«الجزيرة» - زهوة الجويسر وأسماء حمدي وزكية علي: مع تزايد تأثير التقنية على الحياة العامة والخاصة للأفراد، وازدياد الهوة بين الأجيال تغيرت كثير من العلاقات الإنسانية فأصابها ما أصاب الكثير من العلاقات الاجتماعية من جزر؛ وأصبحنا نرى أن مواقع التواصل الاجتماعي هي الصديق الأول والملاذ للبنات الباحثات عن الفضفضة وحرية التعبير عن النفس بعيداً عن القيود والنصائح التقليدية، ولم يعد حضن الأم هو المكان الطبيعي الذي تلجأ إليه الفتاة عندما تتعرض للمشكلات وخاصة في سن المراهقة وجاءت الدراسات لتؤكد أن مواقع التواصل الاجتماعي أثرت بشكل ملحوظ على الروابط الأسرية، وازدادت نسبة المراهقين الذين لا يقضون وقتاً مع عائلتهم . في ظل كل هذ الزخم التكنولوجي المحيط بنا ، هل تغير فعلا مكان الأم في حياة إبنتها وكيف يمكنها استعادة صداقة ابنتها؟ «الجزيرة» أخذت رأي عدد من الفتيات والأمهات وكذلك الرأي الاجتماعي والنفسي حول الموضوع. في عصر التكنولوجيا وتكاثر مواقع التواصل الاجتماعي أصبح للفتاة أصدقاء كثيرون تستغنى بهم عن والدتها ولكن هناك آراء تقول إن أقوى علاقة صداقة هي بين الأم وبنتها في حين أن أخرى لا ترى وجود فعلي للصداقة بين الأم والبنت، وهناك أمهات يحاولن كسب صداقة بناتها. رندا صلاح - 20 عاما - في السنة الثانية بكلية التجارة تقول: « أمي هي مستودع أسراري، لا أخفي عنها شيئاً رغم أني أخاف على زعلها إذا أخطأت، لكنها في النهاية تبقى صديقتي، ولا تعاقبني، لذلك لا يوجد ما يمنع أن أصارحها بأدق تفاصيل حياتي، كما أنها تحتفظ بأسراري ولا تخبر بها أحداً حتى والدي إلا في حالة حدوث شيء منه يجعلني منزعجة، فتخبره أني أشعر بالضيق بسبب تصرفه حتى لا يكون والدي بعيدا عني ويشعر بي دائماً». وتردف رندا أنها سعيدة بخطوات أمها الداعمة ووقفها بجانبها، وهي أيضا صديقة لأصدقائها أيضاً من الشباب والبنات، مؤكدة أنها لا تلجأ إلى التواصل الاجتماعي ليكون محوراً لحياتها كما إنها لا تفضل قبول أي طلب صداقة من أشخاص غير معروفين لها ولا لأصدقائها. أمنية فريد -18 عاماً - تدرس بالسنة الأولى بكلية الحقوق ولديها نفس الميول لصداقة الأم، تقول: «تعودت منذ سن صغيرة على صداقة أمي، اعتدت مشاركتها في كل شيء، وهي التي تحتفظ بأسراري، وأكتر ما يعجبني في الأمر أنها قامت بتربيتي بهذه الطريقة أنا لا أخاف مطلقاً حتى وإن كنت مخطئة من أن أصارحها ، لكن كلما كبرت ازداد قلقها عليّ حتى أصبحت عصبية بعض الشيء، لكنها مازالت تسمعني وأجدها عند الحاجة إلى الكلام والفضفضة، أما مواقع التواصل الاجتماعي فهي بالنسبة لي للتسلية فقط مع أصدقائي». عبير التميمي طالبة جامعية تقول: صحيح أننا في زمن التقنية وانشغال العالم بمواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن هنالك أمور أعتقد لو بُنيت على أساس لا تتغير، وعن تجربتي فعلاقتي مع أمي قويه جدا منذ صغري، فهي صديقتي المقربة التي أبوح لها ما بخاطري مهما كان الموضوع حساس بالنسبة لي، و لا أخفى عليها شيئا في حياتي، واعتدت عندما أقع في أي مشكله أو يصادفني أمر أحتار فيه، أن ألجأ إليها، وأستشيرها لتشاركني فيه وتجد لي حلا من خلال خبرتها، وبدورها هي مستمعه جيدة لي وذلك يشجعني أن أبوح لها بأسراري وهي تقوم بتقديم النصيحة لي دائما، أما صديقاتي عبر مواقع التواصل الاجتماعي هن مجرد صديقات ولكن لا آمنهن على أسراري». لا أخبرها خوفاً من أن تخبر والدي! أما دانا عبد العزيز طالبه بالمرحلة الثانوية تقول: «دائما ما نعلق أخطائنا على التقنية والتطور والحداثة، وننسى أن علاقة البنت بأمها منذ زمن تختلف من فتاة إلى أخرى، فهنالك فتيات يبُحن بجميع أسرارهن إلى أمهاتهن وهنالك العكس وهو حسب العادة، وليس للتقنية ومواقع التواصل أي علاقة بهذه الأمور، وبالنسبة لي علاقتي مع والدتي منذ زمن كما هي الآن ، فلا أعتبرها صديقتي ولا أستطيع البوح لها بأي سر من أسراري الخاصة، لأنها دائما كانت تحاول أن توبخني». شيخه الشمري طالبة بالمرحلة المتوسطة تقول: «أمي لها هيبتها لذلك لا أستطيع أن أبوح لها بجميع أسراري، وقد أبوح بها إلى إحدى صديقاتي عبر مواقع التواصل ممن أثق بهن، لكن أمي مستحيل، أتحدث معها فقط بالأمور اليومية، التي تحدث معي، أما أسراري لا، وأعتقد أن التقنية مواقع التواصل لا دخل لها بعلاقة الفتاة بأمها فالأم لها هيبتها منذ زمن والجميع يخشاها والصديقة هي من قد تلجأ لها الفتاة لبوح بأسرارها أما الأم صعب استشارتها لأنها ستخاف وتُعاقب وهذا ما نهرب منه نحن الفتيات». علاقة الأمهات ببناتهن قالت سلوى محمد - مُدرسة -: «أتمنى أن أكون صديقة ابنتي ولكني كلما استمعت لها أجد معظم حكاياتها عادية ولا تتكلم معي في أمور خاصة بها بل أنا أتحدث معها عن الحياة والمشاكل و الحقيقة أنه عندما تخطئ ابنتي لا أتمالك نفسي من الغضب»! أما عبير عبد الله - موظفة - فتقول: «حالياً صداقتي مع ابنتي جيدة ، نجحت بعد عدة محاولات مني للتقرب لها، فأنا أستمع لها وأخذ رأيها في أمور كثيرة وعندما تخطئ نتحدث سوياً و أحاول احتوائها وهي تتعلم من أخطائها لتتجنبها بعد ذلك في المستقبل». وتقول هدى فهد - ربة منزل -: «لدي أربع بنات أحب أن استمع إليهن كثيراً و أساعدهن في حل المشاكل رغم أني غير متعلمة ولكني أرى أن تلك وظيفة الأم». اما هيا سالم فترى أن هذا الجيل يعتمد على الإنترنت و يلجأ إلى الأصدقاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من الأهل قائلة: «أنا أخاف أن أمنع ابنتي عن وسائل الاتصال فتصاب بالاكتئاب وفي نفس الوقت أقلق من أن أتركها على راحتها فترتكب أخطاء».! أما أم نهاد تقول: «رزقني الله بثلاث بنات وكنت لهن الصديقة والأخت منذ صغرهن، والحمد الله كن يلجأن لي بكل صغيرة وكبيرة منذ طفولتهن، وحتى الآن ويستشرنني، وهذا الأمر كان يسعدني كثيرا، المهم هو أني كنت أحاول جاهدة أن أشعرهن بالأمان، وأن أسرارهن في بئر، ولا أحاول معاقبتهن وتوبيخهن كثيرا». التقرب إلى بناتنا بالصبر وفي ذات السياق يقدم أخصائيو علم الاجتماع نصائح هامة للأم كي تصادق ابنتها وتقترب منها خاصة أن هذا الجيل مختلف عن الأجيال السابقة بسبب انتشار الانترنت ووسائل التواصل العديدة الحديثة. تقول الأخصائية الاجتماعية منال أحمد: «قد يكون من الصعب نوعا ما تقرب الأم إلى أبنتها، خاصة أننا في زمن التقنية وانتشار مواقع التواصل؛ لذلك لابد من مناقشه الأم لابنتها، والتقرب لها، ومحاوله معرفة أسرارها وحلها، وإشعار الابنة بالأمان حتى لا تضطر إلى اللجوء لصديقه أو صديق عبر تلك المواقع، وينصحونها بما لا يفيدها، فالأم إذا كانت حكيمة تستطيع كسب أبنتها إلى صفها، وذلك بالحوار الهادئ معها وعدم التوبيخ والمناقشة والإقناع والابتعاد عن العنف وفرض الرأي مع الابنة مهما كان الأمر، خاصة إذا لم تكن الفتاة مقتنعة، فطريقة تعامل الأم هي التي تحدد نوعيه الصداقة بينهن، هل ستستمر أم ستلجأ الابنة إلى شخص آخر للبوح له بالأسرار، لذلك أنصح الفتيات أن تلجأن إلى أمهاتهن لأنهن الوحيدات اللاتي سيحفظن أسرارهن، كما أنصح الأمهات بالصبر على بناتهن والتقرب لهن». المرونة أساس التربية د.هالة حماد استشاري الطب النفسي للأطفال والمراهقين تؤكد أن مرحلة المراهقة للجنسين بشكل عام يحصل الأصدقاء فيها على الأولوية قبل الأم والأب ، إلا إذا كانت هناك علاقة سوية تم بناؤها على الاحترام والحب والتفاهم في البيت بين الوالدين قبل فترة المراهقة ويتم استثمارها فيما بعد الحرجة للأبناء. لكن إذا لم تستعد الأم لمرحلة التمرد في ثانوي والجامعة بأسس تربية سليمة وتكون صديقة لابنتها ستتجه إلى مواقع التواصل الاجتماعي والبرامج المختلفة على الهواتف الذكية للتواصل مع أشخاص معروفين أو مجهولين في العالم الافتراضي، وهذا يحدث على مستوى العالم كله ، وهو أمر متوقع ، حيث يجد المراهق نفسه مع صديق آخر من بلد آخر بجنسية مختلفة ولا يشكل له أي مصدر للقلق إذا شاركه بأدق أسراره لأنه لا يعرفه معرفة جيدة، وهذا ما يشعر بعض الفتيات بضمان حفظ أسرارهن اللاتي يتحدثن عنها بكل حرية دون ضرر يذكر. وتلفت د.هالة حماد الانتباه إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي قد تشكل خطراً على البنت في حالة غياب دور الأم الصديقة، فتلجأ لعلاقة عاطفية الكترونية بشاب، وتتطور بشكل أو بآخر من خلال تبادل الصور وتشغيل الكاميرا بملابس غير ملائمة، وغيرها من الأشكال والممارسات الخاطئة التي تؤدي إلى كوارث. وتضيف د.هالة قائلة: «إهمال الأم ليس السبب الوحيد، ولكنه أحد الأسباب الرئيسية، لكن البنات يقلدن بعضهن البعض، نتيجة لشعورهن بأنهن يتحدثن بطريقة لا يفهمها الكبار، لذلك يتمردن على فرض السيطرة من قبل الأهل، وتبحث البنت عن أصدقاء بفكر مشابه، بالإضافة إلى أن عمل أي شيء بدون على الأهل يضفي نوع من الإثارة والشعور بإثبات الذات والشخصية ورفض الثقافة الموجودة بالمنزل والمجتمع، وخاصة مع المُلتحقات بالمدارس الدولية التي تعتمد على الفكر الغربي الذي يصطدم بفكر الثقافة المصرية والعربية المحافظة». ولتعود البنت إلى حضن أمها وتصبح صديقتها ومخزن أسرارها، تشير د.هالة إلى أهمية أن تتسم الأم يجب بالمرونة ولا تنتقد تصرفات ابنتها كثيراً، وتبتعد عن أسلوب التربية القائم على المحاضرات ، وأن تكون مستمعة جيدة ولا تفشي أسرار ابنتها للأب أو الصديقات أو سيدات العائلة، وتعطي النصيحة بطريقة ذكية تناسب المرحلة العمرية بدون انفعال ولا تفرض رأيها لكن تساعدها بتوصيل المعلومة من خلال مقالة أو فيلم أو حادثة بالجريدة، ويفضل اتباع هذه الأساليب منذ الصغر لأن المراهقة لن تتقبل هذا التغير المفاجئ في المعاملة بسهولة، لكن هذه الثقة المتبادلة يجب أن تتم على مدى سنوات من الاستماع والاحترام بينهما، بالإضافة إلى وعي الأم لمعطيات العصر المختلفة وسريعة التطور بحيث تستخدم طرق تربية مختلفة عن تلك التي نشأت وتربت عليها الأم».