يجب ألا نستغرب حين نعرف أن بعض البلدان التي تُعتبر ذات موارد اقتصادية شحيحة نسبياً، هي أيضاً بلدان ذات اقتصادات متقدمة، وذلك لأنّ هذه البلدان تستخدم مواردها المحدودة بكفاءة. وفي بلداننا العربية، ومنها البلدان الخليجية، لا يتم استخدام الموارد بكفاءة، سواء الموارد الشحيحة أو الموارد السخية. لذلك نجد أن بلداً عربياً كالسودان يعاني من المتاعب الاقتصادية، وأحياناً الفقر الفادح، بالرغم من وفرة المياه والأراضي الزراعية الخصبة والثروة الحيوانية، وامتلاكه لشريحة واسعة من الكوادر البشرية ذات التعليم العالي والمهارات المتنوعة. أما في بلداننا الخليجية فإنّ التبذير في الاستهلاك وغياب الترشيد والنسبة المرتفعة من الفاقد الإنتاجي على المستوى الفردي وعلى مستوى الإدارات الحكومية، هي واقع مُعاش نلمسه جميعاً ونشارك فيه رغم انتقادنا المتكرر له. بالمقابل، نجد أنّ بلداناً أوروبية صغيرة كالبلدان الاسكندنافية تعيش في بحبوحة ورخاء لأنها تتحلى بالحكمة الشديدة في سلوكها الاقتصادي. وقد قرأت أنّ السويد تستغل حتى النفايات المنزلية وتستخدم 99 بالمائة منها في إنتاج الطاقة والباقي في إنتاج السماد الزراعي. ليس ذلك فحسب، بل إنها تستورد النفايات المنزلية من بريطانيا وإيطاليا والنرويج وتحصل مقابل ذلك على ثمن، لأنها تحل مشكلة النفايات لتلك البلدان في الوقت الذي تُعيد تدوير واستخدام النفايات لإنتاج الطاقة! لذلك، لم يكن غريباً أن تتمكن مدينة سويدية، هي مدينة لينكوبينغ، من جعل جميع حافلات النقل التابعة لبلديتها وسبعين بالمائة من سيارات الأجرة فيها تعمل بالغاز الحيوي الذي يتم إنتاجه من النفايات المنزلية. وقد صرح رئيس بلدية المدينة لوسائل الإعلام أن بلاده وضعت خطة سوف تُمكنها من الاعتماد بنسبة مائة بالمائة على مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والمياه والوقود الحيوي، وذلك بحلول عام 2030 تحت شعار «بلد بلا بترول». وإذا علمنا أن ما نسبته 65 بالمائة من الطاقة المنتَجة في السويد في عام 2014 كانت من المصادر المتجددة، فإننا ندرك أن خطتها لعام 2030 واقعية وليست أحلاماً وأماني! ما تحققه هذه البلدان يجعلنا نشعر بالقلق من النمط التبذيري وغير الواقعي في الاستهلاك وفي استخدام الموارد المتاحة في بلداننا الخليجية، ومنها المملكة، فنحن لا نستفيد على سبيل المثال من الطاقة الشمسية غير الناضبة التي نملك منها الكثير جداً ونُسرف في استهلاك واستنزاف ثروتنا البترولية الناضبة. وهذه، بالطبع، أمثلة ليس أكثر. إنّ رهاننا المستقبلي يتمثل في المحافظة على مواردنا الناضبة وأولها الماء، والاستفادة إلى أبعد حد على مواردنا غير الناضبة، وهو رهان كبير لابد أن نكسبه إذا كنا نرغب حقاً في توفير حياة كريمة للأجيال القادمة.