ويتابع أستاذ فاضل الحوار مع رشا حول ملابسات عزل السلطان عبد الحميد وتسلم جماعة الإتحاد والترقي الحكم ومباشرتهم تقطيع أوصال السلطنة مما أدى إلى زوالها، ويشير إلى تعرض والد رشا للمماليك وملابسات تسلمهم مقاليد الحكم في بلاد العرب . يرى الأستاذ أن أمر بيت المقدس وما حوله هو الذي قاد لهذا الحوار، وما دام الأمر كذلك فعلينا ألا ننكر دور المماليك أمثال عز الدين أيبك و قطز و الظاهر بيبرس و المنصور قلاوون و الناصر محمد بن قلاوون والأشرف صلاح الدين خليل في صدِّ حملات المغول والصليبيين. رغبت رشا تعريفا موجزا عن هؤلاء السلاطين من المماليك فأجابها أستاذنا بأن الملك المعز عزَّ الدين أيبك هو أول سلاطين الدولة المملوكية، نصب سلطانا على مصر في عام 1250 بعد أن تزوجته وتنازلت له عن العرش سلطانة مصر- شجرة الدر أرملة السلطان الأيوبى الصالح أيوب - التي تميزت بالذكاء الحاد ، والفطنة ، والقدرة على تسيير الجيوش للحرب، فتعاونت مع زوجها وقادة جيشه في صدِّ حملة لويس التاسع الصليبية التي شنَّها على مصر عام 1249. ويعتبر الملك المظفر سيف الدين قطز من أبرز ملوك الدولة المملوكية على الرغم أن فترة حكمة لم تدم سوى عام واحد، لأنه استطاع أن يوقف زحف المغول الذي كاد أن يقضى على الدولة الإسلامية وهزمهم هزيمة منكرة في معركة عين جالوت، ولاحق فلولهم حتى حرر برَّ الشام. أما الملك الظاهر ركن الدين بيبرس، رابع سلاطين الدولة المملوكية، فقد سبق له أن شارك مع جيش المماليك في معركة المنصورة ضد الصليبيين في رمضان من عام 647 هجرية الموافق 1249 ميلادية والتي تم فيها أسرُ الملك الفرنسي لويس التاسع في دار ابن لقمان ، وبعدها تولى السلطنة في مصر. أما الملك الناصر ناصر الدين محمد بن قلاوون ، تاسع سلاطين الدولة المملوكية، جلس على تخت السلطنة ثلاث مرات، و خاض حروباً ضد الصليبيين والمغول ، و حروباً إصلاحية في الداخل ضد الفساد . شهدت مصر في فترة حكمه الثالثة نهضة حضارية وعمرانية لم تشهدها في عهد أي سلطان آخر من سلاطين الدولة المملوكية، وأما الملك الأشرف صلاح الدين خليل قلاوون، فقد تنصب سلطانا سنة 1290 ومن أشهر إنجازاته فتح عكا سنة 1291، وطرد الصليبيين من آخر معاقلهم على ساحل الشام. جاءت مداخلة والد رشا ومفادها أنه لا ينكر دور هؤلاء السلاطين في صدِّ الهجمات الصليبية والمغولية التي تعرضت لها بلاد بري الشام ومصر، وأن ما عناه وهو يتحدث عن تسلم المماليك لزمام الحكم في بلاد العرب والمسلمين كان لتبيان ما للهو والترف والاغترار بالمال والجاه من أثر في مصير الأمم والشعوب ويكون من أولى ضحاياه أولئك الذين غرتهم شهوات الحياة الدنيا، يقولها وهو الدارس لتاريخ بلده الأندلس والعارف بما حلَّ بهذه الديار وأهاليها من فتن وتآمر قضت على دولة لم يشهد تاريخ أوربا مثيلا لها في تلك العصور، وأنه يخشى من أن يكرر التاريخ ذاته فيعرض بيت المقدس وما حوله لمصير أسوأ مما تعرضت له قرطبة ومسجدها الجامع الكبير، وانتهى الحوار بأن الله ناصر من ينصره.