الجزيرة - نواف المتعب - محمد آل داهم: تحل ذكرى البيعة السابعة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - لتقودنا إلى قراءة ما حققته المملكة اقتصادياً في عهده الزاهر من تطوُّر شمل مختلف القطاعات. ولم يأتِ هذا التطور من فراغ بل بفضل التوجيهات الحكيمة لخادم الحرمين، التي من خلالها أدت إلى أن تكون سياسة المملكة الاقتصادية مضرباً للمثل أمام كل من يبحث عن النجاحات. هذه الذكرى تسطع بتاريخ ناهض انطلق منذ تأسيس المملكة حتى وقتنا الحاضر؛ فعناية خادم الحرمين الشريفين ومتابعته المباشرة لعملية التنمية قادت إلى أن تتبوأ المملكة مكانة مرموقة على المستوى الدولي؛ ما أسهم في أن تتم دعوة المملكة لعضوية أغلب المنظمات العالمية الاقتصادية، وكان آخرها اختيار المملكة عضواً في مجموعة العشرين الاقتصادية (G20)، وهي دعوة تؤكد قدرة المملكة في صياغة نظام اقتصادي عالمي إلى جانب الاقتصادات العالمية للدول الأخرى. وفي جانب آخر نجد أن صندوق النقد الدولي دائماً ما يؤكد أن السياسة الاقتصادية الكلية المالية والنقدية التي اتبعتها المملكة خلال السنوات الماضية أسهمت في توفير الحيز المالي الملائم لاتخاذ إجراءات قوية في مواجهة آثار الأزمة المالية العالمية، وحافظت على متانة وسلامة القطاع المصرفي. أيضاً نجد أن قائد هذه الأمة - حفظه الله - في كل مناسبة يحث المسؤولين على الالتزام بتنفيذ كل ما يتم إقراره من مشاريع وقرارات في الوقت المحدد، وبالجودة الكاملة في الوقت نفسه؛ وذلك حرصاً منه - حفظه الله - على سعيه لاستمرار المملكة بالنهج التنموي وصولاً لتنمية شاملة ومستدامة. فالاقتصاد السعودي يشهد نمواً كبيراً نتيجة الخطوات والإصلاحات الاقتصادية التي انتهجتها القيادة الحكيمة، والتي أثمرت بفوائد عديدة على الاقتصاد السعودي بشكل عام. ومن هذه الفوائد دخول شركات أجنبية للاستثمار، سواء عن طريق الاستثمار المباشر أو بالشراكة مع مستثمر محلي؛ حيث أسهم هذا الأمر في ضخ سيولة كبيرة في الأسواق. ومن جهة أخرى نجد أن سياسة المملكة الاقتصادية بدأت خلال السنوات الخمس الأخيرة فتح قنوات ذات رافد اقتصادي متنوع غير النفط؛ وذلك لتحقيق عوائد كبيرة للدولة، وتأتي المدن الاقتصادية أحد أوجه هذه القنوات؛ حيث تم اعتماد مدن اقتصادية عدة بتكلفة فاقت 60 مليار ريال، وذلك بحسب ما أعلنته الهيئة العامة للاستثمار، التي أوضحت أن هذه المدن هي إحدى الآليات العملية لتنفيذ أهدافالخطط والاستراتيجيات فيما يتعلق بتحسين الاستثمار في المملكة؛ حيث أطلقت مشاريع المدن الاقتصادية المتكاملة. وأشارت إلى أن من أبرز أهداف هذه المدن الارتقاء بتوازن الاقتصاد الإقليمي، وتحقيق التنوع الاقتصادي، واستحداث الوظائف، وزيادة التنافسية. وقالت الهيئة إنها تملك الرؤية المستقبلية للمدن الاقتصادية؛ حيث ينتج من الاستثمارات المنتظرة في هذه المدن توفير ما يزيد على مليون وظيفة، وبحلول عام 2020 يكون تعداد السكان في هذه المدن بين 4 و5 ملايين نسمة. ولكي تتوافر الخدمات الضرورية المتعددة لهذه المجتمعات العريضة يتطلب الأمر استثمارات ضخمة من القطاع الخاص، والاستخدام الكامل لإمكاناتهم التجارية والصناعية؛ ما سيتيح مجالاً أكبر لفرص الاستثمار. وتعتمد الرؤية المستقبلية بعد تشغيل هذه المدن العملاقة على قيام صناعات اقتصادية جديدة وقوية، وهي (الألمنيوم، الحديد والصلب والأسمدة والكيمياويات التقليدية وغير التقليدية)، التي من المؤمل أن تضيف للناتج المحلي الإجمالي 34 مليار دولار، وتستقطب استثمارات بنحو 85 مليار دولار، كما أن هذه المدن ستسهم في توطين الاستثمارات وتفعيل دور القطاع الخاص في تحقيق التنمية، إضافة إلى توفير الفرص الوظيفية الملائمة للمواطنين وتدريبهم وتأهيلهم. ومن جهة أخرى نجد أن الميزانية العامة للدولة (ميزانية الخير) تظهر لنا عاماً بعد عاماً ارتفاعات، تنمّ عن حسن السياسة التي تقاد بها هذه البلاد تحت يد خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - التي مع كل عام توجه بأن يكون النصيب الأكبر منها لإنشاء عدد من المشاريع التنموية والحيوية التي تخدم الوطن والمواطن ورفع رؤوس أموال صناديق التنمية، كما يتم تعزيز احتياطيات الدولة، ودعم صندوق الاستثمارات العامة. فميزانية هذا العام تؤكد تسارع عجلة التنمية الاقتصادية في عهد خادم الحرمين - حفظه الله - التي تواصل مسيرة الإنجازات الاقتصادية التي تمثلت في زيادة معدلات النمو الاقتصادي عن العام الماضي، إضافة إلى زيادة مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي، واحتلال المملكة المرتبة الحادية عشرة عالمياً في تنافسية الاستثمار، وكل ذلك يؤكد تطور مسيرة التنمية في البلاد؛ حيث أصبحت الميزانية الأضخم بحجم إنفاق قياسي، يبلغ 580 مليار ريال، وذلك بالرغم من الظروف الاقتصادية العالمية؛ ما يؤكد العزم على الاستمرار في برامج التنمية. وقد أشار نائب رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية في الرياض المهندس سعد بن إبراهيم المعجل أن حلول ذكرى البيعة لخادم الحرمين الشريفين حفظه الله هي مناسبة عزيزة على قلب كل مواطن سعودي، ولحظة نجدد فيها الولاء والبيعة لقائد المسيرة الذي وهب فكره وجهده وعطاءه من أجل إعلاء شأن الوطن والنهوض به وإعزازه. مضيفاً بأن خادم الحرمين الشريفين مضى يعبئ طاقات الوطن وقدراته من أجل استثمارها لخدمة الأجيال وإعلاء بنيان النهضة الحضارية، ففي الوقت الذي نجد فيه أن أغلب دول العالم مرت بأزمة مالية أسهمت في تأخر مشاريعها ودخولها في نفق لم تعد تسطيع فيه أن تدير اقتصاداتها بالشكل الصحيح، نجد أن السياسة الحكيمة لخادم الحرمين ساهمت في أن تحافظ المملكة على مكتسباتها الاقتصادية واستمرار مشاريع الخير التي يتم إعلانها عبر كل ميزانية؛ وذلك للمحافظة على اعتلاء المملكة موقع الصدارة من خلال بناء المشاريع وتحقيق المنجزات. إلى ذلك نجد أن التصنيفات الائتمانية التي تُعلن من جهات عالمية تبرهن على المتانة والقوة اللتين يعيشهما اقتصاد المملكة، بالرغم من الأزمة العالمية واضطراب اقتصاديات الدول، إلا أن المملكة حافظت على تصنيفها الائتماني السيادي عند (AA-) لمديونية العملتين المحلية والأجنبية طويلة المدى، بنظرة مستقبلية مستقرة، وهو ما تم إعلانه مؤخراً من منح المملكة التصنيف (AA-) عبر تصنيف فيتش العالمي الذي يقدم اعترافاً بمتانة الاقتصاد السعودي. وقد أشار الاقتصادي ناصر القرعاوي إلى أن تصنيف (AA-) الأخير يمثل اعترافًا بمتانة الاقتصاد في ظل الاضطرابات والتقلبات العالمية خلال السنوات الخمس الأخيرة. مشيراً إلى أن المملكة تُعدُّ أكبر المانحين للمؤسسات الدولية؛ حيث تُعدُّ في المركز الأول عالميًا من حيث نسبة الإعانة للجهات الخارجية، وفي الوقت نفسه تتمتع بملاءة مالية كبيرة ظهرت جليًا في المشاريع العملاقة. مؤكداً أن التاريخ يشهد أن المملكة لم تقم على مرّ الأزمان بالتسبب في ظهور أزمة عالمية، وخصوصًا في ناحية الأسعار، بل على العكس تحرص دائمًا وأبدًا على المساعدة في الحد والقضاء على بوادر أي أزمة عالمية، ومن ذلك الدور الكبير الذي تلعبه في مجال النفط والطاقة؛ ما أدى إلى حصولها على ثقة كبيرة من الناحية الدولية؛ الأمر الذي عزز من النظرة الإيجابية للمملكة، وخلق ثقة وتطمينات داخلية للسوق، وظهر ذلك جليًا في عودة رأس المال المهاجر وضخه داخل السوق، وتحديدًا سوق المال الذي بدأ ينتعش. وأضاف القرعاوي بأن الأمان الاقتصادي والملاءة المالية وثقة الاقتصاد أسهمت في هذا التميز على الصعيد الدولي، الذي سيواكَب - بإذن الله -باستراتيجية اقتصادية على المدى البعيد، ستحافظ على المكتسبات القائمة للأجيال؛ لأننا مطالبون بالتخطيط المثالي من خلال تنويع قنوات الاستثمار، سواء للأفراد أو للدولة في الداخل. من جهته رأى الاقتصادي محمد الضحيان أن حصول المملكة على تصنيف ائتماني مرتفع مؤشر واضح إلى ما يتمتع به الاقتصاد من قوة في ظل أزمات الأسواق العالمية؛ فالتصنيف لا يقف تأثيره الإيجابي على الدولة، وإنما يتجاوز ذلك إلى تداعيات إيجابية على المؤسسات المالية والشركات الكبيرة. مشدداً على أن المملكة تحظى بميزة كبيرة، هي امتلاكها حجم أصول سائلة كبيرة تمثل أضعاف أحجام القروض التي قد تطلبها الدولة مستقبلاً. مشيراً إلى أن الإدارة المثالية التي انتهجتها المصارف في توجيه السيولة للداخل أدت إلى تجنبها الدخول في أزمات، وتحديدًا الديون، وهو الوضع الذي عانته المؤسسات المالية في أغلب دول العالم مؤخرًا. وقد أشار مدير هيئة المحاسبة والمراجعة الخليجية الدكتور محمد آل عباس إلى أن الحصول على تصنيف AA- أمرٌ سيطمئن رأس المال الأجنبي بالدخول في السوق السعودي؛ الأمر الذي سيُحدث نقلة اقتصادية جديدة في الداخل بسبب قنوات الاستثمار المتاحة في سوق المال أو شراء السندات والمشاريع المباشرة برؤوس أموال أجنبية أو المشاريع المشتركة والثقة التي ستبث في نفوس المتعاملين في شتّى قنوات الاستثمار داخل المملكة. من جانب آخر نجد في هذا العهد الزاهر، وبناءً على المكتسبات الاقتصادية السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين، تمكنت المملكة من الانضمام إلى مجموعة العشرين الاقتصادية، الذي وصفه العديد من الاقتصاديين الدوليين بأنه يشكِّل إضافة إلى المجموعة؛ وذلك نظراً لما تتمتع به المملكة من حنكة كبيرة في إدارة الملف الاقتصادي، الذي ظهر جلياً في تحسين بيئة الأعمال وإطلاق برنامج شامل لحل الصعوبات التي تواجه الاستثمارات؛ ما خوَّلها للحصول على تصنيف في تقرير أداء الأعمال الذي يصدره البنك الدولي، بتصنيف السعودية بوصفها أفضل بيئة استثمارية في العالم العربي والشرق الأوسط في المركز ال13 من أصل 183 دولة، ضمن برنامج تقوم عليه الهيئة العامة للاستثمار أطلقت عليه 10 في 10. كما نجد أن السوق السعودي شهد تدفقاً في الاستثمار حيث حققت المملكة المرتبة الثامنة بين دول العالم في جذب الاستثمار الأجنبي، والوصول إلى المرتبة ال 12 في قيمة الصادرات العالمية والمرتبة ال 16 في الواردات، كما حققت المملكة المرتبة ال18 في قيمة الناتج المحلي الإجمالي. وجميع هذه الإيجابيات أسهمت في الانضمام إلى مجموعة العشرين. وأشار رئيس مجموعة المشروعات الوطنية الأستاذ مسلط العجرفي إلى أن المملكة بانضمامها إلى مجموعة العشرين باتت عضواً أساسياً في لعب دور بارز في استقرار النظام المالي العالمي، كما أن المتابع للوضع الاقتصادي للمملكة يجد أنها تمضي قُدماً في تحفيز النشاط الاقتصادي من أجل تنويع مصادر الدخل. مضيفاً بأن المملكة في هذا العهد الزاهر دأبت على العمل في تثبيت الأساسيات الاقتصادية؛ لتحافظ على المكتسبات تحسباً لأي أزمة قد يمر بها العالم من جديد، وفي الوقت نفسه نجد أن خادم الحرمين - حفظه الله - دائماً وأبداً ما يوجِّه المسؤولين المعنيين بإنجاز المشاريع في وقتها، والعمل على تقديم كل ما يخدم المواطن للمحافظة على الحياة الكريمة لأبناء الوطن. من جهته أكد الأستاذ عبدالحميد العمري، عضو جمعية الاقتصاد السعودية، أن هذه الذكرى السنوية السابعة عزيزة وغالية؛ فقد حفلت هذه الفترة الزمنية بالكثير جداً من المنجزات الاقتصادية التي انطلقت من رؤية خادم الحرمين الشريفين تجاه تلبية المتطلبات التنموية للبلاد والمجتمع، والتي لا يزال يقفُ باهتمامه وحرصه على أن تتحقق كاملة دون نقصان، إضافةً إلى حرصه الشديد من أجل تلبية بقية تلك المتطلبات التنموية لوطنه ومجتمعه على حدٍّ سواء، وهو ما يؤكده حجم الإنفاق الحكومي القياسي في كامل التاريخ الاقتصادي للبلاد؛ حيث وصل خلال تلك الفترة لأكثر من 3.8 تريليون ريال (2.74 تريليون ريال نفقات جارية، و 1.04 تريليون ريال نفقات رأسمالية). وأوضح العمري أن تلك النفقات عملت على تعزيز استقرار الاقتصاد الوطني، وساهمت كثيراً في تصديه لمختلف الأزمات الاقتصادية التي عصفت باقتصادات العالم تحت تأثير الأزمة المالية العالمية 2008م، التي لا تزال آثارها القاسية تلقي بظلالها على مختلف اقتصادات العالم، ووصل متوسط مساهمتها في إجمالي الناتج المحلي لأكثر من 40 في المائة. وبيَّن العمري أنه خلال العام الماضي شهد الاقتصاد الوطني واحدةً من أكبر عمليات الإنفاق الحكومي الاستثنائية؛ حيث بادر - حفظه الله - بإعلان أوامره التنموية السخية المرتبطة بأهم الاحتياجات التنموية لمجتمعه، والمتمثلة في رفع مستوى الدخل للفرد، والإسكان، والعمل، وزيادة حماية الشرائح الاجتماعية ذات الاحتياجات المالية والاجتماعية والخاصة. وذكر العمري أنه من خلال هذا السياق تجدر الإشارة إلى التوسع الكبير الذي حدث في اقتصادنا الوطني خلال تلك الفترة المهمة من تاريخ الاقتصاد الوطني؛ حيث ارتفع حجم الاقتصاد من 1.2 تريليون ريال إلى أن وصل بنهاية العام الماضي لأكثر من 2.2 تريليون ريال، واقترن بمتوسط معدل نمو حقيقي فاق 3.7 في المئة طوال تلك الفترة، ورغم كل ذلك فلا يزال طموح هذا القائد الإنسان يتجاوز جميع ما تحقق؛ فحرصه ومتابعته المستمرة يقفان وراء السعي نحو المزيد من النمو الاقتصادي، الذي يؤمل من ورائه أن تتحقق التنمية الشاملة والمستدامة للبلاد والمجتمع السعودي الكريم، إضافةً إلى اهتمامه الكبير والشديد بأعمال ومهام تنويع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد الوطني، التي يدرك تمام الإدراك - أيده الله - أنها السبيل الأكثر أهمية على طريق تعزيز استقرار الاقتصاد في الأجل الطويل،أنها أيضاً الوسيلة الأمثل نحو فتح المزيد من قنوات الاستثمار المحلية، التي من شأنها - دون شك - أن توفِّر فرص العمل الكريمة لأبنائه وبناته، وهذا بدوره سيساهم عن جدارة في الاستمرار بقوةٍ أكبر وأسرع على طريق تقدُّم الاقتصاد السعودي نحو اصطفافه ضمن أهم وأكبر الاقتصادات حول العالم، وهنا يأتي دور الإشارة إلى حنكته على مستوى نجاح هذه البلاد في تحقيق الاستقرار للاقتصاد العالمي، والأهمية الفريدة التي يتمتع بها الاقتصاد السعودي في مجال أهمية استمرار تغذية الأسواق العالمية باحتياجاتها الضرورية من النفط، وهو ما ميَّز السياسة النفطية للبلاد، سواء على مستوى ارتفاع درجة التزامها بحصصها المتفق عليها ضمن فريق أوبك النفطي، أو حتى على مستوى سرعة مبادرة المملكة بتلبية أية احتياجات طارئة عالمياً من النفط؛ بسبب أي أزمةٍ قد تنشأ من فترة لأخرى، وهو ما كان له الدور الأبرز في ترسيخ استقرار الأسواق حول العالم تجاه احتياجاتها من أهم مصدر للطاقة في العالم المعاصر.