تحرص بعض العائلات السعودية على أن يرتدي السائقون المنزليون الخاصون بها الزيَّ السعودي، وسبب ذلك هو أن الزي السعودي صار يمثل حماية للأسرة السعودية من المتطفلين الذين يضايقون العائلات ويمارسون أعمالاً تتنافى مع الذوق والأخلاق، فضلاً عن كونها تتنافى مع القيم الدينية والعادات المحافظة التي توارثتها الأجيال في مجتمعاتنا المحلية عبر هذه الجزيرة العربية. والفكرة تقوم على فرضية أن هؤلاء المتطفلين يتراجعون عندما يرون الزي السعودي معتقدين أن قائد السيارة هو رب الأسرة وليس سائقاً وافداً من الجنسية الفلبينية أو الأندونيسية أو السيرلانكية أو الهندية أو غيرها من الدول الآسيوية! ومن المؤسف أن هذه الفرضية صحيحة إلى حدٍ كبير! فما أن يرتدي السائق الأجنبي الزي السعودي حتى تخف المضايقات التي تتعرض لها النساء والعائلات داخل السيارات التي يقودها هؤلاء السائقون، فكأنما يحترم بعضُنا قطعة القماش التي يرتديها الإنسان أكثر مما يحترم الإنسان نفسه! لاشك أن هذا الأمر يكشف لنا عن حقيقتين مؤسفتين. الحقيقة الأولى هي أن البعض منا ينظر إلى الآخرين، وخصوصاً العمالة الوافدة البسيطة، نظرة عنصرية. هذا البعض لا يقيم وزناً لهذه العمالة ويتصرف معها بطريقة متعالية إلى درجة أنه يتجرأ على مضايقة العائلات التي تركب سيارات تقودها تلك العمالة. هو يتصرف معهم كما لو أنهم ليسوا من فصيلة البشر، ولو حاول السائق الوافد أن يتصدى لهؤلاء المتطفلين فسوف يتعرض للاعتداء الذي قد يصل حد الضرب أو ما هو أسوأ من ذلك! أما الحقيقة المؤسفة الثانية فهي أن هذا السلوك يعكس جهلاً مطبقاً بالمجتمعات الأخرى، وخصوصاً الآسيوية التي تُصدر لنا العمالة البسيطة. فبعضنا يحكم على الهند، مثلاً، من خلال عمال النظافة الهنود وهو لا يعلم أن الهند دولة نووية صناعية ذات تنوع ثقافي وتاريخ حضاري واقتصاد يتنامى بمعدلات مدهشة! كما أن العلماء والاختصاصيين الهنود أصبحوا عملة نادرة ترحب بهم الدول الصناعية المتقدمة مثل الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوروبي للعمل في جامعاتها ومستشفياتها وشركاتها ومعاملها العلمية وتمنحهم جنسياتها الوطنية بكل ترحاب وكرم! وما يحزن أكثر من ذلك كله هو سوء الأخلاق الذي يعبر عن نفسه من خلال ممارسات مخزية يرتكبها بعض الشباب بحق العائلات السعودية وغير السعودية وكأن هؤلاء الشباب نبتٌ شيطاني منبثق من المجهول ولا ينتمي لعائلة أو يحس بمشاعر الإنسان الذي يمكن أن تتعرض أسرته إلى المضايقة فيشعر بالغيرة والحمية. كل هذا، بالطبع، نتيجة حتمية للتشوهات الاجتماعية التي ضربت مجتمعنا منذ منتصف السبعينات الميلادية من القرن الماضي ولا زلنا عاجزين عن عمل شيء مفيد لمواجهتها حتى الآن، بل أنها بكل أسف تتزايد بمضي الوقت!