تطفو على سطح هذه الحياة منافسة غير معلنة لكنها موجودة في حياة كل فتاة، ومن الأمثلة على ذلك التنازع بين الأم والصديقة في كسب تعاطف الفتاة حتى تبوح بالأسرار والمشاكل والقضايا التي تعيشها، والتي من الممكن أن تعترض حياتها في سن المراهقة، ولاشك أن الصداقة في الحياة لها تأثير السحر على الفتيات، لذلك تكون علاقتهن بصديقاتهن أقوى أحياناً في بعض المجتمعات من علاقتهن بالأمهات، اللاتي من الممكن أن ينشغلن بأمور أخرى في حياتهن تتسبب في "فتور" العلاقة بينهن وبين بناتهن، وبالتالي لا عذر للفتاة عندما تبحث عمن يحتضن همومها ومشاكلها بعيداً عن أسرتها. ثقة كبيرة الصداقة بين الفتيات علاقة حميمة من نوع آخر تختلف تماماً في ممارستها وسلوكها في فترة المراهقة، وخصوصاً أن الكثير من الفتيات بحاجة خلال هذه الفترة إلى إنسان قريب من أفكارهن، يتسلل إلى أعماقهن ويثقون به ثقة كبيرة، إلى حد طرح المشاكل للحوار والنقاش معه، والاقتناع بما يقدمه من حلول وآراء، وقد قيل الكثير في الصداقة: "الصديق وقت الضيق"، و"صديقك من صَدقك"، و"الصديق الحق من كان معك، ومن يضر نفسه لينفعك"، وجميعنا تعلم الكثير عن هذه الصداقة، ونعرف الكثير مما قيل وكتب عنها، وهناك من يؤكد من الباحثين الاجتماعيين بأن الصداقة بين الفتيات أو حتى النساء أقوى بكثير من صداقة الرجال بعضهم ببعض، ولكننا جميعاً نهمل صداقة أقرب الناس إلينا، من يجمعنا معهم اسم واحد ونعيش معهم تحت سقف واحد، إنهم الأباء والأمهات وحتى الأخوات وفتيات العمومة والأسرة، وبعد ذلك تأتي زميلات الدراسة، فما مدى علاقتنا بهؤلاء؟، وكيف نبوح لهم بأسرارنا وهمومنا وحتى أفكارنا وأحلامنا المختلفة؟. أبوح لصديقتي تقول "سميرة" - طالبة في المرحلة المتوسطة -: إن تأثير الصديقة أكبر من تأثير الأم، فالأم يقتصر دورها في التوجيه وتقديم النصيحة حتى لا تقع ابنتها في الخطأ، ولكن الصديقة تقاربني في العمر، وتفهمني بدرجة أكبر، بل وتشعر بالمشاعر التي أحسها، لهذا أرتاح كثيراً للصديقة وأستطيع أن أبوح لها بأسراري، مضيفةً أن ذلك يعتبر أفضل من البوح لوالدتها، فهيبة الأم تمنعنها من أن تخبرها بأشيائها الصغيرة وهمومها الخاصة جداً، مشيرةً إلى أنها تلجأ عادة إلى الحديث لصديقتها في مواضيع كثيرة، ورغم ذلك فهذا لا يمنع أن يكون للأم تأثير كبير، ولكنه في حدود التوجيه والنصح وما يتعلق بمستقبلها!. والدتي مشغولة وتتحدث "بدرية" - طالبه في المرحلة المتوسطة أيضاً - قائلةًَ: إذا ما واجهتني مشكلة ما فأنا في البداية أخبر صديقتي، وهي بالمناسبة ابنة عمي، وهي في نفس عمري تقريباً، موضحةً أن والدتها ليست قريبة منها كثيراً، فهي مشغولة عنها بواجباتها الأسرية والاجتماعية، بل وتنشغل كثيراً في متابعة المسلسلات، لافتةً أن تتحدث مع والدتها عن بعض الأمور، لكن ليست ذات طابع خاص جداً!. حرصاً على مصلحتها وتؤكد "سهى" - طالبة ثانوية -: أنها لا تعرف هل علاقتها بوالدتها القوية هي نوع من الصداقة؟، أم أن طبيعة العلاقة بين الأم والابنة تفرض نفسها؟، موضحةً أن والدتها تحاول دائماً أن تتبادل الحديث معها، وأن تشاركها أفكارها، فهي متعلمة ومثقفة، ولكنها لا توافقها في كل شيء، مشيرةً إلى أن والدتها تفكر دائماً في مصلحتها، وتمنعها عن أي شيء حتى لو جرح شعورها، وذلك حرصاً على مصلحتها، فهي لا تفكر في الأمر من ناحية يعجبني أم لا، ذاكرةً أن تأثير الصديقة كبير، وقد يكون ايجابياً أو سلبياً يؤدي إلى التهاون في بعض المبادئ، وإذا كانت الفتاة ضعيفة الشخصية فهي تنقاد انقياداً كاملاً وراء صديقتها. اختلاف المشاكل ومن أمريكا تقول "مارسيا" - طالبة في معهد -: إن الوضع يختلف باختلاف المشاكل التي تصادفني، حيث إنه ليس بمقدور كل صديقة أن تفهمني، ولهذا على الأم أن تكون دائماً بجوار ابنتها، فهي أدرى برغباتها وإحساسها، ولابد أن تبنى علاقتهما على الصداقة، مضيفةً أنها تعتبر نفسها محظوظة بعلاقتها مع والدتها، فلا يوجد بينهما حاجز أو خَجل، وأن أهم ما في الموضوع الثقة والصراحة، لافتةً أن ذلك يعتمد على أسلوب تربية الأم وتعاملها مع ابنتها واهتمامها بها، فوالدتها مهندسة ومثقفة، حتى والدها تشعر بأنه قريب جداً منها، مبينةً أن لها العديد من الصديقات خارج الأسرة، وحتى من داخل المعهد، ذاكرةً أنها قليل ما تلجأ إلى صديقاتها في البوح بأسرارها كفتاة تخطو سريعاً لمرحلة شبابية قادمة، معتبرةً الصداقة ضرورية ولكن ليست كل صديقة مخلصة، والمظهر والسلوكيات الخارجية قد تخدع، والصديقة الحقة على سبيل المثال في الدراسة اذا كانت مجتهدة فإنها تحث صديقتها على الدراسة ويكون هذا حافزا للنجاح. ليس بيننا ما نخفيه وتوضح "كاتي" التي التقتها "الرياض" في المكتبة أن الصداقة مهمة جداً في حياة من هن في أعمارنا، فوالدتي تعمل ووالدي كذلك، ولا يعودان إلى المنزل إلا في الفترة المسائية، لذلك جل وقتي أقضيه مع صديقتي "ديزري"، وبالتالي ليس بيننا شيئاً نخفيه عن بعض، فأسراري الصغيرة وحتى الكبيرة تعرفها، وأنا كذلك أعرف أسرارها، قاطعتها "ديزري" قائلةً: أخبريها أننا نشترك في الكثير من الهوايات والاهتمامات، ونتعامل معاً كأخوات، مضيفةً أنها تستعين برأي "كاتي" وتناقشها وتتبادل معها الآراء، لافتةً إلى أن ذلك قد يكون في بعض أمور الدراسة، أو اختيار الملابس وأقراص الأفلام والمجلات، مشددةً أن العلاقة بينهما قوية جداً. تجربة رائعة أما الطالبة "لي مايكل" فتقول: إنها تفضل التحدث مع والدتها في مشاكلها وترى أن أمها أقدر على فهمها من صديقتها، بل وتشعر بارتياح كبير لذلك، لادراكها أن الأم أحرص على مصلحتها، فالصداقة قد تتوقف بزواج الصديقة أو انتقالها إلى مكان آخر، أما الصداقة مع الأم أو حتى الأخت فهو شيء مستمر ودائم، مبينةً أن هناك بعض الأسرار تبوح بها لصديقاتها في المدرسة، تثق فيهن كثيراً ويبادلنها نفس الشعور، وأحياناً نتواصل عن طريق "الشات"، مضيفةً أن العبء يقع على الأم بدرجة كبيرة في أن تحطم الحاجز بينها وبين ابنتها، لتستطيع أن تقنعها بالحديث معها في مختلف الأمور ومن بينها الأمور الخاصة، وتجربتي على العموم مع والدتي تجربة رائعة. محاصرة بصديقاتها وتوضح الطالبة "فيتوريا" أنه ربما كانت تجربتها مع صديقاتها أقوى منها مع والدتها أو والدها، بحكم أنها تعيش مع جدتها، فوالدها في الجيش خارج أمريكا، ووالدتها مشغولة دائماً بعملها، لذلك فهي محاصرة بصديقاتها زميلات الدراسة أو السكن، وبالطبع نتحدث معاً ونبوح بأسرارنا المختلفة، ولا نخفي شيئاً، مؤكدةً أن أهم شيء في الصداقة هو الصراحة والوضوح، وأنها استطاعت مع صديقاتها الوصول إلى هذه المرحلة، مشيرةً إلى أنهم يتحدثون عن أي شيء يصادفهن، وكصديقات نحاول أن نتقرب من بعض أكثر قدر الإمكان، مع وجود كل المغريات من حولنا ك"التلفاز" و"الانترنت" و"البلاك بيري"، مبينةً أن جيل اليوم في بلادنا يتعب ويعمل أكثر ويشعر باستقلاليته، وأن له شخصية قوية تمكنه من الاعتماد على نفسه. أكثر دراية ووعياً وتقول "ماري جونسون" الأخصائية النفسية: إنه من الواضح أن تأثير الصديقة على صديقتها يكون في العادة أكثر من تأثير الأهل وخصوصاً الأم أو الأخت، فالصديقة تنصح بما يكون على هوى صديقتها، بينما تفكر الأم دائماً في الصح والخطأ، لذلك من المفروض بل من المطلوب أن تكون الأم أكثر دراية ووعياً، وأن تحاول وبصورة جدية القرب من ابنتها، وأن تحاول أيضاً كسبها مما يولد الثقة بينهما، وبالتالي تسعى الابنة إلى البوح بمشاكلها وهمومها لها بصورة سهلة ودون تعقيد، فأسرار الفتاة لدى والدتها أكثر أماناً من وجودها لدى صديقة أو زميلة دراسة.