يعرض على قناة «اومني» العائدة للمجموعات الاتنو-ثقافية في انتاريو فيلم سينمائي وثائقي بعنوان» قلب واحد ووطنان». مدته 60 دقيقة وناطق بثلاث لغات العربية والإنكليزية والفارسية. ويتابع عرضه قريباً على شاشات السينما الكندية. كتب السيناريو للفيلم الكندي السوري احمد معروف وأخرجه غابي اندراوس، وهو كندي لبناني مسؤول عن برنامج «أمنيات» في القسم العربي لقناة «اومني» التلفزيونية. في رصيده السينمائي أفلام وثائقية عدة تتناول جوانب مختلفة من حياة الجاليات المهاجرة العربية وغير العربية. يسلط الفيلم الضوء على قضية الهوية والانتماء وتحولها من جيل الى جيل وتباين رؤية كل منهم ومدى تمسكه بها وتفاعله معها في المجتمع الكندي. وهي لا تزال تستأثر باهتمام شريحة واسعة من المهاجرين، وتشغل حيزاً كبيراً من تفكيرهم وعاطفتهم، وتشكل ربما احدى اهم التحديات التي يواجهونها. من هذا المنطلق يعالج الفيلم هذه المسألة من خلال خمسة مهاجرين كنديين من اصول لبنانية. وينتمون الى ثلاثة اجيال متعاقبة وأعمار متفاوتة. ويستهل العرض بالنشيدين الكندي واللبناني، ويتخلله عزف على الناي والعود، ومشاهد من تنوع وتعدد الجاليات الكندية. ومن ثم ينطلق من طرح سؤال بسيط «من أين قدمت» وذلك كمدخل لفهم اشكالية انتمائهم الى وطنين لا يجمع بينهما اية قواسم مشتركة. فالسيناتور بيار دبانة (77 سنة نائب ووزير وديبلوماسي سابق)، وصلاح بشير(63 سنة متعهد وراعي فنون ورئيس شركة «سينيبليكس» التي تغطي حوالى 96 في المئة من الإعلانات السينمائية الكندية)، وكلاهما ولد من أبوين لبنانيين وعاش جزءاً يسيراً من طفولته في الربوع اللبنانية. وهما يتماثلان في ما تختزن ذاكرتهما الى اليوم من مشاعر الماضي والحاضر. انهما لا يتنكران لجذورهما اللبنانية. وذاكرتهما العاطفية لاتزال تضج بذكريات الطفولة في القرية والمدرسة. والتواصل مع وطن الآباء والأجداد يترجمه دبانة على اكثر من صعيد. فهو يفخر بأنه اول نائب من اصول عربية يصل الى مجلس العموم الكندي. وأسس علاقات كندية لبنانية مميزة داعمة لاستقلال لبنان وسيادته. ويعتز بصداقة الكثير من الزعماء اللبنانيين. وفي الداخل الكندي فهو من اهم اصدقاء الجالية اللبنانية التي لا يتوانى عن اللقاء بها ودعمها في شتى المناسبات السياسية والدينية والوطنية والثقافية، وينوه بدور النخبة من المهاجرين اللبنانيين وكفاءتهم المهنية والعلمية. اما صلاح بشير فلم يكن اقل حنيناً او تواصلاً مع لبنان. فهو يزور قريته بين الحين والآخر لا سيما في مواسم قطاف الزيتون حيث يشحن كميات من محصول الزيت الى كندا. ويتباهى بمذاقه اللبناني امام اصدقائه الكنديين، ويقدمه هدايا لهم كبديل من الخمر. كما يقوم من خلال جمعيته الخيرية «ولدي» بتقديم معونات مالية ومادية الى العديد من المؤسسات والمدارس اللبنانية. ويحرص على التمسك بروابطه العائلية التي تجمعه بأمه وإخوته وأقربائه وأبنائهم خلافاً لتفكك العلاقات الأسرية الكندية. وعلى الرغم من مشاعر الحنين والعاطفة والعطاء التي تستوطن ذاكرة المهاجرين، تبقى كندا لدى العديد من امثالهم هي القلب والوجدان والهوية والانتماء الى كل ما يمت بصلة الى قيمها وثقافتها ولغاتها وطريقة عيشها. وهذه المشاعر تنسحب أيضاً على ابناء الجيل الثالث مثال الشاب الكاتب والفنان عمر المعلم المولود في كندا والذي يفخر بانتمائه الى هذا البلد الذي تربى في احضانه وجعل منه واحداً من مشاهير الراب على مسارحه. الا ان ولاءه الى كندا لا يحول دون تعاطفه مع موطن اهله الذي، لكثرة ما حدثوه عن جماله وسحره وتاريخه وحضارته، زاره مرات عدة وخصّه بأغنية وطنية تدين العدوان الإسرائيلي عام 2006. ومع ان عمر يحرص على توقيع البوماته الغنائية باسم « AOK»، الا انه في المقابل يوقّع مقالاته باسمه الحقيقي وباللغة العربية التي لا يجيد منها سوى بعض الكلمات والعبارات القليلة المتداولة. اما الجيل الثاني من المهاجرين اللبنانيين فيتمثل برجل الأعمال والمدير التنفيذي لشبكة مطاعم «بارامونت» في كندا محمد الفقيه (من قرية طيردبا الجنوب-هاجر من ايطاليا منذ عشرين سنة) والإعلامية في راديو كندا الدولي - القسم العربي مي أبو صعب (من دير القمر- الشوف). وكلاهما يتمتع بمؤهلات مهنية ولغات اجنبية ساهمت باندماجه ونجاحه السريع في المجتمع وسوق العمل الكندي. اما اشكالية الهوية والانتماء، فتبدو على غرار العديد من امثالهما المهاجرين، متأرجحة بين الوطن الأصيل والوطن البديل. ازاء هذه الثنائية من الانتماء لكلا الوطنين يترك الفيلم للمشاهد حسم هذه الجدلية التي يعجز عن حلها ربما آلاف المهاجرين اللبنانيين وغير اللبنانيين. ومهما يكن من امر فوقائع الفيلم توحي ان نظام الهجرة يتمتع بقدر كبير من القوة والمرونة لاستيعاب المهاجرين وتسهيل اندماجهم الطوعي في النسيج الكندي، وتحويلهم مع الوقت، دون اي سعي ممنهج لتذويبهم، الى مواطنين يتمتعون بكامل حقوق المواطنة. فالمهم كما تؤكد ادبيات الهجرة ان «يكون قلب المهاجر كندياً» ينشأ على فضائل الحرية والانفتاح والتسامح والتعدد والتنوع والتعايش الحضاري والإنساني.