أثرت تهديدات الرئيس الاميركي دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية على اوروبا، على جدول أعمال قادة دول الاتحاد الأوروبي المجتمعين في بروكسل لمحاولة تعزيز إنفاقهم العسكري في مواجهة التهديد الروسي وتحت ضغط الرئيس الأميركي الجديد. دعي إلى هذه "الخلوة" غير الرسمية للدول ال27 الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روتيه ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، على أن يتم تخصيصها لسبل تعزيز الدفاع عن أوروبا بعد نحو ثلاث سنوات على بدء الغزو الروسي لاوكرانيا. لكن أمام تهديدات الرئيس الأميركي الذي فرض للتو رسوما جمركية على كندا والمكسيك والصين، حاول الأوروبيون اعتماد اللهجة المناسبة لرد محتمل. وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لدى افتتاح اجتماع غير رسمي لقادة دول وحكومات الاتحاد في بروكسل "إذا تعرضنا لهجوم حول المسائل التجارية، فسيكون على أوروبا، كقوة ثابتة على موقفها، أن تفرض احترامها وبالتالي أن ترد". من جانبه، اعتبر رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك أن "علينا بذل كل ما بوسعنا لتفادي هذه الرسوم الجمركية وهذه الحروب التجارية غير المجدية إطلاقا والحمقاء". وأكد الاتحاد الأوروبي الأحد أنه سيرد "بحزم" إذا فرض دونالد ترمب رسوما جمركية عليه. ومنذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا زادت الدول الأوروبية ميزانياتها العسكرية بشكل كبير. لكن قادة هذه الدول يعترفون أيضا بصورة شبه تامة بأن بلدانهم لا تتسلح بالسرعة الكافية، وسط مخاوف متزايدة إزاء احتمال أن يشن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هجوما على أحد هذه البلدان في السنوات المقبلة. واتخذ النقاش بعدا جديدا مع عودة ترمب إلى البيت الأبيض، إذ يردد باستمرار أن على أوروبا ألا تعتبر بعد الآن الحماية الأميركية لها من المسلمات. وهو الآن يطالب الدول الأوروبية بزيادة إنفاقها العسكري إلى الضعف على الأقل، من خلال تخصيص ما لا يقل عن 5% من ناتجها المحلي الإجمالي لهذا الغرض، وهو هدف يعتبره العديد منها غير واقعي. من جهة أخرى، تعهد الرئيس خلال حملته الانتخابية بوضع حد سريعا للحرب في أوكرانيا، ما أثار لدى الأوروبيين مخاوف من أن يرغم كييف على القبول باتفاق سيئ. وعلاوة على قضية الدفاع، أطلق ترمب سلسلة تهديدات لحلفائه الأوروبيين في مجالات مختلفة. وتأمل رئيسة الوزراء الدنماركية ميته فريدريكسن التي قامت للتو بجولة على عدة عواصم أوروبية، توجيه رسالة مشتركة بوجه مطامع ترمب حيال غرينلاند، المنطقة الدنمركية التي تتمتع بحكم ذاتي. وأكدت الاثنين لدى وصولها إلى العاصمة البلجيكية أن "غرينلاند ليست للبيع". وإن كان هناك إجماع على ضرورة زيادة الإنفاق الدفاعي، فإن كيفية القيام بذلك لا تزال موضع جدل مرير. وتقدّر بروكسل أنه يتحتم على التكتل استثمار 500 مليار يورو إضافية في الدفاع على مدى العقد المقبل. واقترحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بعد المحادثات تخفيف القواعد المفروضة على الدفاع في ميزانية الاتحاد الأوروبي وتعزيز التعاون بين المقرضين وشركات انتاج الأسلحة. لكن فيما يخص مسألة الدعوة لاقراض مشترك محتمل، لم يظهر أي تحرك واضح. لكن فون دير لاين أشارت إلى أن الاتحاد الأوروبي يمكن أن ينظر في تمويل مشاريع مشتركة في مجالات حاسمة مثل الدفاع الجوي. وستطرح بروكسل الشهر المقبل مقترحات بشأن مستقبل الدفاع عن الاتحاد الأوروبي، قبل جولة أخرى من المحادثات حول هذا الموضوع في يونيو. وبالنسبة للبعض مثل الرئيس إيمانويل ماكرون، على أوروبا قبل كل شيء تمويل صناعتها الدفاعية. وأعلن الاثنين "من خلال اتخاذ قرار بشراء وتفضيل السلع الأوروبية ستصبح أوروبا أكثر استقلالية، الأمر بهذه البساطة". غير أن بلدانا أخرى ترى أنه ينبغي عدم وضع معايير صارمة جدا في وقت تواجه الصناعة الأوروبية صعوبة في تلبية الحاجات، كما تعتبر أن شراء أسلحة أميركية قد يسمح بالحفاظ على علاقات جيدة مع ترمب. وبعد خمس سنوات من بريكست، يعود رئيس وزراء بريطانيا اليوم إلى دائرة القادة الأوروبيين، أقله حول مائدة العشاء. ويبدي رئيس الوزراء العمالي كير ستارمر منذ وصوله إلى السلطة في يوليو عزمه على إحياء العلاقات مع بروكسل، ويطرح حتى فرضية إبرام اتفاق أمني. ويواجه قادة الاتحاد، ضغوطا متزايدة لكسر الجمود والتوصل إلى اتفاق بشأن كيفية زيادة القدرات الدفاعية بشكل كبير على الرغم من التوقعات الاقتصادية القاتمة. ومن بين القضايا الرئيسية كيفية تمويل الاستثمارات اللازمة التي تبلغ قيمتها مليارات اليورو. وبعد عدة أزمات، تفتقر عدة دول أوروبية إلى المال وتواجه اقتصادات متعثرة. ووفقا للمفوضية الأوروبية، هناك حاجة إلى نحو 500 مليار يورو (513 مليار دولار) على مدى الأعوام العشرة المقبلة لمشروعات تستهدف تعزيز نظام الدفاع الجوي في أوروبا وتأمين الحدود الشرقية للتكتل. وقال المستشار الألماني أولاف شولتس خلال القمة إنه "متفائل للغاية" أن الاتحاد يستعد لاتخاذ قرارات و"التغلب على أي عقبات". وفشلت الحلول المحتملة، مثل الاقتراض المشترك على المستوى الأوروبي أو تخفيف حد العجز في الاتحاد الأوروبي، في الحصول على دعم كاف، وكان ذلك أيضا بسبب اعتراض ألمانيا. وقد يكون الحل الوسط هو تمويل المزيد من مشاريع الدفاع عبر بنك الاستثمار الأوروبي. لقد كافح الاتحاد في السنوات الأخيرة لزيادة إنتاج الأسلحة، على الرغم من أن الحرب الروسية ضد أوكرانيا قد أضافت أهمية لهذه الجهود، كما أن المساعدات العسكرية لكييف قد استنفدت المخزونات المحلية. وتضيف عودة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الضغوط وسط القلق بشأن اهتمامه بالسيطرة على جرينلاند، وربما تقليص عدد الجنود الأمريكيين في أوروبا، وتقليص الدعم لأوكرانيا. دعا المستشار الألماني إلى قدر أكبر من العزيمة وتخفيف الإجراءات البيروقراطية لتعزيز قدراته الدفاعية. وقال شولتس قبيل انعقاد القمة "يجب تحرير الشركات من جميع القواعد القانونية التي تؤثر على تعاونها... يجب أن تكون الدول قادرة على الدخول في عمليات الشراء الخاصة بدول أخرى دون إجراءات شراء جديدة". من جانبه، قال الرئيس ماكرون إنه يفضل إعطاء بنك الاستثمار الأوروبي دورا أكبر في تمويل مشاريع الدفاع وأكد على أهمية شراء الأسلحة الأوروبية الصنع. وركز اجتماع بروكسل على تقييم التحديات ومن غير المتوقع اتخاذ قرارات شاملة قبل شهر يونيو المقبل. ودعت الممثلة العليا للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كايا كالاس إلى إقامة علاقات أوثق مع المملكة المتحدة، مؤكدة على التعاون الدفاعي باعتباره الخطوة المنطقية التالية في العلاقات مع عضو الاتحاد السابق. ويرى بعض أعضاء الاتحاد أن التعاون مع المملكة المتحدة في مجال الدفاع يمثل مشكلة، وخاصة أن فرنسا تعرقل المفاوضات. الاتحاد يسعى لتعزيز الإنفاق العسكري وتأمين الحدود الشرقية