عندما نقرأ في الكتب قصة غزوات المغول للمشرق الإسلامي لا نجد إلا التناحر بين المسلمين في كل البلاد التي غزاها المغول ثم جاءت غزوات المغول لتقتل الملايين من المسلمين إلى أن وصلوا إلى الشام فصدَّهم المماليك في عين جالوت سنة 658ه. وهنا أسألكم من أين جاء هؤلاء المماليك؟ إنهم من الأطفال الذين هاموا على وجوههم بعد مقتل آبائهم وأُسرِهم وقبائلهم على أيدي المغول وأصبحوا أيتاماً بلا كافل وأخذهم تجار الرقيق وباعوهم في موانئ البحر الأسود، واشترى السلطان الأيوبي الصالح أيوب أعداداً كبيرة من أولئِكَ الأطفال وأسكنهم في جزيرة الروضة في نهر النيل وعيَّن لهم الشيوخ والمربين والمدربين العسكريين ولما كبروا أصبحوا يشكلون العمود الفقري للجيش الأيوبي وتولوا الأمر بعد ضعف الدولة الأيوبية وانهيارها، وهزموا جيش هولاكو في عين جالوت. ثم هزموا المغول مرة أخرى بقيادة السلطان المملوكي بيبرس في معركة أبلستين سنة 675ه. وفي سنة 680ه هزموا المغول في معركة حمص الكبرى، حيث كان جيش المغول يزيد على 150 ألف مقاتل وهي المعركة التي قصمت ظهر المغول. كما أن هؤلاء المماليك (الأيتام الهاربين من سيوف المغول) هم الذين قضوا على الوجود الصليبي في بلاد الشام بقيادة السلاطين المماليك الظاهر بيبرس والسلطان قلاوون وابنه خليل بن قلاوون، ليس هذا فحسب بل لقد هرب من سيوف المغول أعداد لاحصر لها من الأتراك الوثنيين الذين لجأوا إلى آسيا الصغرى فتلقفهم شيوخ أتراك مسلمون فأدخلوهم في الإسلام ولما نشأت الدولة العثمانية في أواخر القرن السابع في غرب آسيا الصغرى وجدت أمامها المادة البشرية الهائلة فجندتهم في جيشها ليصبح أقوى جيش في العالم على مدى عدة قرون واكتسحت شرق أوروبا وأزالت دولة الروم من الوجود بفتح عاصمتهم العتيدة القسطنطينية وأعادت توحيد العالم الإسلامي وحمته على مدى القرون التالية من الغزوات الصليبية والمد الصفوي الذي لم يتعد حدود العراق بفضل الدولة العثمانية. وهكذا يتبين لنا أن الغزو المغولي لم يكن شراً محضاً، بل جاء منه خير كثير للأمة.