كتبت أكثر من مرة حول وظائف الجامعة والآن أجدني مضطراً للتذكير بذلك عقب ما حدث بجامعة الملك خالد من أحداث طلابية. دائماً أجد الأكاديميين لدينا يصنفون وظائف الجامعة إلى ثلاث وظائف: التدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع، لكنني أميل إلى تصنيفها إلى خمس وظائف كالتالي: أولاً: التعليم ويشمل ذلك برامج البكالوريس والدراسات العليا ولدى البعض توجد بعض البرامج القصيرة أو ما يعرف ببرامج الدبلومات. التعليم له شروطه وعناصره المطلوبة، بدءاً من توافر أعضاء هيئة التدريس القادرين على القيام بالعملية التعليمية وفق أسسها المتقدمة ووجود المناهج الجيدة وانتهاء بتوفر البنية الأساسية من مبانٍ ومعامل وأماكن تدريب وغير ذلك. ثانياً: البحث العلمي المتمثل في إنتاج ونقل المعرفة وفق الأساليب العلمية البحثية ووفق عمل مؤسسي منظم وتراكمي وليس مجرد عبر جهود فردية متجزئة. ثالثاً: تقديم الخدمات ويقصد هنا أن الجامعة قد تقدم خدمة مباشرة للمستفيد. على سبيل المثال تقدم الجامعة خدماتها الصحية عبر مراكزها الصحية وتقدم خدماتها الزراعية عبر مشاتلها الزراعية...الخ. رابعاً: التفاعل مع محيطها على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية. هذا التفاعل يخلطه البعض مع الخدمات المباشرة التي تقدمها الجامعة ويسميه خدمة المجتمع، لكنني أفرق بين الخدمات المباشرة والتفاعل مع الحراك الاجتماعي والتطورات والتوجهات المحلية والإقليمية. هنا تأتي المبادرات فردية عبر تفاعل الأساتذة مع محيطهم أو مؤسسية عبر أقسام وكليات ومراكز الجامعة المتنوعة. الجامعات المتميزة تفتخر بتواجد منسوبيها في اللجان الوطنية والمحلية ومشاركتهم في الفعاليات والمنتديات وقنوات الإعلام والحوار والتثقيف والتنوير المحلية والوطنية والإقليمية. خامساً: تكوين مجتمع جامعي أو أكاديمي، حيث إن مسؤولية الجامعة ليست محصورة في تقديم خدمات للمجتمع الخارجي بل في تكوين بيئة ثقافية اجتماعية أكاديمية ترفيهية منظمة وفق أسس مؤسساتية لمنسوبيها من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس وبقية العاملين فيها. هذا الجانب تغفله بعض الجامعات المحلية بحجة انشغالها بالتعليم وبالتالي لا نجدها مختلفة عن المدارس الأولية. أركز على هذا المحور وأهمية تكوين المجتمع الجامعي المتميز بحرية الفكر والنقاش والمناظرة والتجريب والإبداع، حيث إنه دون ذلك يصعب تحقيق التميز التعليمي والبحثي والخدماتي. هي مسؤولية الجامعة إتاحة مناخ فكري يتقبل الاختلاف ويسمح بتكوين الهيئات الأكاديمية والطلابية التي تجعل من حياة الجامعة نموذجاً حياتياً متميزاً. الجامعة ليست مجرد قاعة درس بل مصنع لتكوين الشخصية وتكوين الفكر الاجتماعي والإنساني...الخ. الوظيفتان الأخيرتان وبالذات الخامسة هي الأضعف في جامعاتنا ولعل ما حدث بجامعة الملك خالد يعد مؤشراً واضحاً على ذلك، فالإشكالية الرئيسة لديها كانت في ضعف البيئة الأكاديمية بكافة عناصرها المشار إليها وكانت بعدم قدرة إدارة الجامعة على خلق مناخ وبيئة وحياة مريحة للطلاب وأعضاء هيئة التدريس والموظفين. لم يشتك الطلاب والطالبات من ندرة البحث العلمي ولا المناهج - رغم وجود القصور بهما- وإنما تركزت شكواهم على الإحباطات والضغوطات التي يعانونها في بيئتهم الأكاديمية وعبروا عنها باتهام إدارة الجامعة بالتقصير وعدم القدرة على تحقيق متطلبات الحياة الجامعية المثالية. ليست جامعة الملك خالد، فقط تعاني ذلك بل غالبية جامعاتنا. لذا يجب يجب أن يحظى مفهوم المجتمع الأكاديمي والحياة الأكاديمية بالنقاش والاهتمام الكافي على كافة المستويات الإدارية والأكاديمية، لأنه لكي تستعيد الجامعات دورها المفترض على المستوى المجتمعي فإنه يجب عليها البدء بإعادة الاعتبار إلى تنمية بيئتها الداخلية وتطوير مجتمعها الداخلي.