشبيحة لا يتجاوز 50 الفا، يرافقهم بعض مستشاري الحرس الثوري الإيراني، ولها مجلس قيادة مشتركة، يقوده العميد حسين قائاني، نائب قاسم سليماني، الذي قتل في خان طومان هذا الأسبوع، والعميد سيد أحمد مدني، والعميد رضا موسوي قائد الدعم اللوجستي والعميد فلاح بور قائد وحدة أمن المعلومات، والعميد مجيد علوي -وهو اسم مستعار- والعميد أبوحيدر علي وهو ايضا من الأسماء المستعارة نظرا لأهمية هؤلاء الاشخاص، كونهما المساعدين لقاسم سليماني، اضافة الى تعيين اللواء محسن رضائي قائد الحرس الثوري السابق، مستشارا لشؤون العمليات في سوريا، حيث كان هذا التعيين بتدخل مباشر من خامنئي، ما يعني أمرين، الأول: عدم اطمئنان خامنئي لبعض قيادات الحرس ممن لم تكن لديهم تجارب سابقة، والثاني: ادراك خامنئي أن معركة حلب معركة مصيرية بالنسبة لإيران قبل ان تكون لنظام بشار الأسد. الثوار السوريون، خلال الأعوام الاخيرة، أيضا انفتحوا بانتظام على خبرات استقدموها لمواجهة السلاح الروسي من جانب، ومواجهة حرب الميليشيات من جانب آخر، فقد استقطبوا بعض المستشارين من أوكرانيا تحديدا، ممن لهم تجربة في التعامل مع السلاح الروسي، وكذلك استقطبوا خبرات عراقية من الجيش العراقي السابق للتعامل مع الحشود الإيرانية، وتم تنظيم مجاميع جيش الفتح والنصرة، لقيادة معارك خاطفة، يتم فيها ضرب قلب العدو، وإحداث الفوضى والاضطراب لديه، وأيضا سرعة الحركة في التقدم والهجوم والتراجع، وفي استنزاف قوات العدو تجاه مناطق حصينة، حيث إن المنهج الروسي يركز على صب أكبر كمية من القذائف، في حين تعمل وحدات أخرى في مناطق أخرى على ادارة معارك خاطفة، ما يربك العدو ويجعله مشتتا في أكثر من اتجاه، وهو الأمر الذي ساهم في تحطيم ارادة ميليشيات إيران وقوات النخبة التابعة لها. مجاهدو خلق وهنا يؤكد العميد مثقال النعيمي وهو من ضباط وقيادات الجيش السوري الحر على أهمية المعلومات التي تصلهم من داخل وحدات الجيش الإيراني وعن طريق ضباط لهم علاقة بمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية، بأنهم حصلوا على معلومات دقيقة حول تواجد ميليشيات إيرانية وقوات الحرس الثوري، وبعض قيادات حزب الله، في معامل لتصنيع الأسلحة الكيمياوية وغاز الخردل، وجرى استهدافهم، ليقتل فيها حوالي 200 جندي، ما أربك الجانب الإيراني، وجعله يتصرف بتخبط واضح. وأضاف أن معلومات دقيقة وصلتنا حول تحرك عدد من المجنزرات والدبابات لتغذية الجبهات، غير أن استعداداتنا تشير الى اننا قادرون على تحطيمها وتكبيدها خسائر فادحة، مشيرا الى أن اقتصادات الحرب التي نعمل بها اليوم، تعطي ثمارا كثيرة جدا، وقد عقدنا العزم على افشال مخططاتهم واعطائهم درسا بليغا في الحروب العسكرية والمواقف الوطنية. وتؤكد المعلومات أن الجيش الحر، وجيش الفتح وبعض الفصائل المقاتلة، كما توقعنا سابقا تجاوزوا خلافاتهم البينية، وحرصوا على توحيد خطواتهم، بانشاء مجلس تنسيق أعلى مهمته الرئيسة توزيع المهام وتنفيذ الخطط وادامة الامدادات، ومواجهة العدو، وتخليص الوحدات، ومساندة الثوار حال الاشتباك العنيف والتغطية، وأيضا حددت مهام لكل فصيل للقيام بها ضمن الخطة الاستراتيجية القاضية بالسيطرة على الطرق والمحاور الاستراتيجية كالطريق الدولي بين حلب ودمشق، والطريق الدولي بين حلب وحماة مرورا بخان شيخون وسراقب في محافظة إدلب، والطريق النافذ تجاه تركيا عن طريق خط الكاستيلو. استدراج ومفاجآت وحول استعدادات جيش النظام، لاستعادة مدينة حلب، فان المعلومات تشير الى أن خطة الفصائل كانت استدراجية في البداية، فهو جيش مهلهل فاقد العزيمة، قياداته ليس لها أي عزيمة أو تصميم، وهي تخشى فعلا المواجهة، حيث اتخذت الفصائل أماكن استراتيجية وكشفت عن أسلحة جديدة هذه المرة، حيث سيكون هدف جيش الأسد والميليشيات الإيرانية مستودعات خان طومان وزيتان، حيث بدأت الفصائل في تفخيخ الممرات الحيوية، والاستعانة بالقناصة، حيث من المتوقع أن تكون معركة حامية جدا. وتتوقع قيادات الفصائل انهم على استعداد كبير لهذه المواجهة، ويؤكدون أن هناك مفاجآت لن تكون في الحسبان ستسهم في تعديل ميزان المعارك لصالحهم رغم اختلاف الكم والعدد، الذي يواجه بقوة العزيمة والاصرار لتحقيق الهدف، اضافة الى تصوير حي لخسائر الجانب الإيراني واعترافات الأسرى من كبار قيادي الحرس الثوري. مخاوف داخلية إيرانية اللافت أن إيران هذه المرة لم تستطع إخفاء خساراتها في حلب وخان طومان، لان اعترافات الأسرى ستكذب طهران، وتجعلها في حرج من أمرها. وقد هللت طهران لمشاركة قوات النخبة الإيرانية وأعطت انطباعا بأنها وحدها من سيستعيد حلب ويفرض واقعا عسكريا وسياسيا جديدا في سوريا، ما دفع علي شمخاني مستشار خامنئي والأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني، الى أن ما حدث في خان طومان هو تجديد لمخاوف إيران، بأن الهدنة تمنح قوات المعارضة اعادة ترتيب صفوفها) حيث اضطر شمخاني للدفاع عن القوات الإيرانية المشاركة، بعد مطالب في البرلمان الإيراني تدعو الى سحب القوات الإيرانية من سوريا، مؤكدين أنه ليس من مصلحة إيران خسارة عدد كبير من قواتها وامكاناتها في سوريا، في وقت تشير فيه المعلومات الى أن نظام إيران بات يخشى من احتمالات انفجار الوضع الداخلي، وأن إصراره على استعادة حلب تعني محاولته استعادة طهران. فالمعلومات والتقديرات الاستخباراتية تشير الى أن طهران بقدر انغماسها في الخارج، بقدر مخاوفها من الداخل، حيث اضطر تحت وقع وهول الصدمة أن يصل قاسم سليماني إلى دمشق ومنها إلى حلب، حيث بدأت الاستعدادات للوصول إلى قرية كفر حمرة الواقعة جنوب شرق بلدة خان طومان.