الإسلام في قناعتي، وحسب قراءاتي، شقان: ثوابت لا تتغير بتغير الزمان والمكان، وهي حصرا (العبادات)، أما الشق الثاني فمتغيرات، وهي كل القضايا الدنيوية، التي لا علاقة للدين بها، وإنما لها علاقة تحددها المصلحة ومقتضيات معيشة الإنسان في مجتمعه والعلاقة بين أفراده، وعلاقة مجتمعه بالمجتمعات الأخرى. الثوابت هنا هي (أركان الإسلام)، فهي الدائرة التي يكون من في داخلها مسلما بالضرورة، ومن خرج عنها ليس مسلما؛ أما (المتغيرات)، فهي كل ما لم يعده الفقهاء الأوائل، وليس الفقهاء المتأخرين، من أركان الدين من قضايا الدنيا. فأنت إذا آمنت بلا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأقمت الصلاة، وصمت رمضان، وأديت الزكاة، وقمت بإداء الحج إذا تمكنت من أدائه، تدخل في دائرة الإسلام، وتُعد بذلك مسلما. والنصوص الواردة التي ثتبت ما أقول، وصلت إلى حد التواتر، إن لم تكن لفظا ومعنى، فهي متواترة في معناها بكل وضوح. وعندما تم توظيف الدين في السياسة، تم توسيع دائرة الإسلام، لتصبح كثير من المسائل السياسية، وبعضها خلافية، يتجاذبها اقوال الفقهاء، في مقام (أركان الدين)، ومن هذه النقطة تحديدا بدأ تسييس الإسلام، وإقحامه في الخلافات الدنيوية السياسية، وكل فرقة من فرق المسلمين تدعي في خطابها أنها تسعى إلى تطبيقه، لتُجند الأتباع، وتستقطب السذج، ليناصروها، رغم أن هدفها في الغالب دنيوي وليس دينيا. الحركات المتأسلمة المسيسة في العصر الحديث، بمختلف توجهاتها، من مصلحتها أن توسع ثوابت الدين قدر المستطاع، فكلما اتسعت دائرة الثوابت، صار بالإمكان التحريض على الأنظمة القائمة، ووصفها بأنها تحارب الإسلام، بحربها على ثوابته وحشد الناس ضدها، وبالتالي تستطيع أن تسقطها لترثها، وتتبوأ كرسي السلطة الذي يسعى إليه كل صاحب طموح سياسي, كما فعل «الخميني» حين حرض الإيرانيين على الشاه، وورث منه السلطة، وكما فعلت (جماعة الأخوان المسلمين) عندما حرضت المصريين على «حسني مبارك» وورثوا بعده السلطة في مصر؛ بمعنى أن الإسلام أصبح بممارسات الحركات المتأسلمة، سواء لدى الشيعة، أو لدى السنة، وسيلة لا غاية، أما الهدف فهو عرش السلطة. لذلك يمكن القول، وبعلمية، أن النأي بالأديان عن وحول السياسة وتجاذباتها، هي لمصلحة الدين، ومقتضيات الذود عنه، وعن حياضه، كيلا يدنسها الانتهازيون، ويستغلها المسيسون لفرض سطوتهم وطغيانهم على الناس؛ فالمسلم اليوم يعيش في مجتمعات الغرب، في راحة وطمأنينة ورغد، مطبقا أركان الإسلام الخمسة، وهذه المجتمعات كما هو معروف لاتستخدم عصا الدين لقمع الناس ومصادرة حرياتهم، في حين أن دولة (طالبان) المنهارة، اودولة (داعش) القائمة في العراق وسوريا - مثلا- يُجز فيها رأس الإنسان لأتفه الأسباب، ويعاني فيها من ضرب السياط دونما سبب، ويتفشى الخوف والذعر والفقر والأمراض والرشوة والفساد، وتنتهك فيها حقوقه كإنسان، ولا يأمن حتى في بيته من أن يقتحمه المتأسلمون على حين غرة، لأنه ارتكب في تقديرهم (منكرا)؛ وهاتان الدولتان هما الشكل النموذجي للدولة عند المتأسلمين.والسؤال الذي يطرحه السياق: هل سيستطيع هؤلاء الأوباش المتخلفون أن يستقطبوا إلى حركاتهم الإنتهازية عاقلا، لو أننا نأينا بالدين وتعاليمه، والجنة والنار، عن السياسة وشؤونها؟ لذلك أقولها بملء فمي: سيبقى الإسلام، وستبقى حركات الإسلام السياسية، وستبقى برك الدم، حتى ننأى بالإسلام عن أوحال السياسة. إلى اللقاء.