جاء في مقدمة الإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد (الصادرة بقرار مجلس الوزراء بتاريخ 1-2-1428 ه) في المملكة ما يلي «يعد الفساد ذا مفهوم مركب له أبعاد متعددة وتختلف تعريفاته باختلاف الزاوية التي ينظر من خلالها إليه. فيعد فسادًا كل سلوك انتهك أيًا من القواعد والضوابط التي يفرضها النظام كما يعد فسادًا كل سلوك يهدد المصلحة العامة، وكذلك أي إساءة لاستخدام الوظيفة لتحقيق مكاسب خاصة. وقد أشارت الشفافية الدولية (تأسست عام 1993)، وهي المنظمة المعنية بمكافحة الفساد، بمناسبة صدور تقريرها لعام 2014 أن الفساد مشكلة تواجه كل الاقتصاديات، وتتطلب أن تقوم المراكز المالية الرائدة في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بالتعاون مع الاقتصاديات سريعة النمو من أجل منع إفلات الفاسدين من جريرة أفعالهم. وقال خوزيه أوغاز رئيس الشفافية الدولية: «يُظهر مؤشر مدركات الفساد 2014 أن النمو الاقتصادي يتقوض وأن جهود وقف الفساد تتراجع عندما يسيء القادة وكبار المسؤولين استخدام الأموال العامة لتحقيق مكاسب شخصية». وأضاف قائلاً: «يجب على الدول التي حلّت في قاع المؤشر (بينها جل البلدان العربية) أن تتبنى إجراءات جذرية لمكافحة الفساد من أجل تحقيق مصلحة شعوبها. ويجب على الدول في قمة المؤشر أن تعمل على ضمان عدم تصدير الممارسات الفاسدة إلى الدول ذات معدلات التنمية المتدنية». وقد جاء في تقرير سابق لمنظمة الشفافية الدولية أن هذه النتائج تبين أن البلدان التي ‹›تعاني من نزاعات طويلة الأمد وتصدع بعض آليات الحكم الرشيد هي البلدان ذاتها التي يستشري فيها الفساد على نطاق واسع. إِذ عندما تضعف مؤسسات الدولة أو تنعدم من الأساس، يخرج الفساد عن نطاق السيطرة ومن ثم تُهدر الموارد العامة. ويؤدي هذا الوضع إلى حالة اللا استقرار وشيوع ثقافة الإفلات من العقاب››. وتضيف المنظمة أن انتشار الفساد يؤدي أيضًا إلى انحسار ثقة أفراد الشعب في مؤسسات الدولة والحكومات الناشئة التي يُفترض أنها تحمي استمرار الدولة واستقرارها. ولاحظت المنظمة أن من الأسباب التي تدعو إلى القلق البالغ استمرار شبح الفساد عندما تعم حالة اللا شفافية في الممارسات العامة وتحتاج المؤسسات إلى دعم ومساندة وتعجز الحكومات عن تطبيق الآليات القانونية لمكافحة الفساد. وتقدر الأممالمتحدة حجم الأموال العامة التي تتعرض للنهب والاختلاس بسبب فساد الأنظمة السياسية في العالم تزيد عن تريليون ونصف التريليون دولار سنويًا، ويتم تحويل هذه الأموال إلى حسابات شخصية أو ودائع سرية في الخارج. وتقول المنظمة أن حتى البلدان الصناعية لا تخلو من الفساد إِذ إن ممارسات الفساد من رشى وسواها عادة ما تنتشر في الشركات الدولية الكبرى. وكذلك، فإن أصحاب رؤوس أموال مشبوهة عادة ما يبيضونها ثم يهربونها إلى بلدان غنية بهدف توطينها هناك. وفي هذا الصدد، أشارت المنظمة إلى أن ما بين العامين 1990 و2005 كُشف النقاب عن أكثر من 283 شركة دولية كبرى تورطت في ممارسات الفساد مما كلف دافعي الضرائب نحو 300 مليار دولار. السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما الأسباب والعوامل التي تكمن وراء استشراء وتفاقم ظاهرة الفساد في معظم البلدان والمجتمعات المتقدمة والمتخلفة على حد سواء، ولماذا احتل موضوع الفساد هذا الحيز الواسع من اهتمام الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي بمنظماته وهيئاته الرسمية والأهلية، وكيف أصبح شعار مكافحة الفساد في مقدمة الأهداف والبرامج للأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والمهنية والحقوقية وجميع تكوينات المجتمع المدني ناهيك عن وسائل الإعلام المختلفة، ولماذا نجد الكثير من الدول والكيانات التي كانت تبدو قوية وراسخة قد انهارت وتفككت تحت وطأة تفشي الفساد في كافة مفاصل الدولة والمجتمع؟ نستطيع أن نعرّف الفساد، باعتباره الاستغلال البشع للوظيفة العامة أو الموقع الرسمي لخدمة المصالح الشخصية أو العائلية أو القبلية أو الطائفية، وهو غالبًا يكون على حساب تغييب معايير العدالة والنزاهة والمساواة والتكافؤ بين الأفراد والمواطنين والمكونات والجماعات كافة. وإهدار المال العام وعقد الصفقات المشبوهة. وإذا كان القرن العشرين الماضي قد سجل خروج العديد من الشخصيات والقادة أو انتقالهم من المعتقلات إلى الرئاسة وسدة الحكم، فإنه قد شهد أيضًا سقوط العديد من الزعماء والفساد والحكام وخروجهم من سدة السلطة والزعامة إلى المعتقلات أو المنافي أو ملاحقين بتهم جنائية وقضايا فساد وتجاوزات وانتهاكات لحقوق الإنسان والحريات الديمقراطية والقائمة طويلة وستطول ما دام هنالك ظلم وقهر ونهب وسرقة وتعد على حقوق الشعب والوطن وممتلكاته العامة. وهذا لا يعني أبدًا انتفاء الفساد عن المجتمعات والدول الغنية» الديمقراطية»، غير أن انتشار القيم والمبادئ والتشريعات الديمقراطية وتجذر مفاهيم حقوق الإنسان ووجود وسائل الإعلام وقوة الرأي العام والاستقلال الحقيقي للقضاء كفيل بحصر واحتواء وفضح ومعاقبة المتلاعبين والمتورطين أيًا كانت مواقعهم. نستطيع أن نعرّف الفساد، باعتباره الاستغلال البشع للوظيفة العامة أو الموقع الرسمي لخدمة المصالح الشخصية أو العائلية أو القبلية أو الطائفية، وهو غالبًا يكون على حساب تغييب معايير العدالة والنزاهة والمساواة والتكافؤ بين الأفراد والمواطنين والمكونات والجماعات كافة. جاء في مقدمة الإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد في المملكة «تعد ظاهرة الفساد ظاهرة مركبة تختلط فيها الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.. وللفساد آثار سلبية على عملية التنمية، فينحرف عن أهدافها ويبدد الموارد والإمكانات ويسيء توجيهها ويعوق مسيرتها كما يضعف فاعلية وكفاية الأجهزة ويتسبب في خلق حالة من التذمر والقلق». كما جاء في المقدمة «إن حماية النزاهة ومكافحة الفساد تستلزم برامج إصلاح شاملة تحظى بدعم سياسي قوي وتكتسب مضمونًا إستراتيجيًا يقوم على تشخيص المشكلة ومعالجة أسبابها وتعاون الأجهزة الحكومية ومشاركة المجتمع ومؤسساته.