تروي كتب التراث أن ثريا فقد كل ثروته، فذهب إلى صديق لوالده، وطرق بابه، وعندما رأى صاحب المنزل حال صاحبه من وراء الستارة، وملابسه الرثة، قال لخادمه اعتذر منه، فلا أريد مقابلته، فغضب الرجل من هذا التعامل الفظ، وولى مدبرا، وبينما هو يمشي، صادفه ثلاثة رجال، وذكروا له أن والده سلمهم قطع مرجان نفيسة، وأنهم يعيدونها الآن، وسلموه الجواهر، ففرح الرجل، ولكن من سيشتري هذه الجواهر، وبينما هو في منزله، جاءته عجوز، واشترت منه بعض القطع، ووعدته بأنها ستشتري منه البقية على مراحل مستقبلا، فعاد الرجل ثريا، ثم أرسل إلى صديق والده الذي طرده من منزله بيتا من الشعر، على سبيل العتب: «صحبت قوماً لئاما لا وفاء لهم.. يدعون بين الورى بالمكر والحيل». فرد عليه صاحبه الثري: «أما الثلاثة قد وافوك من قِبَلي.. ولم تكن سببا إلا من الحيل.. أما من ابتاعت المرجان والدتي.. وأنت أنت أخي بل منتهى أملي.. وما طردناك من بخل ومن قلل.. لكن عليك خشينا وقفة الخجل!». هكذا هم الكبار، يعملون بصمت، ويدعون أعمالهم تتحدث عن نفسها، ولا يعنيهم ما يقال، ومهما تمت محاولات ابتزازهم، فهم لا يستثارون بسهولة، وقد تذكرت القصة الآنفة، وأنا أتابع الهجوم الإعلامي من بعض المنتفعين على المملكة، والمحاولات المستميتة من هؤلاء لتجريدها من تاريخها الطويل، والمشرف في خدمة أهلنا في فلسطينالمحتلة، فهناك من يحاول أن ينسب الفضل إلى غير أهله، وعقلاء أهلنا في فلسطين، وهم الكثرة الغالبة، يعلمون الجهود العظيمة، والتي قامت بها المملكة، منذ نكبة فلسطين، وأنا هنا لا أتحدث عن الدعم المالي وحسب، بل عن تسخير المملكة لثقلها الإقليمي والدولي لخدمة القضية، وقد عانت المملكة كثيرا بسبب مواقفها القوية، والإيجابية، بل إن علاقاتها الدولية مع القوى الكبرى كادت أن تتأزم - عدة مرات - بسبب القضية الفلسطينية، ولا زالت المملكة على عهدها، وستظل إلى أن يحل الأمن، والسلام على أهلنا في فلسطين. هذه الأيام، تضرب إسرائيل غزة، وتقتل النساء والأطفال، وكالعادة، تعمل المملكة بصمت، وتستغل ثقلها العالمي لإيقاف هذه المذبحة، والضغط من أجل سلام دائم، وشامل في هذه المنطقة الملتهبة من العالم، ولا يهمها ما يردده أهل الأهواء من بياعي الكلام في مزادات السياسة الرخيصة، ولا ما يبثه الإعلام المأجور هنا أو هناك، ولا يمكن لها أن تضيع وقتا في تفنيد هذا، أو ذاك، فكل جهودها تنصب في إيقاف الهجوم الإسرائيلي على أهلنا المستضعفين في غزة، والبحث عن مخرج دائم، يضمن لهم الأمن مستقبلا، ولنتذكر دوما أن من يحبك بصدق ليس من يمن عليك بذلك، أو يرفع عقيرته بالحديث المعسول، والمخدر، بل هو من يدع أعماله تتحدث عن صدق نواياه، حتى ولو لم تعلم أنت عن ذلك، فالعلاقات الدولية مثل علاقات الأفراد، وعلاقة المملكة بفلسطين الجريحة مثل علاقة ثري المرجان بصاحبه، فهل نفهم؟!.