شهر رمضان في إيطاليا، في أوساط الجالية الإسلامية، يشبه بعض الشيء شهر رمضان في الدول الإسلامية، فيه نفحات روحانية وإقبال على التعبد وأداء لصلاة التراويح. حيث يزداد رواد المساجد عن أي شهر آخر، وبهذه المناسبة الكريمة، تقوم الهيئات الإسلامية بإعداد التحضيرات اللازمة لموائد الإفطار وطبع الإمساكيات المجانية، فضلا عن إعداد مجموعة من البرامج الرمضانية والدينية التي تمس جميع فئات المسلمين، التي لا تغفل عن أطفالهم المقيمين في إيطاليا، من خلال تنظيم مسابقات ترتيل القرآن والحلقات الدينية التي تشرف عليها بعض النساء العارفات بشؤون الدين من مختلف الأعراق والأجناس. كما تقوم بعض الهيئات والمراكز والجمعيات بدعوة علماء ومشايخ من بلدان عربية وإسلامية لإحياء أجواء هذا الشهر الكريم وتوجيه النصح والإرشاد لأبناء الجالية، الذين غالبا ما ينتظرون قدوم الفقهاء بفارغ الصبر لتزويدهم بالمعرفة الصائبة والفقه النيّر. المركز الإسلامي في روما والأنشطة الرمضانية من بين المراكز والجمعيات الإسلامية الناشطة في هذا الشهر الفضيل نجد المركز الإسلامي بروما، وهو أكبر مسجد في أوروبا، يتولى رئاسة إدارته السفير السعودي الدكتور خالد قرملي، حيث يسهر سعادته على توفير الأجواء الرمضانية المناسبة للمسلمين القادمين إلى المسجد. إِذْ يقدم المركز مجموعة من الأنشطة تزامنا مع الشهر الكريم، ولعل أهم الأشياء التي يقوم بها المركز هي تحضير موائد الإفطار للصائمين بالإضافة إلى تقديم المساعدات للمحتاجين والفقراء واستقبال عدد كبير من المصلين، ليس فقط في أيَّام رمضان، حيث إن العدد في تزايد مستمر خاصة في العشر الأواخر من شهر الصيام ولا سيما ليلة القدر المباركة وأيَّام العيد. يخصص المركز يوميا دروسا دينية، تسهر عليها الإدارة المسيرة. وتصادف أنشطة شهر رمضان هذه السنة ما قام به سعادته من تغييرات وتحويرات، بتأسيس لجان تهتم بأمور المسلمين القادمين إلى المركز. إضافة إلى ما تسهر عليه من تقديم الخدمات اللازمة للجالية المسلمة المقيمة في كافة أرجاء إيطاليا. وتتشكل هياكل التسييير من اللجان التالية: لجنة الحوار والأنشطة الثقافية برئاسة يحيى باللافيتشيني، ولجنة الزكاة والشؤون الدينية برئاسة محمد حسن، إمام المركز، ولجنة إفطار رمضان والحج والأنشطة الاجتماعية برئاسة محمود الشستاوي ومشاركة جانكارلو باسكوالوني. كما شكل سعادته لجنة لاقتراح مشروع القانون الداخلي للمركز المفسرة والمفصلة للنظام الأساسي، المتضمنة تحديد وظائف الأعضاء والهيكل التنظيمي للمركز وتوزيع الصلاحيات والتخصصات، وأخيرا تمّ إحداث لجنة تتولى السهر على دراسة ومتابعة ما يحتاجه المركز من مرافق وصيانة وترميمات، يتولاها المهندس المعماري باولو بورتوغيسي بمشاركة المهندس أنطونيو ريتزو. إقبال مسلمي إيطاليا على الأكل الشرقي يحرص مسلمو إيطاليا في شهر رمضان على تناول أطعمة البلدان الأصلية، هذا إلى جانب الإقبال على الحلويات المغاربية التي يكثر رواجها في المحلات العربية والإسلامية. حيث نجد حركة دؤوبة لا نشهدها في باقي الأيام، إِذْ يقبل العديد من أبناء الجالية العربية على هذه المحلات ولا سيما محلال بيع اللحم الحلال. توقفنا عند احد المحلات الإسلامية، المتجر المسمى سوق العرب الذي تسيره مجموعة من الشبان المغاربة ب «شانتو شالي» إحدى ضواحي روما الشعبية. يحتوي المحل على طابقين: الأول مخصص لبيع المواد الغذائية والآخر قصابة إسلامية. سألنا أحد المسيرين عن مدى تفاعل زبائن الجالية المسلمة في شهر رمضان مع المعروضات الشرقية، فأخبرنا عبد اللطيف بأن مناسبة رمضان والأعياد الدينية تغدق عليهم بالخير الوفير، وذلك جراء توافد العديد من الزبائن المسلمين وغير المسلمين من الإيطاليين للشراء، وأضاف مسير المحل قائلا: إن هذه الميزة تتخللها الرحمة والتعاطف مع المسلمين، حيث نقوم في الغالب بالتصدق على المحتاجين ببعض قطع اللحم أو الحلويات أو التمور. شهر رمضان.. شهر حركة وبركة تكثر في أوساط المهاجرين العرب سبل العمل والاشتغال في رمضان متمثلة في بيع بعض المأكولات والحلويات المغاربية والشرقية، مثل الكنافة والبقلاوة والبسبوسة والزلابية والمخارق والغريّبِة ومقروض بوفاريك وغيرها. فشهر رمضان يُعدُّ بالنسبة إلى المهاجرين العرب مصدرا للرزق أيضاً. السيدة نفيسة المصرية تقوم بتحضير الرغيف العربي وبيعه لبعض المحال الإسلامية، كما تتفنن السيدة فريدة المغربية في إعداد الحلويات المغاربية وبيعها أمام مسجد روما الكبير. من جانب آخر تبقى السمة البارزة التي تميز شهر رمضان بين مسلمي إيطاليا وهي التآزر، فنجد العائلات تقوم باستدعاء الأصدقاء وتبادل دعوات الإفطار. فأغلب العائلات المسلمة في إيطاليا تجد نفسها يوميا إما داعية أو مدعوة إلى الإفطار، وهذا ما لمسناه من خلال التصريحات التي قدمتها لنا بعض الأخوات عن هذه المناسبة. فالسيدة زينب من المغرب، والسيدة سحر من مصر، والسيدة رزيقة من الجزائر، يلتقين يوميا في موعد الإفطار في حديقة «فيلا آدا» الشهيرة، حيث يرافقهن الأبناء الصغار. أخبرتنا السيدة سحر قائلة: إن هذا الشهر الفضيل فرصة للتقارب فيما بيننا، فنحن نعدّ الأكل في البيت ونأتي به إلى هذه الحديقة بغرض الإفطار معا، وتضيف سحر قائلة: إن زوجها يعمل إلى ساعة متأخرة في احد المطاعم، ولذلك فإفطارنا مع بعضنا يقلل من وطأة الوحدة التي نعاني منها، وتقول إن الأولاد على الأقل نعوضهم يومهم الذي قضوه في البيت، فالحر الشديد هذه السنة يحول دون خروجهم أثناء النهار. فيما تقول رزيقة من الجزائر: إن شهر رمضان يفتح المجال للتعرف أكثر على ثقافة البلدان العربية الأخرى، ولا سيما في مجال الطبخ، حيث تبادل وصفات الطبخ والإعداد معا لأطباق جزائرية وتونسية ومغربية يتخللها الطبخ المصري وخاصياته الشرقية. وكذلك يعيش المهتدون إلى الإسلام أجواء رمضانية بكثير من الخصوصية. قمنا بزيارة إحدى الجمعيات الصوفية، الطريقة البرهانية، التي يتوافد عليها العديد من معتنقي الإسلام من الإيطاليين. عشنا معهم أجواءهم الروحية ولحظات رمضانية يسودها الوئام والتراحم والتآخي، وقد أخبرتنا السيدة عائشة بيفيلاكوا، التي اعتنقت الإسلام منذ عشرين سنة، أنهم يقومون في هذا الشهر بالإفطار الجماعي في مقر الجمعية، حيث يعدون أطباقا متنوعة ويقيمون صلاة التراويح والذكر بشكل جماعي. المطاعم الشرقية.. تنوّع في الأطباق تتنافس العديد من المطاعم العربية والإسلامية في تقديم الأطباق في هذا الشهر، فهناك العديد من المهاجرين العرب والمسلمين الذين يختارون الإفطار في المطاعم. أخبرنا صاحب مطعم حلال بمنطقة «ريجينا مارغيريتا» السيد صلاح سلامة الصعيدي، أن هذه المناسبة وبسبب تنوع الأكلات العربية والحلويات الشرقية تزيد من ارتياد الزبائن، حيث لا يقتصر الأمر على العرب والمسلمين ولكن الإيطاليين أيضاً، ممن يجلبهم الفضول للتعرف على عادات المسلمين وتقاليدهم وما يميز الطبخ العربي، فيقدمون على اقتناء مختلف الأكلات والحلويات. أبناء المهجر والصوم يُعدُّ شهر رمضان بالنسبة إلى أبناء المسلمين من الصبية والشبان فرصة للتدرّب على ممارسة إحدى الفرائض الدينية على أكمل وجه. حيث يساعد الأهل بتوفير الأجواء المناسبة لهم. وتُعدُّ تجربة الصوم بالنسبة للعديد من الصبية المسلمين في إيطاليا فرصة للعيش في أجواء عائلية قريبة من أجواء البيئات الأصلية للأهالي، وهذا ما أخبرتنا به أم فاطمة من تونس عن ابنتها البالغة عشر سنوات. تقول: الحمد لله فقد بدأت ابنتي تتعود على الصوم، وقد كانت في منتهى السعادة بصيامها، فقد اشترينا لها الهدايا أنا وزوجي لتشجيعها على التدرب على هذه الفريضة. ويُعدُّ الصوم في الغربة شحذا للإرادة وصقلا للروح، فالصغار يباشرون بصيام ساعتين أو بضع ساعات، وهذا ما تقوم به فريدة المغربية وهي أم لفتى يبلغ من العمر 12 سنة. أسرّ لنا ابنها أنه يحب أن يصوم غير أنه يجد صعوبة في ذلك لكنه عازم على الصوم مستقبلا لأن الصوم فريضة إلهية. المهاجرون غير الشرعيين ورمضان تعتبر إيطاليا ممر عبور لألوف المهاجرين السرّيين. إِذْ الكثير منهم مسلمون، حيث تجذب المساجد جلهم، والتي تُقدَّم فيها وجبة الإفطار مجانا، فقد أخبرنا إمام جامع الهدى باحد أحياء روما الشعبية أنهم يستقبلون الكثير من المهاجرين غير الشرعيين أثناء موعد الإفطار، مضيفا أنه يصعب عليهم استقبال الأعداد الهائلة من المشردين واللاجئين المسلمين، فالمسجد عبارة عن مستودع ويفتقر إلى حديقة أو فناء. هذا علاوة على أن القادمين للإفطار لا يريدون الانصراف ويودون النوم هناك، وهذا ما يخلق بعض الإزعاج، لكن بما أننا في شهر رمضان ونقيم بعض من الأنشطة الدينية، نحاول قدر الإمكان استيعابهم ومساعدتهم. صرح لنا أحد اللاجئين السوريين الحالمين، أنه في انتظار أن يسمح له مع عائلته بالعبور إلى شمال أوروبا فقد حط الرحال بالمسجد. وحالة هذا السوري هي حالة آلاف من اللاجئين المشردين. أخبرتنا السيدة نفيسة وزوجها محمد القادمان من دار فور أنهما يصومان وينتقلان إلى الكاريتاس، أي دور الإحسان التابعة للكنيسة، لتسلّم وجبات الإفطار والسحور، وهي تدعو الله أن ييسر لها أمرها على أمل أن تعبر نحو فرنسا، فيا لهم من لاجئين زادهم الخيال.