كلما مررت بطريق الملك عبدالعزيز بمدينة الرياض أو شارع العليا العام أشاهد ويشاهد كل المارين ذلك (الباص) المهترئ (خط البلدة) الذي يسير وهو يكاد أن يتفكك مصدرا صوتا مزعجا وقد اختصر كل مشاكلنا في النقل وأصبح عنوانا صارخا لفشلنا في أن نحل مشاكل النقل ولو بتجديد باص واحد فقط. وكل مشاهد له يتحسر على هذا الوضع (المزري) والمخجل للنقل العام لدينا والذي لايمكن تصور وجوده ولا حتى في أكثر دول العالم تخلفا. من أخطر الأمور التي وقعنا فيها فجأة انعدام (التخطيط للنقل) فخلال سنوات معدودة نمت المدن الرئيسية نموا هائلا فاق التوقعات وهذا النمو صاحبه مشكلتان رئيسيتان: 1- الوزارة الرئيسية المسؤولة عن تخطيط المدن وهي وزارة الشؤون البلدية والقروية ليس من اختصاصاتها (التخطيط للنقل) فهي مسؤولة بالدرجة الأولى عن تنفيذ خدمات السفلتة والرصف والإنارة واعتماد المخططات السكنية وإعطاء رخص البناء ونظافة المدن وصحة البيئة العامة. 2- غابت الجهة المسؤولة عن النقل تماما وتناقضت خططها بشكل فاقم الازدحام فالمنشآت الضخمة والجامعات والأسواق التجارية الكبرى تصدر تراخيص إنشائها من قبل الإمانات والبلديات وهذه الرخص تركز على (تطبيق أطوال الصك) والتصميم الإنشائي للمنشأة. واذا تحدثنا بلغة الأرقام عن مستوى الكارثة التي نعيشها حاليا ومايمكن أن تصل له خلال سنوات، فلا أعتقد أن أي رجل مخلص لهذا الوطن ولديه رؤية إستراتيجية سيتهاون أو يتكاسل عن ضرورة وجود خطة إنقاذ وطنية لقطاع النقل وهاهي الأرقام: أ- لدينا حاليا 8 ملايين سيارة تزداد 700.000 سيارة سنويا أي مايقرب من 10% كنسبة للزيادة سنويا (تصريح مدير الإدارة العامة للمرور) وبلاشك فإن هذا العدد عدد هائل بكل المقاييس والكثير يرجعونه إلى سهولة امتلاك السيارة والذين يقولون ذلك يعتقدون أن كل سكان المملكة من الثراء الفاحش بمكان يفوق كل الدول ونسوا أن السبب في ذلك هوعدم وجود وسائل للنقل المحلي فنسبة كبيرة من سكان المملكة لايملكون السيارة إلا بالتقسيط الذي يرغمون عليه في ظل عدم وجود وسائل نقل محلية يستخدمونها في الوصول إلى الجامعات والمدارس والمستشفيات والأسواق والصرف على السيارات (شراء وصيانة) يأتي في المرتبة الثانية بعد السكن, ولو قارنا هذا العدد الهائل من السيارات (حاليا فقط) لوجدنا أن كل طرق المملكة لن تستوعبه على الرغم من ضخامة شبكة الطرق لدينا 48000كم وبمعادلة بسيطة يمكن حساب وتصور ذلك كمايلي: طول السيارة الواحدة=6م مع متر في الأمام ومتر في الخلف طول السلسلة المتواصلة من السيارات: 8مليون سيارة×6م = 48مليون متر (على مسار واحد فقط مجموع أطوال الطرق =48000كم = 48 مليون متر وهذا يعني أنه لو وقفت جميع السيارات الموجودة في كل مناطق المملكة في خط متواصل ومتراصة لملأت جميع الطرق التي تربط كل مناطق المملكة مجتمعة سواء في الشمال أو الجنوب أو الشرق أو الغرب أما إذا حسبنا الزيادة السنوية في السيارات 700.000 سيارة سنويا تغطي أكثر من4ملايين متر من الطرق وهذه الزيادة بطبيعة الحال لايوازيها زيادة في أطوال الطرق. وهذا يعني بكل تأكيد أننا نشهد حاليا بداية الكارثة التي نتجت عن (غياب تخطيط النقل) وذلك لأن المواطن يجد نفسه مرغما على شراء سيارة خاصة حتى ولو كان يحتاجها لمسافات قليلة وذلك لعدم وجود خيار آخر أمامه والحجة دائما هي أن لدينا (خصوصية) باسمها نسير بعشوائية ,وعدم وجود جدوى اقتصادية للقطارات ووسائل النقل العام باسمها يستغل المواطن من قبل شركات النقليات ووكلاء السيارات وشركات (الليموزين). إنني أسوق هنا مقترحا بإيجاد هيئة عامة تحت مسمى(الهيئة العامة للنقل) ينضوي تحت لوائها كل الإدارات التي تهتم بالنقل العام وتكون تحت مظلة وزارة النقل و أن تكون إدارة مستقلة(حسب دراسة الهيكل الإداري والمهام) ويكون من مهامها مايلي: 1- دراسة مشكلة النقل العام لدينا ومسبباتها, فقد يكون السبب لسوء تخطيط الطرق والشوارع, وقد يكون السبب لقصور أنظمة المرور التي لاتنظم حركة السير كما يجب أو لسبب آخر. 2- جلب المستثمرين العالميين والخبراء الذين سبقتنا دولهم في مجال (تخطيط النقل العام) ,بدلا من أن (نعيد اختراع العجلة) 3- الإشراف على تنفيذ شبكات للنقل العام (مترو-قطارات خفيفة-باصات نقل عام-محطات للنقل) وفي الدول المتطورة وحتى الدول النامية, فإن شبكة النقل العام جزء من الحياة اليومية فالوصول إلى محطة النقل يتم عبر شوارع مسقوفة تمثل مسارات رائعة للمشي, وكثير من المحطات هي أسواق بحد ذاتها قامت ببنائها الدولة ثم أجرتها على المستثمر المشغل للشبكة وذلك لأن الاستثمار في (أجرة الركوب) غير مربح لوحده دون جعله ضمن منظومة الحياة اليومية للمواطن. وأخيرا فإنني أنادي المجلس الاقتصادي الأعلى ومجلس الشورى ووزارة النقل بسرعة إعلان تأسيس (الهيئة العامة للنقل), لكي تكون هناك جهة واحدة ومحددة تأخذ على عاتقها هذا العبء الكبير الذي يمثل عبئا كبيرا على اقتصادنا وبيئتنا وهو (تخطيط النقل العام), وحتى نلحق بركب التقدم فنحن دولة متطورة ولله الحمد ضمن (مجموعة العشرين), ولكن صورتنا هي أننا دولة متخلفة في شبكة النقل العام والذي سبقتنا فيه أكثر دول العالم تخلفا. Arac [email protected]