وصلتني للتو رسالة بالإيميل من وزارة الداخلية تحمل استبياناً لتقييم أداء خدماتهم الإلكترونية. وكانت رسالتي جوال قد سبقتا تبلغني الأولى بأن معاملتي تم استلامها في مكتب الاستقبال والتواصل الإلكتروني بجدة، والثانية أن المعاملة تم تسجيلها في وزارة الداخلية في الرياض، مع رقم المراجعة، وهاتف التواصل. الحقيقة أنني أكاد لا أصدق أن هذه الخدمة الراقية تتم في بلادنا. الحكومة الإلكترونية كانت حلماً يراودنا منذ بدأت دول متقدمة في تطبيق خدماتها. واليوم نشهده واقعاً ملموساً في كثير من دوائرنا الرسمية. ولعل الفائز بالسبق بين هذه الدوائر، هي وزارة الداخلية، وليس في الخدمات الإلكترونية فحسب، ولكن في مكاتب الاستقبال أيضاً. فمكتب جدة، مثلاً، يقع على طريق الملك في مبنى فخم، وعلى الشارع العام. والتصميم أقرب إلى البنوك وشركات الاتصال منه إلى الدوائر الخدمية، مع ميزة هامة، هي عدم وجود ازدحام داخل المكاتب، أو طوابير طويلة، وتوفر مواقف السيارات. والموظف الشامل الذي يستقبلك فوراً، يقوم بمراجعة معاملتك، وتحديد الناقص منها، إن وجد، لاستكماله. ثم، فور الاستكمال، يسجلها في الحاسب الآلي، ويعطيك بطاقة صغيرة تحمل أرقام التواصل عبر موقع الوزارة في النت، وهاتف مجاني، لمتابعة مسار المعاملة. ويطمئنك بأن النظام سوف يبعث لك برسائل جوال، أيضاً، مع رقم المعاملة. كل هذا خلال ست دقائق بالضبط، منذ لحظة دخولي إلى خروجي غير مصدق أن هذا يحدث فعلاً، وعلى قدر من الشك، جازى الله تجاربي المرّة مع الدوائر الأخرى، أن تصلني الرسائل في الأوقات التي حددها الموظف. وليس هذا هو الاستبيان الواحد الذي مر علي، فقبل ذلك أتصل قريبي بالشرطة لمساعدته على السيطرة على أبن يعاني من اعتلال نفسي، ويخشى منه على أسرته. وخلال سبع دقائق كانت سيارتين شرطة قد وصلتا إلى الموقع، ولاحقتا هي وسيارات أخرى أتت لاحقاً الابن المعتل بعد هروبه بسيارته حتى تم الإمساك به، والتعامل معه بحضارية وإنسانية عالية.. وبقيت السيارات تنتظر سيارة الهلال الأحمر أكثر من ساعة حتى وصلت لاستلام المريض، ورافقته حتى تم تسليمه لمستشفى الصحة النفسية. الشاهد في القصة المذهلة في تفاصيلها أن رسالة جوال وصلت لقريبي بعد عشر دقائق من قيامه بالاتصال بغرفة العمليات، لتقييم الخدمة وسرعة وصولها، من 1 إلى 4.. ضحك الأب جذلاً، رغم قسوة الموقف، وهو يطلعني على الرسالة. ورد عليها فوراً باختيار الرقم 1، وهو يردد «ليت هناك أحسن من 1 لأسجله.. الله يعز الحكومة!». اليوم تستطيع أن تجدد جوازك ورخصتك وإقامة العاملين لديك وغيرها من المعاملات التي كانت تضطرك إلى التعاقد مع معقبين للقيام بها من خلال الهاتف أو النت أو الأجهزة المنتشرة في الأسواق. كما أن مكاتب خدمات الداخلية، كالأحوال المدنية والجوازات، وعقبال المرور، تنتشر في المجمعات التجارية، وتلتزم بأوقات ونوبات مريحة للمواطن، تمتد في بعض الحالات إلى المساء. هذه الخدمات الحضارية المتقدمة تستحق لا التقدير فحسب، ولكن الاقتداء بها من قبل الدوائر والوزارات الأخرى. فريادة وزارة الداخلية أمر طبيعي، فهي أم الوزارات الخدمية، وهي الأحن، والأسبق إلى التيسيير والتسهيل على المواطن، ولكن من غير الطبيعي أن تكون وحدها في الميدان. فما الذي يمنع أن تقوم الجامعات وكتابات العدل والبلديات والإسكان والسفارات ومكاتب العمل والعمال وشركات الكهرباء والمياه، وغيرها من الجهات التي يتعامل معها المواطن، بمثل هذه الخدمات الراقية والمتطورة؟. شكراً لوزيرنا الشاب، الأمير محمد بن نايف، ودعوة لكافة الوزارات والشركات العامة للاقتداء به، والالتحاق بركب الحكومة الإلكترونية وتيسيير المعاملات وتطوير مكاتب الاستقبال لتحقيق دعوة خادم الحرمين الملك عبدالله للوزراء والمسؤولين بخدمة المواطن وتسخير كافة الوسائل والسبل للتيسيير عليه ومساعدته.