منذ أن بدأتُ الكتابة الصحفية بشكل دوري وأنا أقول وأكرر: لا أخاف على وطني إلا من المتأسلمين الوصوليين الحركيين، وبالذات المنتمين فكريا وحركيا إلى (جماعة الإخوان المسلمين)، أو من يُحركهم أقطاب هذه الجماعة، أو من يتظاهرون في العلن بأنهم سلفيو العقيدة والاتجاه في حين أنهم وصوليون أقحاح.. وقد تعرضت إلى ضغوط كثيرة وشرسة، وتشويهٍ في توجهي الكتابي، وتشكيكٍ في نواياي، طوال الفترة التي أصبحت فيها كاتبا صحفيا بشكل دوري ومستمر. بعضها من قبل أقطاب هذه الجماعة في الداخل، وكذلك المتعاطفين معها والمؤيدين لحلولها، والبعض الآخر من البسطاء والسذج والعوام الذين لا يعرفون جماعة الإخوان المتأسلمة ولا أهدافها المسيسة على حقيقتها، وما خرج من تحت عباءتها من جماعات مسيسة تدعي السلفية، وهي تنسف أصلا من أصولها المتعلقة بالسمع والطاعة لولاة الأمر والحرص على استتباب الأمن والاستقرار، وألا يُنازع المسلمُ الأمر أهله كما في الحديث؛ و(أهله) هنا تعني من يتولى الأمارة وشؤون الدولة. وما أن جاء ما يُسمى الربيع العربي، حتى استغله المتأسلمون الحركيون، من مختلف التوجهات والمشارب، وركبوا أمواجه, وقادوا مظاهراته، فأسقطوا الأنظمة القائمة بهدف وراثتها، فورثوا بعضها - مصر وتونس مثلا - وانتهوا إلى الفشل الذريع؛ أما بعض الدول العربية فقد اجتاحتها أعاصير الربيع العربي، فلم تبق ولم تذر؛ وكان للجماعات الإرهابية التي خرجت من تحت عباءة جماعة الإخوان المتأسلمة القدح المعلى في أحداثها الدامية، والواقع المرير الذي نتابعه اليوم على شاشات التلفزيون، سواء في سوريا، أو ليبيا، أو اليمن، أو في العراق يثبت ما أقول. وكما يقولون: ليس من سمع كمن رأى؛ فقد اتضح لكل من له رأي مستقل، ويبحث عن الحقيقة المجردة، أن هذه الجماعات المتأسلمة، سواء الجماعة الأم في مصر، أو الجماعات المتفرعة عنها، وتشكلت في رحمها، أنهم شرٌ محض، وأن الإسلام الذي نعرف، وننتمي إليه عقديا وثقافيا، بريء منهم براءة الذئب من دم ابن يعقوب؛ وأن مزايداتهم على الإسلام وتحكيم الشريعة، ليست سوى وسيلة للوصول إلى كرسي الحكم. ما يُسمى بالربيع العربي سلط الضوء قويا على ما جنته هذه الحركات المتأسلمة على الإسلام والمسلمين وكيف أنها كانت هي السبب الأول والرئيس، لما حلَّ بالدول العربية التي اجتاحتها زوابع هذا الربيع العربي الدموية؛ وثبت الآن أن ما كنت أنا وكثيرون يحذرون منه ومن مآلاته وشروره، هو ما نراه أمامنا رأي العين؛ فليس ثمة إلا رقابا تقطع، وشعوبا تُشرد، وبيوتا تُهدم على رؤوس ساكنيها، وجماعات هائجة بربرية ليس لها علاقة بالإسلام وقيمه، إلا أنهم ملتحون، ويرفعون شعارات الدين، ويزعمون أنهم يمثلونه، ويتصايحون بعد جرائمهم (الله أكبر).. أما الإسلام الحق، دين الرحمة والسلام والعدل واستتباب الأمن واستقرار المجتمعات، فلا علاقة لهم به. أما دين الإسلام كما نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم فيشرحه هذا الحديث: عن طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس يسمع دوي صوته ولا يفقه ما يقول حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات في اليوم والليلة فقال هل علي غيرها قال لا إلا أن تطوع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصيام رمضان قال هل علي غيره قال لا إلا أن تطوع قال وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة قال هل علي غيرها قال لا إلا أن تطوع قال فأدبر الرجل وهو يقول والله لا أزيد على هذا ولا أنقص قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلح إن صدق). هذا هو الإسلام الذي يقود صاحبه إلى الفلاح والنجاة من النار، ببساطة ووضوح، وبنص الحديث النبوي الصحيح، وما خرج عن هذه الدائرة التي حددها عليه الصلاة والسلام، إما أن يكون (تطوعا) يُثاب عليه صاحبه ولا يحاسب على تركه، أو أنه زيادة مُبتدعة فبركها المؤدلجون لهدف سياسي محض، أو لمصلحة الكهنوتية والكهنوتيين، ليس إلا. إلى اللقاء.