تفرض التهديدات الإيرانية المتتالية بإغلاق مضيق هرمز، والتي تزايدت حدتها أخيراً بعد تطبيق الاتحاد الأوروبي قرار العقوبات على إيران وحظر استيراد النفط منها، هاجسا يؤرق الدول الخليجية أمنياً واقتصادياً، غير أن أي إغلاق محتمل يعد "استعداء للعالم أجمع" ويضع إيران في مواجهة مصيرية مع العالم، إذ تكتسب هذه المنطقة أهمية بالغة، لأن تعطيل المضيق سيعطل التجارة الدولية وحركة النفط العالمية، لا سيما أن نحو 80% من نفط الخليج يمر عبره إلى العالم. وعلى الرغم من أن كل أجهزة الاستخبارات العالمية تجمع على أن البيان الإيراني إعلامي، وأن المتضرر الأكبر من إغلاق مضيق هرمز هو إيران نفسها، إلا أن رئيس هيئة الأركان المشتركة الإيرانية حسن فيروز آبادي قال قبل أيام، إن تحذيرات إيران بأنها قد تغلق مضيق هرمز الاستراتيجي الممر الوحيد من الخليج "ليس مجرد تهديد دون تنفيذ"، مضيفاً في تصريح إلى وكالة أنباء فارس الإيرانية: "ربما يعتقد الغرب أننا نهدد فقط دون تنفيذ بإغلاق المضيق، ولكننا لدينا بالفعل بعض الخطط الجيدة لكيفية فعل ذلك". وفي الوقت الذي استبعد فيه خبراء اقتصاديون تحدثوا ل "الوطن"، إغلاق المضيق الذي لا يزيد عرضه عن 54 كيلومترا، ويشرف عليه من الجانب الغربي دولتان خليجيتان، هما الإمارات وعمان، ومن الجانب الشرقي إيران بعد احتلال إمارة لينجا العربية في أوائل القرن التاسع عشر، اتفقوا على أن إغلاق المضيق إن حصل فلن يتجاوز ال20 يوما، مؤكدين أن دولاً مثل الصين ودول شرق آسيا لن تصمت على مثل هذا الفعل، إذا عمدت إيران إلى إغلاقه، بغض النظر عن أميركا ومصالحها وحلف شمال الأطلسي. تأثيرات الإغلاق ويرى خبير النفط الكويتي حجاج بوخضور، أن التصريحات الإيرانية لا تعدو كونها وسيلة إعلامية لتنفيذ أجندة سياسية، إذ تستغل حساسية المضيق للضغط على سوق النفط والتأثير على استقراره، في محاولة منها لكسر الحظر الذي طبقته الدول الغربية عليها، مضيفاً أنها تلعب بهذه الورقة أي "التهديد بإغلاق مضيق هرمز"، على ما يجري من أحداث في سورية بهدف عدم إشراك إيران في أي مفاوضات في هذا الشأن. وأكد بوخضور أن ليس من مصلحة إيران ولا الشعب الإيراني إغلاق هرمز، لأنها هي من سيتأثر بهذا الإغلاق أكثر من أي دولة خليجية أو أي دولة أخرى بالعالم، مضيفاً أن الدول التي ستتأثر من جراء الإغلاق بعد إيران نفسها، هي اليابان والصين، إذ تعتمد اليابان في 90% من احتياجاتها النفطية على دول الخليج، بينما تعتمد الصين في 50% من احتياجاتها النفطية على الدول الخليجية أيضاً. وأضاف بوخضور: "بالتالي إغلاق هذا المضيق سيضر بالصين واليابان وينعكس على كوريا وشرق آسيا، كما ستضر أكثر الدول دعماً لإيران وهي الصين التي دعمتها في كثير من مواقفها السياسية، وهنا المفارقات إذ ستكون الولاياتالمتحدة الأميركية مستفيدة من إغلاق هرمز باعتبار إن إغلاقه سيتسبب في ارتفاع الأسعار، هو يخدم السياسات النقدية الأميركية ويخدم أيضا معالجة العجز في ميزانها التجاري، لأن ذلك يضغط على شركائها في الاتحاد الأوروبي، علماً أن حاجة أميركا من نفط الخليج لا تتجاوز ال10%". وقال بوخضور إن التهديدات الإيرانية لا تخدم إيران بل تخدم من تدعي إيران أنهم أعداؤها وتضر حلفاءها، مبيناً أن التصريحات الإيرانية بإغلاق المضيق لن تجدي نفعاً لا اقتصاديا ولا سياسيا، بل يعد تهورا بالغ الحماقة، ومحاولة لكسب الداخل الإيراني وسيطرته عليهم عاطفيا. محاولة لرفع النفط من جهته، اعتبر الدكتور راشد أبا نمي، أن التصريحات الإيرانية بإغلاق المضيق محاولة لرفع أسعار النفط، مستبعداً تطبيقها، مضيفاً أن الدول الغربية ليس لديها مشكلة في شراء النفط الإيراني بأسعار قليلة، لذلك يوجد من يساعد إيران لبيع نفطها في السوق السوداء، مما يعني الضغط على الأسعار لكي ينخفض المردود الاقتصادي على إيران. وأضاف أن تلويح إيران بإغلاق المضيق من شأنه ارتفاع أسعار النفط، وإحداث حالة من الاستنفار في منطقة الخليج مما يضغط على شركات التأمين لرفع الأسعار وجعل المنطقة غير مستقرة، مما يسبب أيضاً هلع أصحاب الناقلات، ومن هنا ترتفع الأسعار في التأمين والنقل. وهنا أكد عضو جمعية الاقتصاد السعودي عبدالحميد العمري أن التصريحات الإيرانية من شأنها إحداث ربكة وتوتر في الأسعار، وإعطاء إشارات متضاربة في الأسواق العالمية، من الممكن رؤيتها في المدى القصير، في ظل وجود لاعب رئيس كالسعودية لتعويض أي نقص. وأشار العمري إلى ما تمر به إيران من أزمات في الداخل، وما يتعرض له الشعب الإيراني من مستويات عالية جداً من الفقر والبطالة، بغض النظر عن أن إيران من أكبر الاقتصادات في المنطقة، واقتصادها قائم على التصنيع وتنويع الإنتاج، وهو قادر على أن يلبي احتياجاته من الداخل، مؤكداً أن إغلاق مضيق هرمز سيوقع ضرراً كبيراً بالاقتصاد الإيراني، لأن الاقتصاد الإيراني ليس بالاقتصاد المنفتح. بدائل تصدير النفط الخليجي طبقاً للمعلومات المتوافرة، فإن مدخل قلب مضيق هرمز، عبارة عن خط بحري أقرب ما يكون إلى شبه جزيرة مسندم، وهي منطقة يتراوح العمق البحري فيها بين 200 و500 متر، فيما يقل العمق كلما تم الاتجاه شمالا في الخليج ويتناقص حتى يصل على السواحل الإيرانية إلى 25 مترا، وهذه المنطقة هي موقع القتال والمناورة، وبالذات للسفن الحربية الكبيرة، التي عادة ما تتمركز الأميركية منها في خليج عمان والبحر العربي كونها مناطق عميقة. ويعبر المضيق ما بين 20 إلى 30 ناقلة نفط يوميا، بمعدل ناقلة كل 6 دقائق في ساعات الذروة، تحمل على متنها 17 مليون برميل نفط، وهذا ما دفعه ليكون من أهم المضايق حول العالم. وحول إغلاق المضيق، وبدائل الدول المنتجة لتصدير نفطها، قلل الدكتور راشد أبانمي خبير النفط السعودي من احتمالية إغلاق مضيق هرمز، مستدركاً: "وإذا أغلق سيكون من 10 إلى 20 يوماً فقط"، مشيراً إلى أن دولاً في الخليج مثل السعودية والإمارات تملك منافذ أخرى لتمرير نفطها إلى العالم، فالسعودية تملك خطوط أنابيب يمكنها استخدامها في حال الضرورة، الأول عبر العراق بطاقة استيعابية تصل إلى 1.6 مليون برميل، والثاني المتمثل في خط "بترولاين" في الجبيل التي تصل طاقته إلى 2.5 مليون برميل، أما الأخير الذي طالب أبانمي بإعادة تأهيله فهو "التاب لاين" الذي يمر عبر الجزيرة العربية وصولا إلى البحر المتوسط، وتبلغ طاقته 500 ألف برميل. وقال أبانمي إنه في حال الضرورة، من الممكن استخدام مادة كيميائية لتسريع تدفق النفط إلى الضعف، بحيث تصل طاقة خطوط الأنابيب إلى 8 ملايين برميل يومياً، مشيراً إلى أن ذلك مكلف، ولكن من الممكن استخدامه في حالة الطوارئ، لتصدير النفط إلى الدول الغربية، مشيراً إلى أن الخزن الاستراتيجي في اليابان والمخصص لدول آسيا تستطيع السعودية من خلاله تمويل دول شرق آسيا من النفط لمدة شهر. وفي ما يتعلق بالجانب الإماراتي، قال أبانمي إن الإمارات دشنت خط أنابيب بطاقة إنتاجية تبلغ 1.7 مليون برميل يومياً، وتستطيع من خلال مادة كيمائية مضاعفة الإنتاج في حال الضرورة، مبيناً أن المملكة والإمارات ودول الخليج قادرة نوعاً ما على المدى القريب تجاوز إغلاق مضيق هرمز. وأكد أبانمي أن أي إغلاق للمضيق تقوم به إيران يعد حدثا خطيرا، ويجعلها في حرب مع العالم، الأمر الذي يعد خطراً على الدولة ذاتها. ويتفق حجاج بوخضور الخبير النفطي الكويتي مع ما ذهب إليه أبانمي، في أن إيران لن تستطيع إغلاق مضيق هرمز لفترة طويلة، إذ قال بأن الإغلاق لن يدوم أكثر من 10 أيام، واصفاً إياها بالفترة الزمنية البسيطة التي تستطيع فيها الدول المستهلكة للنفط الاستفادة من قدرتها التخزينية التي تصل إلى 80 يوماً في بعض الدول مثل أميركا، و60 يوماً في الصين، مشيراً إلى أن الإغلاق سيقتصر تأثيره على العاملين في السوق مما يرفع الأسعار إلى ضعف ما هي عليه الآن. وفي ما يتعلق بلجوء الدول الخليجية إلى تصدير النفط عبر المنافذ الأخرى المتمثلة في خطوط الأنابيب، قال بوخضور إن المملكة تعتمد بالدرجة الأولى في صادراتها على ميناء رأس تنورة الذي يطل على الخليج العربي، وأن طبيعة المواني في شرق المملكة لا تستطيع أن تستوعب حجم صادرات المملكة التي تقدر بأكثر من 10 ملايين برميل يوميا، وكذلك الإمارات التي لديها أنبوب نفط من أبوظبي إلى الفجيرة، مبيناً أن ذلك لن يعوض حتى 25% من حجم الصادرات التي تمر عبر مضيق هرمز والتي تشكل أكثر من 20% من حجم التجارة النفطية البحرية. أما عضو جمعية الاقتصاد السعودية عبدالحميد العمري، فيرى أن مجرد الحديث عن إغلاق مضيق هرمز، وحتى إن لم يحدث يجعل الممر غير آمن، وهو الأمر الذي يفرض على دول الخليج ومن بينها السعودية إيجاد بدائل، من خلال تصدير النفط عبر منافذ أخرى مثل البحر الأحمر، والذي من شأنه تخفيف حدة الأمور، مضيفاً أن المملكة قادرة على توفير البدائل لتصدير النفط وتلبية احتياجات السوق العالمي، معتبرا أن إيران تسعى من خلال تصريحاتها بإغلاق المضيق إلى إلغاء العقوبات عليها وإكمال مشاريعها النووية. حظر النفط الإيراني وعن قرار حظر استيراد النفط الإيراني مطلع الشهر الماضي، قال أبانمي إن الحظر على النفط الإيراني كان شاملا وعاما، وبحكم أن النفط سلعة ضرورية لبعض الدول كان هناك نوع من السماح لبعض الدول بالاستيراد وتم السماح لبعض الدول، لأن الحظر تم من جانب الدول الأوروبية وأميركا بداية، وطالبت الدول الغربية من الجميع، بأن لا يتعاملوا مع البنك المركزي الإيراني بحكم قوة اليورو والدولار وسيطرتهما على النظام المالي الدولي. وأضاف أبانمي: "وبسب هذه السيطرة إلى جانب سيطرة هذه الدول أيضاً على النقل والتأمين العالمي، رضخت بعض الدول لمطالب أميركا وأوروبا بمقاطعة النفط الإيراني على الرغم من أن المقاطعة كانت تعني لبعض هذه الدول مسألة حياة أو موت، إذ كانوا عملاء منذ 30 و40 سنة، ومعتادين على الاستيراد من المصافي الإيرانية، وهو ما جعل بعض الدول تطلب استثناءات من العقوبات الأميركية الأوروبية وبالفعل تمت الموافقة، فأصبح 50% من النفط الإيراني نظاميا وقانونيا، و50% مقاطعا ومحظورا". مواجهة السيناريوهات وقال أبانمي إن انعكاسات حظر استيراد النفط الإيراني بدأ تأثيره شبه معدوم على الأسعار، مؤكداً أن دول أوبك قادرة على تعويض النفط الإيراني، ومستعدة لمواجهة أي سيناريو متوقع لإغلاق مضيق هرمز. أما حجاج بوخضور فقال إن إيران تعد الدولة الثانية في منظمة أوبك في كبر حجم الإنتاج بعد السعودية، وبهذه المكانة يصبح غياب نفطها عن السوق العالمي بسبب الحظر، ذا تأثير كبير جداً، إلا أن دول أوبك أخذت احتياطها في حال غياب النفط الإيراني ورفعت الإنتاج من 24.5 مليون برميل إلى 30 مليون برميل يومياً مع الاقتراب الأول من هذا العام، مضيفاً أن الصادرات النفطية في حينها كانت تقارب 3 ملايين برميل يوميا والزيادة تجاوزت 5.5 ملايين برميل، وهذه الزيادة استوعبت مسبقاً العقوبات الاقتصادية وذلك النقص الذي من الممكن أن ينجم من تطبيق هذه العقوبات الاقتصادية على النفط الإيراني. وأضاف بوخضور: "هذه العقوبات التي بدأت مطلع الشهر الماضي باستثناء بعض الدول التي تستورد من إيران في هذه المرحلة وهذا الاستثناء محدود وليس دائماً، إضافة إلى مصادفة تطبيق العقوبات بداية موسم الصيف وهو موسم يزداد الطلب على المحروقات، يؤدي إلى زيادة في الطلب وزيادة في السعر، تزامن تطبيقها مع الانتهاء من برامج معالجة أزمة الديون الأوروبية في إسبانيا وإيطاليا واليونان وغيرها في الاتحاد الأوروبي وضع خطة لهذه الأزمة لمعالجة هذه الأزمة. ويرى عبدالحميد العمري أن منظمة أوبك بقيادة المملكة كان لها دور كبير في سد النقص في السوق العالمي في كثير من الأزمات، في وقت تعمل فيه السعودية بشكل خاص على صنع الاستقرار في أسواق النفط، بلعبها دور المرجع أو المعادل في عملية استقرار السوق بين العرض والطلب، وهو الأمر الذي يخفف حدة غياب النفط الإيراني. تأثيرات الحظر على إيران ولفت بوخضور إلى أن التأثيرات الاقتصادية على إيران جراء حظر استيراد نفطها، كبيرة جداً، مبيناً أنها تتجه في مسارين الأول بشكل مباشر ويؤثر على حرمان إيران من النقد الأجنبي لأن إيران تعتمد بالدرجة الأولى على إيرادات العوائد النفطية، ومنع إيران من صادراتها النفطية يحرمها من النقد الأجنبي ويؤثر على اقتصادها المحلي ويتسبب في إحداث تضخم، أما المسار الثاني فلا يقل أهمية عن الأول بحسب بوخضور، ويتمثل في ارتفاع تكلفة الواردات الخارجية بسبب أنها لا تستطيع أن تمرر معاملاتها المالية مع أي بنوك أجنبية، مما يجعلها تلجا إلى السوق السوداء. ارتفاع أسعار النفط ورجح العمري ارتفاع أسعار النفط في حال تعرض مضيق هرمز لأي إغلاق، إلى مستويات عالية، مضيفاً أن توقعات الأسواق العالمية تشير إلى أن أسعار البترول في ارتفاع، ومن الممكن أن يصل إلى مستوى ال150 دولارا للبرميل، في حين ترجح تقارير أخرى وصول الأسعار إلى نطاق ال200 دولار للبرميل، مشيراً إلى أن الأوساط الاستراتيجية وخاصةً في أميركا تتحدث من غير أزمة "هرمز" على أن الأسعار مرشحه لأن تصل إلى ال 200 دولار للبرميل. وقال العمري إن الاقتصاد العالمي لن يستطيع تحمل الأسعار إذا تخطت حاجز ال120 دولارا للبرميل، واصفاً الاقتصاد العالمي بالهش في الوقت الحالي، وهو ما يدفع بدول مثل السعودية إلى السعي لاستقرار الأسعار الذي من شأنه استقرار الاقتصاد العالمي. كما رجح بوخضور ارتفاع أسعار النفط في حال تعرض المضيق لأي إغلاق، مشيراً إلى وجود عاملين متناقضين يتحكمان حالياً في أسعار البترول، الأول العامل الجيوسياسي المتمثل في التهديدات الإيرانية وملفها النووي، والآخر عامل الأزمة المالية العالمية، إذ من شأن الأول رفع الأسعار والآخر خفضها، مما جعل السوق تعيش حالة استقرار يشوبها نوع من التذبذب خلال الفترة الماضية، مضيفاً أن حل الأزمة الأوروبية والانتهاء منها مع بداية الشهر الماضي وتطبيق العقوبات على إيران دفع الأسعار للاتجاه إلى الارتفاع بينما كانت في انخفاض طوال الأشهر الماضية، حيث وصلت إلى مستويات جداً منخفضة حتى وصلت إلى دون ال80 دولارا للبرميل. وقال بوخضور إن "أوبك" مجتهدة في استقرار أسعار النفط وضمان إمدادات النفط لأن أي خلل في أداء أسواق النفط أو أي انخفاض غير مبرر من شأنه أن يؤثر على الاقتصاد العالمي وبالتالي ينعكس إلى كوارث اقتصادية تتبعها كوارث سياسيه وأمنية.