الأخلاق مدار العلاقات، والأداءات، والمحصلات، والمنجزات، والنتائج للمرء.., ومن ثم للجماعة فالمجتمعات، فالحياة كلها.. على أسسها نشأت قيم التعايش، وأسِّسَت دعامات السِّلْم، وبُنيت أواصر العمار.. تهدم وتبني، تقرب وتقصي..، تبركن الأحقاد، وتطلق لهب الحماقات.., بمثل ما تُدعم وتقوِّي... إنها الأخلاق، وإنها رسالة الأنبياء، ونهج سلوكهم، ومفاتيح نجاحهم، وأبواب تبليغهم: {وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}، وخاطبهم {بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}... وبدءا وانتهاء: {طه مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}، والقرآن العظيم كتاب الأخلاق، أخلاق المصطفين الأخيار، أمناء الرسالات السماوية، الموكل إليهم الإبلاغ، علمهم ربهم، وأدبهم، ورزقهم الأخلاق، ليس في التعامل مع الرب العظيم تذللا، وطاعة, والتجاء، ورجاء، وخوفا، وطمعا، وتقربا، واستجابة لما نهى، ولما أمر.. بل في التعامل مع خَلقه الأمناء على الأرض، وفي نشر السلام الروحي، والجسدي، والفكري..، فلقد علم الغراب كيف يواري سوءة المرء، فتألم الإنسان من غلظته في التعامل مع جثمان أخيه عند غيابة سلام الخلق في باطنه.. الأخلاق منظومة، لا يضعف صاحبها برفقته، ولينه, ولا يقوى فاقدها بغلظته، وفظاظته.. إذ كل أمر له مناطه الأخلاق، كل حركة وموقف، ومنطق، وفكرة، تمتزج بأخلاق المرء، كل ملمح فيه، وتعبير له, وسلوك عنه، إنما هو صورة لأخلاقه.. إنها تؤمن جوانب ذوي الأخلاق، ولا تؤمن جوانب المفرَّغين منها.. ومع أن جزء دواعيها استعداد الخصائص الذاتية للمرء، إلا أن كل الأخلاق تُكتسب بالتربية، والدُّربة، والقدوة، والتعليم، ومن ثم بالاجتهاد، ومجاهدة ضعف النفس.., ومقاومة أمارتها بالسوء.. وحين يسعى المرء لأن يكون ذا خلق، فإن الله تعالى يرزقه حسن الخلق، ويهديه إلى سبله،ووسائله،ويعينه على تمثله، وتطبيقه.. ومن ثم إشاعته.. ما بالنا اليوم نشهد تفريطا عاما في الأخلاق؟.. ليس على صعيد الأفراد وحدهم، كثرتهم، وقلّتهم, بل في الجماعات، في أشكال السلوك الخاص، والسلوك الفردي، والعقدي، والفكري.. فحياة الأمم كما ألمح الشاعر العربي هي أخلاقها: (إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا).. حقيقة ليس لأحد ابتكارها، وإنما الأخلاق رسالة الأديان, والعلم والفكر.. تبدأ بالفرد.., ولا تقف فقط عنده.. إنه ليس من عواهن القول بأن الأخلاق البشرية في مأزق، ذلك لأنها حقيقة فيه.., وهو يماثل كل مأزق تمر به البشرية في أوجه السائد، والمعادل له منها.. فالأخلاق الأخلاق.. لعل المربين، والمفكرين، والمعلمين, والمحاضن، تلتفت لأمرها، فإنها شأن عظيم.. ولعل لكل امرءٍ أن يبدأ ذاته في جهاد نفسه من أجلها.. فإن استزاد وإلا فليكتسب.. فاللهم ارزق خلقك أجمعين الخلق واهدهم إلى أحسنها.. وجنب خلقك سوء الخلق.. حتى يكونوا بردا وسلاما على الدنيا ومن فيها.., وتكون الدنيا على البشرية بردا، وسلاما، ودارا للعمل، والعطاء بلا انفضاض عن سواعد بعض.. عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855