هذا اليوم الخميس الأخير في شهر شعبان، يأتي القادم ونحن في الربع الأول من شهر رمضان المبارك، ورمضان – بما ليس جديداً عليكم - الذي هو لله تعالى بكل ما أتاحه الرب للمخلوق من فرص التطهير، والاستزادة، والتواضع له تعالى، والاجتهاد في طاعته، والحرص على الخلوص فيه للتقرب منه، إنما هو المحك، الذي يقف فيه المرء ليواجه نفسه، ويواجه أفعاله، بل ليفند تفاصيل العلاقة بينه وبين الحياة التي جعل فيها، ليعبد ربه لا لأمر أبعد من هذا قيمة.. ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم في أوقات الشدة نزاعا للدعاء، والتقرب، واللجوء إلى الله، ولا أحسب رمضانا مر بالأمة المسلمة وهي في أحلك مراحلها، وأشدها قسوة من هذا القادم بعد يوم.. كما لا أحسب أن حاجةًً للمسلمين في الدعاء، واللجوء إلى ربهم لرفع الكربات، وتنفيس الهموم، والأخذ بهم من ظلمات الغفلات، وتسلط الأقوياء، واختلاط الأوراق، ووهن العزائم أكثر من حاجتهم الراهنة المواكبة لهذه الفرصة الربانية المواتية للتقرب بالعبادة، وحسن النوايا في الطاعة، والامتثال لغايات رمضان، وفيه تتصفد الشياطين من الجن، مع أن شياطين الإنس في غيهم ينطلقون.. فانتهزوا مع التذلل بالطاعة، التقرب بالدعاء لمحن هذه الأمة، المتقاطرة المتكاثفة من عدو يتسلط عليها يفت في عضد تلاحمها، وينخر في جذور قيمها، ويصوب أسلحته نحو نحور فضيلتها، ويطمع في ثرواتها المادية والبشرية، ويصوب قذائفه نحو عقولها وعقيدتها، ويتمحور حول عناصرها البشرية باختلاف أدوارهم وأجناسهم، ويلف حبائل شراكه حول محاضنهم، وصدارة بيوتهم، نسائهم ورجالاهم وشبابهم ومفكريهم.. يثير فيهم النعرات، ويؤجج الطوائف، ويعزز الأحزاب، ويتسلل كالماء في بُناهم، يقوض جدرهم، ويسقط سقفهم، ويجعلهم في عراء من سُتُرهم التي تقيهم هبوب الضلال، ووعكات التردي.. وهم عزَّلٌ من وعي، يخضعون بوهن، وهشاشة، وتهافت مؤسف.. فرمضان هذا مفتوحة فيه الأبواب، فأقبلوا داعين أن يكشف الله عن أمة محمد بن عبدالله، صلى الله عليه وسلم، ما يحيق بها من الغمة، والضلالة، وأصابع المبيتين أمورا لها.. على أنني أدرك أن كثيرا سيجدون فيما أقول ما يثقل على نفوسهم، ويجعلونني في دائرة الوعاظ، وينسون أنه الخوف على كل عضو في جسد الكيان الواحد، فليت كل المفكرين والكتاب والعارفين يتجندون الآن لبعضهم.. ويرفعون مع كل لجوء لله أكفهم دعاء عريضا لمحن هذا الكيان.. -أمة الإسلام- ويشعلون أقلامهم نحو الروح والقلب والعقل في أفراده.. تلك مسؤولية الأقلام، فلتهدر محابرها لتعلو منابرها. عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855