العلاقات بين تركيا وإيران اليوم في وضع مختلف تماماً عنها خلال الأيام التي سبقت مايو 2010 عندما نجحت تركيا والبرازيل في التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن مقايضة الوقود النووي وهو الاتفاق الذي كان يفترض أن يمثل اختراقا للأزمة النووية الإيرانية. وقد تغيرت الأجواء بين طهرانوأنقرة جذريا الآن بسبب التباين الحاد في مواقف الدولتين من الأزمة السورية الراهنة. ومما زاد التوتر بين البلدين موافقة أنقرة على إقامة قاعدة رادار تابعة لحلف شمال الأطلسي (ناتو) في إطار منظومة الدرع الصاروخية للحلف على أراضيها والتي تستهدف إيران بشكل واضح رغم أن تركيا تنفي هذا الاستهداف تماما. وقد ظهر هذا التوتر التركي الإيراني على السطح بوضوح عندما قال سياسيون إيرانيون كبار إن أنقرة فقدت نزاهتها ليس فقط بسبب موقفها من سوريا ولكن أيضا لقبولها إقامة قاعدة الرادار التابعة لحلف الأطلسي على أراضيها. وأثار بيان السياسيين الإيرانيين غضب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي رد بتصريحات عنيفة ضد إيران. فقد اتهم أردوغان إيران بالتعامل مع الموضوع بصورة خطأ وهو السبب الذي يجعل مصداقية طهران محل شك في المجتمع الدولي بشكل عام. وتزداد أهمية تصريحات أردوغان الغاضبة ضد إيران في ضوء حقيقة أنها جاءت بعد أيام قليلة من محادثات رفيعة المستوى أجراها أردوغان في طهران حيث قام بزيارة رسمية لها أعلن الجانبان أنها كانت «ناجحة للغاية». وسواء كانت تصريحات أردوغان مهمة أو أن طهران أدركت أنها يمكن أن تحقق مكاسب بسيطة من إغضاب أنقرة فإن مدينة اسطنبول التركية سوف تستضيف خلال أيام قليلة محادثات رفيعة المستوى لمجموعة «خمسة زائد واحد» المعنية بالملف النووي الإيراني. تضم هذه المجموعة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وهي فرنسا وبريطانيا والصين وروسيا وأمريكا إلى جانب ألمانيا. والحقيقة أن أهمية محادثات «خمسة زائد واحد» المقررة في تركيا مهمة للغاية سواء كانت ستعقد في تركيا أو في أي مكان لأن الأمر يتعلق بالنتائج المحتملة لهذه المحادثات. كما أن هناك حقيقة أخرى وهي أن تركيا لا تمتلك تأثيرا كبيرا في هذه المحادثات ولا في الملف النووي الإيراني ككل حتى إذا كانت المحادثات ستعقد في اسطنبول لأن تركيا ليست شريكا في المحادثات. وربما تحاول الحكومة التركية تقديم نفسها باعتبارها طرفا مهما في المحادثات، وأن هذا هو السبب في عقدها باسطنبول ولكن مثل هذه الأقوال هي للاستهلاك المحلي فقط. وبالنسبة لهذه الجولة من المحادثات الدولية التي ستعقد في اسطنبول فالمؤشرات غير إيجابية. فإيران رفعت سقف حقوقها فيما يتعلق البرنامج النووي لديها ولا تبدي استعدادا ملموسا لكي تكون أكثر شفافية في هذا الملف. كما أن أعضاء مجموعة «خمسة زائد واحد» لا يبدون استعدادا كبيرا للوصول إلى حلول وسط.. بالطبع فإن أي نتيجة إيجابية ستكون محل ترحيب من جانب تركيا في وقت تعاني فيه منطقة الشرق الأوسط من اضطرابات كثيرة ولا تحتاج إلى مزيد من النقاط الساخنة. تركيا تراقب تحركات إسرائيل بشأن الملف النووي الإيراني بمزيد من التركيز لأن أردوغان مثل الكثير من السياسيين الغربيين الأذكياء والمحللين يدركون أن أي هجوم عسكري إسرائيلي على إيران سيجر المنطقة إلى كارثة لا يعرف أحد حدودها. ومن المؤكد أن عواقب هذه الكارثة سوف تطال تركيا بصورة أو بأخرى. هذا هو الموضوع الذي يجب أن يكون محل تركيز الأتراك وليس مكان المحادثات الخاصة بإيران. المطلوب هو تركيز تركيا على أن تسفر المحادثات الدولية عن نتائج إيجابية تساهم في تفادي الكارثة وليس على عقد المحادثات في تركيا. (حرييت) التركية