في أي يوم قد تجد نفسك أمام مجموعة متنوعة من الأخبار المتعلقة بالمسلمين في كندا. قد يتعلق الأمر بتقرير إعلامي عن مسلمين وغير مسلمين يعملون معا في استقبال حوالي 25 ألف لاجئ سوري وصلوا إلى كندا خلال الشهور الأخيرة، وفي العام الماضي ربما كان تقرير إعلامي عن جهود الحكومة الكندية السابقة لحظر ارتداء النقاب أثناء الاحتفال بالحصول على الجنسية الكندية. وربما كان الأمر تعلق بتقرير عن مريم منصف وزيرة المؤسسات الديمقراطية في الحكومة الكندية التي كانت قد وصلت إلى كندا كطفلة لاجئة مع أسرتها الأفغانية قبل سنوات. ما هو المغزى الأعمق وراء هذه القصص الصحفية؟ للإجابة عن هذا السؤال أجرى معهد (إنفايرونيكس) الكندي لاستطلاعات الرأي العام أول استطلاع بين المسلمين الكنديين في 2006 وذلك كجزء من مسح أوسع شمل أيضا غير المسلمين. ومؤخرا قمنا بالمسح الثاني لتحديث نتائج المسح الأول. وشمل المسح الذي أجري عبر الهاتف حوالي 600 مسلم لا يقل عمرهم عن 18 عاما. وجاءت نتائج المسح الثاني لتحكي لنا قصة رائعة عن المسلمين وغير المسلمين في كندا. فقد كشف المسح عن تطور الكثير من الحقائق المتعلقة بالمسلمين وبغير المسلمين في كندا خلال السنوات العشر الماضية. فقد ذكر حوالي ستة من بين كل عشرة كنديين مسلمين إن شعورهم بالانتماء لكندا ازداد خلال السنوات الخمس الماضية، في حين قال 33% منهم إن شعورهم بالانتماء لكندا لم يتغير وقال 5% فقط إن شعورهم بالانتماء تراجع. ولعل نتائج الانتخابات العامة الأخيرة في كندا يمكن أن تقدم تفسيرا جزئيا لهذه التطورات، حيث قال 9 من بين كل 10 مسلمين كنديين إنهم متفائلون بالحكومة الاتحادية الجديدة وأنها ستحسن العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين في كندا. كما أظهر المسح أن المسلمين في كندا سعداء بوجودهم في هذه الدولة، في حين أن حوالي 7 من بين كل 10 أشخاص مسلمين شملهم المسح كانوا من المهاجرين الذين وصلوا كندا بطرق غير شرعية في البداية. بل إن المسلمين الكنديين أبدوا قدرا من الفخر بالانتماء إلى كندا أكبر مما فعل الكنديون الآخرون وبنسبة أكبر من تلك المسجلة منذ 10 سنوات، حيث قال 83% من المسلمين الكنديين إنهم يفخرون بكونهم كنديين في المسح الأخير مقابل 73% في المسح الذي أجري عام 2006. وتتشابه أسباب هذا الشعور بالفخر لدى الكنديين المسلمين وغيرهم من الكنديين وهي الحرية والديمقراطية والتنوع وتعدد الثقافات في المجتمع ثم السلام والاستقرار. ويقول 84% من المسلمين إنهم يعتقدون أنهم يلقون في كندا معاملة أفضل من تلك التي يلقاها نظراؤهم في الدول الغربية الأخرى. وهذه النسبة زادت مقارنة بالمسح الذي أجرى عام 2006. يأتي هذا الشعور الإيجابي رغم أن 35% ممن شملهم المسح قالوا إنهم تعرضوا لبعض مواقف التمييز العنصري في كندا خلال السنوات الخمس الماضي وكان أغلبها في أماكن العمل أو في الأماكن العامة. الحقيقة أن ما يجعل المسلم مواطنا كنديا جيدا هو نفسه ما يجعل أي شخص آخر في البلاد مواطنا جيدا وهو إتقان اللغة الرسمية والتسامح واحترام الآخرين واحترام تاريخ كندا وثقافتها واحترام سيادة القانون. بالنسبة للأفكار المتطرفة والتشدد، يعتقد المسلمون الكنديون أن فرص تأييد المتطرفين المسلحين الذين يزعمون أنهم يمثلون الإسلام في مجتمعاتهم ضعيفة للغاية، وقال 88% من المسلمين إنه من الضروري أن تتعاون التجمعات مع الحكومة لمواجهة التطرف. في الوقت نفسه أظهر المسح الأخير أن الشباب المسلم في كندا أكثر تدينا من آبائهم المهاجرين وبالنسبة للكثيرين من الشباب زادت أهمية الهوية الدينية ولم تقل بمرور الوقت. والآن فإن المسلمين المولودين في كندا يميلون للاعتقاد بأن مجتمعهم يريد أن يكونون مندمجين فيه من ناحية وأن يظلوا متميزين من ناحية أخرى وذلك من خلال تطوير «هوية كندية مسلمة» فريدة. ويعتقد أكثر من 90% من الشباب المسلم في كندا بأن «الثقافات الأخرى بها الكثير مما يمكن أن نتعلمه وأن التواصل مع الآخرين يثري الحياة». كندا تتيح الحرية الدينية، والشباب المسلم يبدوا مؤهلين للاستفادة من هذه الميزة الدستورية. لحسن الحظ، فإنه في حين تبدو الهوية وممارسة الشعائر الدينية ظاهرة وثابتة، فإن القيم الأخرى تتغير. ومن أهم القيم التي تغيرت التمييز بين الرجل والمرأة. ففي الأسر المسلمة كما هو الحال في أغلب الأسر الكندية أصبح هناك مساواة أكبر بين الولد والبنت. ففي المسح الذي ِأجري عام 2006 قال 70% من المسلمين إنهم يوافقون بشدة على أن «القيام بأعمال البيت ورعاية الأطفال مسئولية الرجل والمرأة على السواء». وفي المسح الأخير ارتفعت هذه النسبة إلى 76%. وبالنسبة للمسلمين المولودين في كندا قال أكثر من 80% إنهم لا يوافقون على مقولة إن «الأب في الأسرة يجب أن يكون هو سيد المنزل»، وهو ما يشير إلى تلاقي القيم بين الشباب المسلم وغيره من الشباب في كندا بمرور الوقت. الحداثة والعلمانية يمكن أن تتطور بطرق مختلفة في الدول المختلفة، حيث تتفاعل الأغلبية والأقلية في المجتمع على أساس أن المجموعات المختلفة يمكن أن تحارب بعضها البعض أو تتكيف مع بعضها البعض. وكندا لديها أيديولوجيا طموحة للتعددية الثقافية بالإضافة إلى إطار عمل سياسي يمضي بالاسم نفسه. ومع ذلك فإن هذا ليس تحصينا ضد التمييز أو الظلم. ولو نظرنا إلى الاتجاهات العامة أو إلى اكتساب الجنسية بين المهاجرين غير الشرعيين أو تمثيل الأقلية في مجالسنا النيابية، ربما بدا أن النظام الكندي هو الأسوأ على مستوى العالم. والحقيقة أن حديث المسلمين الإيجابي عن كندا وعن الكنديين غير المسلمين يعطي انطباعا إيجابيا عن الإسلام نفسه. كما أنه كلما زاد تعامل الكنديين غير المسلمين مع المسلمين في الحياة اليومية زادت انبطاعاتهم الإيجابية عن الاسلام والمسلمين. فالألفة تخلق المشاعر الجيدة وليس الازدراء. هذه النتائج ربما تشرح لنا لماذا تقل النزاعات بين المسلمين والكنديين الآخرين. وعندما ينشب نزاع من هذا النوع (كما حدث عندما تعرضت سيدة ترتدي الحجاب للتحرش في مدينة تورنتو الخريف الماضي) فإن الشخصيات العامة تدين مثل هذا النزاع بالإجماع. وهذه النتائج تفسر أيضا لماذا وافق الكنديون على استقبال اللاجئين السوريين في كندا على عكس موقف الأمريكيين الرافض لاستقبال هؤلاء اللاجئين. هذه النتائج والأرقام تقدم صورة جلية لما تكشف عنه جزئيا القصص الصحفية اليومية. كما أن نتائج المسح تقدم أساسا عمليا للتقييم في مواجهة الحوادث الفردية سواء حوادث التناغم والتوافق أو التحرش والصدام، وهو ما يعني ضرورة الاستفادة من هذه النتائج من أجل تصحيح الصور التي تقدمها الحكايات المثيرة والتصورات المسبقة. ومهما تكن عناوين القصص الصحفية التي تتحدث عن المسلمين في كندا اليوم، فالقصة الأعمق تقول إن المسلمين يشعرون بالفخر بأنهم كنديون وِانهم يتفقون مع غيرهم من المواطنين في تقدير نفس القيم والمزايا التي تتمتع بها كندا.