بعد انتصار المماليك على المغول في معركة عين جالوت، وأثناء عودة السلطان قطز من الشام إلى مصر، تمكن قائده «بيبرس» من الإيقاع به وقتله وهو في طريقه إلى مصر، في 15 من ذي القعدة سنة 658ه/ أكتوبر 1260م، وبذلك أصبح الظاهر بيبرس سلطاناً على المماليك في مصر والشام. ويُعد السلطان الظاهر بيبرس هو المؤسس الحقيقي لدولة المماليك، نظير ما قام به من أعمال وإصلاحات ساعدت على تثبيت أركان الدولة وتنظيمها. وبسيطرة المماليك على الشام ومصر، أصبح موقفهم قوياً ضد الصليبيين في الشام. وفي استقراء للأحداث التاريخية لتلك الفترة، فإن الصليبيين أصبحوا في موقف ضعيف جداً أمام المماليك، وأصبحوا هم الذين يبادرون بطلب عقد الهدن مع المماليك، حتى وإن كانت بشروط جائرة عليهم. واتسمت سياسة المماليك باختلاف كبير عن سياسة الأيوبيين في التعامل مع الصليبيين، حيث كانت الشدة والقوة العاملين اللذين يستخدمهما المماليك ضد الصليبيين، الأمر الذي كان أثره كبيرا في القضاء عليهم، وطردهم نهائياً من بلاد الشام. وبهذا المشهد التاريخي القوي الذي تمتع به المماليك بفرض شروطهم حسب ما يرونه لصالحهم، تبدلت حال المسلمين إلى الأقوى عما كانت عليه بداية قدوم الصليبيين إلى الشام، فقد كان الصليبيون هم الذين يفرضون شروطهم على المسلمين، لأنهم كانوا هم الحلقة الأضعف أمام الصليبيين، ويضطر المسلمون إلى قبول تلك الشروط، وإن كانت جائرة عليهم، بسبب عدم استطاعتهم مواجهة الصليبيين ومقاومتهم آنذاك، لتفرق كلمتهم وعدم توحدهم أمام الصليبيين، وبالتالي فإن الصليبيين في الفترة المتبقية من الحروب الصليبية، التي لم تتعدَّ ثلاثة عقود، أصبحوا في الموقف الأضعف، وفي موقف المدافع لا موقف المهاجم، بسبب قوة المسلمين، وتوحد لوائهم وكلمتهم. شكل السلطان الظاهر بيبرس ضغطاً قوياً على الصليبيين من خلال خطة وضعها في سبيل إضعافهم، وهي: اعتماده على الهجمات السرية، وشن الغارات على المواقع الصليبية ذات المصادر الاقتصادية، بهدف إضعاف مصادر الصليبيين الاقتصادية، كتخريب الحقول الزراعية والقرى، وإحراق المناطق الزراعية وإتلافها. أما الشكل الآخر لخطته، فتركز على استرداد القلاع والمدن الإسلامية ذات المواقع المهمة، حيث نجح بيبرس في استرداد أغلب هذه المدن والقلاع، وكان لفقدان الصليبيين لمثل هذه المواقع المهمة أثر عليهم في المواجهات العسكرية التي حدثت بينهم وبين المماليك، مما عجل ذلك بسقوطهم ونهايتهم. لكن، ما لبث أن توفي السلطان الظاهر بيبرس في 27 من شهر المحرم سنة 676ه/ 30 يونية 1277م، بعد أن قام بأعمال جليلة ضد الصليبيين سجلها التاريخ وحفظها له. وبعد وفاته تسلطن ابنه ناصر الدين محمد من بعده، واستمر لمدة سنتين في حكم البلاد، حتى تمكن السلطان المنصور قلاوون من السيطرة على مقاليد الحكم، وجلس على عرش السلطنة في رجب سنة 687ه/ نوفمبر 1279م. ولكن، ما السياسة التي اتبعها قلاوون ضد الصليبيين، والتي أدت إلى إنهاء الوجود الصليبي في الشام؟