تتصرف إيران كما لو أن مُلْكيَّة «مضيق هرمز» على الخليج العربي تعود لها وحدها من دون العالمين متناسية أن هذا المضيق هو شريان دولي حيوي تعبره ناقلات النفط المتجهة إلى «كل» دول العالم بما تحمله من النفط الذي يعتمد عليه اقتصاد العالم.. كل العالم! مضيق هرمز ليس حيوياً فقط للدول الخليجية المصدرة للنفط، بما في ذلك العراق، وليس حيوياً فقط للدول المستوردة للنفط الخليجي، وإنما أيضا لكل دول العالم. ففي عالم اليوم، حيث يتشابك الاقتصاد العالمي ببعضه البعض، تتجاوز تأثيراتُ الأحداث الدوائرَ المحدودة المرتبطة جغرافياً بأماكن وقوع تلك الأحداث لتصل إلى كل بقعة في العالم. فما تستهلكه دولةٌ ما في آسيا أو أفريقيا، على سبيل المثال، من الغذاء قد يكون من إنتاج دولة في أمريكا اللاتينية أو الصين أو أوروبا، والعكس صحيح أيضا، وهذا يعني أن معيشة الناس في العالم ومصادر دخلهم وحالة البطالة والتشغيل مترابطة ومتداخلة عبر القارات والدول ومتجاوزة للحدود الجغرافية التقليدية. ولهذا، فعندما تأتي إيران وتهدد بأنها سوف تقوم بإغلاق مضيق هرمز عندما تريد هي ذلك، فهي بمثل هذه التصريحات الاستفزازية تستعدي كل العالم وليس فقط الدول الخليجية المصدرة للنفط أو الدول المستوردة له؛ فقرار إغلاق مضيق هرمز هو قرار بإشعال حريق كبير في قلب الاقتصاد العالمي. ولأنه بهذه الخطورة، لن يسمح العالم لإيران أن تُقْدِم على هذه الحماقة دون عقاب مرير، ولو تجرأت وفعلت ذلك فهي تكون قد قررت في نفس الوقت أن تنتحر بعد أن تكون قد تجاوزت كل الحدود. لا أتصور أن إيران يمكن أن تنفذ هذا التهديد فهي تعرف تداعياته، ومع ذلك لابد أن تأخذ دول مجلس التعاون الخليجي جميع الاحتياطات الممكنة لمواجهة مثل هذا السيناريو. والأهم من ذلك أن لا يكون هاجسها هو حادثة معينة قد تحدث أو لا تحدث وإنما يجب أن تتعامل مع «الحالة الإيرانية» من منظور استراتيجي يتجاوز المدى القصير ويمتد إلى الأفق الأبعد. فمنذ احتلال الجزر الإماراتية «طنب الصغرى» و»طنب الكبرى» و»أبو موسى»، أيام الشاه، بل حتى قبل ذلك، ثم التصعيدات المتلاحقة بعد قيام الثورة، وحالة المد والجزر مع إيران لا تنتهي، فنحن لا ننتهي من أزمة إلا وندخل في أزمة جديدة. ولعل واحدة من الخطوات الإستراتيجية المطلوبة هي البت في موضوع إقامة أنابيب لنقل النفط الخليجي عبر بحر العرب لكي لا يكون هذا النفط رهينة للتهديدات الإيرانية الحقيقية أو الاستعراضية باستخدام ورقة «مضيق هرمز». ويمكن أن يكون النموذج السعودي مثالاً يحتذى في هذا المجال حيث صارت المملكة قادرة على تصدير نفطها من موانئها على البحر الأحمر بدلاً من الاعتماد الكلي على موانئها الخليجية. ومثل ذلك ما فعلته مؤخراً دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال تنفيذ مشروعها لنقل النفط من «حبشان» في إمارة أبوظبي إلى إمارة الفجيرة على خليج عُمان متجاوزةً بذلك مضيق هرمز. علينا أن نتعامل مع الصداع الإيراني المزمن من خلال نظرة إستراتيجية خليجية بعيدة المدى، فهذا الصداع هو صداع قديم أقدم بكثير من النظام الحالي في إيران. [email protected] ص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض