الاستهلاك المحلي المرعب للطاقة يجعلنا نعيد الحسابات في طريقتنا لاستخدام الطاقة في جميع أمورنا، ولو أن الحجم الهائل من الاستخدام للطاقة كان بسبب زيادة إنتاجنا من السلع والخدمات والتوسع في الأنشطة الاقتصادية التي تولِّد دخلاً حقيقياً وتوظيفاً ملموساً في الاقتصاد الوطني لكان ذلك مقبولاً، بل كان دلالة نماء وتقدم، ولكن حين يكون التزايد الهائل في استهلاك الطاقة هو بسبب التبذير وغياب الترشيد، فإن النتيجة ستكون كارثة محققة بما تنطوي عليه من تبديد للموارد الناضبة للبلاد! وبحسب تقرير شركة «جدوى» للاستثمار فإن متوسط استهلاك المملكة من النفط بلغ 2.5 برميل يومياً خلال الفترة من بداية عام 2014 حتى شهر نوفمبر من العام نفسه في حين كان متوسط إنتاجها خلال نفس الفترة حوالي 9.6 برميل يومياً.. هذا يعني أننا نستهلك نحو 26 بالمائة من إنتاجنا من النفط، ويقلل من إمكاناتنا التصديرية! وتأتي قطاعات المباني والنقل البري والصناعة على رأس قائمة القطاعات الأكثر استهلاكاً للطاقة، وما لم يتم تبني برامج لترشيد استهلاك الطاقة والتقيد بها حرفياً، فإن النمو المتزايد للاستهلاك سوف يلتهم كل الطاقة الإنتاجية النفطية للمملكة في المستقبل ويفقدها قدرتها التصديرية بالكامل. ومن أهم الجهود التي تُبذل في مجال الترشيد ما يقوم به البرنامج السعودي لكفاءة الطاقة الذي يرأسه نائب وزير البترول والثروة المعدنية الأمير عبد العزيز بن سلمان.. وقد أطلق البرنامج هذا الأسبوع حملة توعوية لترشيد استهلاك الطاقة في مجال النقل من خلال تعريف المستهلكين بما يُسمى «بطاقة استهلاك الوقود» للمركبات.. وتشير التقديرات إلى أن قطاع النقل وحده يستهلك نحو 23 بالمائة من وقود الطاقة في المملكة، حيث يبلغ عدد المركبات حوالي 12 مليون مركبة عام 2014 ويتزايد سنوياً بمعدل 7 بالمائة، ومن المتوقع أن يبلغ عددها 27 مليون مركبة في عام 2030. فكرة بطاقة استهلاك الوقود بسيطة وواضحة للغاية، حيث يتم وضع بطاقة على السيارة تحدد كمية استهلاكها من الطاقة.. وتوضح البطاقة ستة مستويات للاستهلاك تتراوح بين مستوى ممتاز «أخضر» ومستوى سيئ جداً «أحمر» ومستويات متدرجة بينهما بحيث يعرف المستهلك كمية استهلاك السيارة من الوقود بمجرد قراءة البطاقة قبل اتخاذ قرار شراء السيارة.. وقد تم إلزام الجهات المستوردة والبائعة للسيارات باستخدام تلك البطاقات، وسوف تقوم وزارة التجارة والصناعة بمتابعة تطبيقها ومعاقبة الشركات التي لا تلتزم بالتعليمات. هذه الحملة تضع المستهلك أمام مسؤولياته، فهو حين يقرر شراء سيارة ويُحْسِن اختيار المركبة التي تستخدم مقادير أقل من الطاقة سوف يحقق وفراً مالياً لنفسه، ولذلك فإن شعار حملة التوعية هو (بكيفك.. بس الأخضر أوفر).. أما مسؤولية الأجهزة الإعلامية فهي تبصير المستهلكين وتوعيتهم بما يمكن أن يحققوه من توفير من خلال قراراتهم الشرائية الصائبة وسلوكهم الاستهلاكي الرشيد.. فيا أيها المستهلك: يمكنك أن تسلك الطريق الأخضر وتوفر، أو الطريق الأحمر فتبذر وتبدد ميزانيتك، والخيار لك!