الحادث الإرهابي الذي استهدف حسينية المصطفى بقرية الدالوة في محافظة الأحساء وراح ضحيته سبعة مواطنين وعشرات الجرحى ليلة العاشر من محرم، جريمة شنيعة لا سابق لها في تاريخ المملكة لما يحمله من أبعاد خطيرة حساسة ذات صبغة طائفية يراد من خلالها اجترار الفتن المشتعلة في بعض الدول المجاورة وجر نارها إلى البلاد. وبقدر بشاعة الجرم وفداحة المصاب الذي هز الرأي العام للمجتمع بكافة مكوناته وأطيافه المذهبية والمناطقية أتى بيان هيئة كبار العلماء وسماحة المفتي العام للمملكة كالبلسم المداوي للجروح وخصوصاً في عبارته عندما قال إن الدين الإسلامي يشدد على حرمة دم المسلمين وأموالهم وأعراضهم. تلك الفئة الضالة التي طالما قاسى الوطن من أعمالها الإرهابية التخريبية الدموية لا تعترف بشيء اسمه «مسلمون» من الأساس وهي لم تفرق يوماً من الأيام بين شيعي وسني أو بين مواطن ومقيم تكفر كل من لا يؤيد أفكارها وأعمالها الإجرامية، فأنت إما أن تكون معها تماماً كما هي تريد وإلا سيكون مصيرك الكفر والردة والخروج من الملة وبالتالي فإن دمك ومالك وعرضك مهدور ومباح ومن هذا المبدأ يحلل قادة تلك العصابات لأتباعهم سفك الدماء المعصومة. هذا النوع من الإرهاب والإجرام يرتكز على خلفية أيدولوجية فكرية ذات طابع ديني تجعل من القتل جهاداً وتتقرب إلى الله بسفك الدماء وإزهاق الأرواح، وعلاج هذا الإرهاب أصعب بكثير من علاج مسببات ودوافع الجرائم الجنائية الأخرى، فقد يندم ويتوب المجرم الذي يقتل من أجل المال على سبيل المثال بعد محاكمته وعقابه ولكن من يقتل ويسفك الدماء ظناً منه بأنه يجاهد في سبيل الله ابتغاء مرضاته من الصعب جداً أن يتوب ويعود إلى رشده؟! تنامي حالة التشنج الطائفي في العالم الإسلامي مؤخراً وخصوصاً في الجانب الإعلامي عبر القنوات الفضائية والمنابر الدينية لدى بعض السنة وبعض الشيعة ألقت بظلالها السلبية على لغة الشارع، فمن النادر جداً أن تفتح مقطع فيديو في اليوتيوب وأن لا ترى تراشقاً مذهبياً حتى وإن كان الفيديو مسلسلاً كارتونياً أو برنامج طبخ! وقد سعى المغرضون الخبثاء لاستثمار بيئة الشحن الطائفي فيما هو أكبر وأخطر من التراشق اللفظي وزجوا بشبابنا في أتون الحرب الطائفية الدائرة في بعض دول المنطقة. تحصين المجتمع من هذا التلوث والشحن الطائفي أمر ضروري ومهم للغاية لحفظ الأمن والسلم الأهلي وبادرة هيئة كبار العلماء وسماحة المفتي في إدانة حادثة الأحساء أولى خطوات هذا التحصين الذي دعا له خادم الحرمين الشريفين حفظه الله في كثير من المرات، ونراهن على العقلاء في هذا البلد وهم كثر بحمد الله في وأد الفتنة وهي في مهدها وتفويت الفرصة على الأعداء المتربصين بنا في الداخل والخارج عبر محاربة المحرضين قبل المنفذين وتجريم كافة أشكال وأنواع الطائفية ومن أي طرف كان لا فرق، فالجميع في هذا البلد مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات يجمعنا الدين والوطن. يجب علينا بث ثقافة التعايش والمحبة في مناهجنا الدراسية ومساجدنا وإعلامنا المكتوب والمسموع والمرئي وسن قانون يجرم كل ما من شأنه زعزعة السلم الاجتماعي بالقول أو الفعل. رحم الله شهداءنا من المواطنين ورجال الأمن وخلف علينا وعلى ذويهم بالخلف الصالح وشافى المصابين منهم وحمى الله وطننا ممن يريد به السوء، حادثة الأحساء لم تضرب الأحساء وحدها فقط ولكنها ضربت كل قرية ومدينة في هذا الوطن العزيز.