فُجعنا وفُجع أهالي محافظة البكيرية في يوم الأربعاء الموافق للرابع عشر من شهر ذي القعدة من عام 1432ه بوفاة عمي المربي الفاضل حمد بن صالح المحمود - رحمه الله- الذي عانى من غيبوبةٍ زادت على الستة أشهر، حتى لقي ربه مساء ذلك اليوم، وخرج أهالي محافظة البكيرية للصلاة عليه عصر يوم الخميس 15-11-1432ه وتوديعه - رحمه الله - في مشهدٍ مهيب، بعد أن عاش بينهم محبوباً، سمحاً، مخلصاً، ناصحاً، صادقاً.. ف{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.. عاش عمي - رحمه الله - حياته التي تجاوزت الستين عاماً بقليل كلها في محافظة البكيرية، عرفه الجميع بدماثة الخُلق، ولين الجانب، ونقاء السيرة، وصفاء السريرة.. حمل همّ الجميع، سلِمَ قلبه من الحسد والحقد، وصفت روحه لمحبة الناس، وتربية النشء؛ إذ كان معلماً للصف الأول والثاني طيلة خدمته التي قاربت الثلاثين عاماً؛ فنشأ معظم شباب البكيرية في تلك المرحلة على يديه، وتحت مراقبته، فكان مخلصاً أميناً في تعليمهم وتربيتهم، يدينُ الله عز وجل بالإخلاص في العمل، والإتقان والإنجاز، ويرى أن ذلك واجبٌ شرعي لا مناص منه، فصرف وقته في تنشئة جيلٍ متسلّح بسلاح العلم والإيمان، والتُقى والزهد، وحسن الخُلق، وصفاء النفس، وإحسان الظن.. كان - رحمه الله - ملازماً للمسجد لا تكاد تفوته تكبيرة الإحرام، ولا قراءة القرآن بعد الصلوات، معروفٌ بين أهله وجيرانه وجماعة مسجده بالابتسامة الدائمة، والنصح للجميع، والتواصل مع القريب والبعيد، والإحسان إلى الجيران، واللطف بالقول والفعل؛ فكان مجلسه بعد صلاة المغرب كل يوم عامراً بالزائرين؛ من كل فئات المجتمع، الغني والفقير، الشريف والوضيع، المتعلم والأميّ، الشباب والشيب، المسافر والمقيم.. فرحمه الله رحمةً واسعة.. عُرف عمي حمد - رحمه الله - بالورع والزهد، حتى وكأني أرى شخصاً عاش في القرون المفضلة من شدة ورعه - رحمه الله- فكان سمحاً إذا باع وسمحاً إذا اشترى، بعيدٌ كل البعد عن كل معاملةٍ فيها أدنى شبهة، فلم يكن يدخل في كثيرٍ من المعاملات المالية المعاصرة ورعاً منه رحمه الله، وكان من أحرص الناس على أداء الحقوق الواجبة في وقتها، والتحري الدقيق عن مستحقيها. كان مراقباً لله عزَّ وجلَّ، منفذاً لأوامره، حاملاً همّ الإسلام، وأهل السنة والجماعة، سامعاً ومطيعاً لكل ما يصدر من أنظمةٍ تنظّم حياة الناس، وتسيّر أحوالهم لا يتجاوزها بأي حالٍ من الأحوال تقرّباً لله عزَّ وجلَّ وامتثالاً لأمر رسوله صلى الله عليه وسلم. ولولا إيماننا بقضاء الله وقدره لصعُب علينا المصاب، ولكنها مشيئة الله تعالى التي نؤمن بها، وندرك معها أن الموت هو نهاية كل كائن حي في الدنيا، فصبرنا واحتسبنا حزناً على فقده. أكتب هذه الكلمات وأنا أستحضر البشارة النبوية العظيمة التي أرجو الله الكريم أن يهبها لعمي المغفور له حمد المحمود - رحمه الله - ذلكم ما رواه البخاري عن أبي الأسود قال: قدمت المدينة وقد وقع بها مرض، فجلست إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فمرت بهم جنازة فأثنى على صاحبها خيراً، فقال عمر: وجبت، ثم مر بأخرى فأثنى على صاحبها خيراً، فقال عمر: وجبت، ثم مر بالثالثة فأثنى على صاحبها شراً، فقال وجبت، فقال أبو الأسود: فقلت: وما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت: كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة) فقلنا: وثلاثة؟ قال: (وثلاثة) فقلنا: واثنان؟ قال: (واثنان) ثم لم نسأله عن الواحد. قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - وهذا الحديث على عمومه، وأن من مات من المسلمين فألهم الله تعالى الناس الثناء عليه بخير كان دليلاً على أنه من أهل الجنة، سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا، فإن الأعمال داخلة تحت المشيئة، وهذا إلهام يستدل به على تعيينها، وبهذا تظهر فائدة الثناء، ويؤيده ما رواه أحمد وابن حبان والحاكم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس مرفوعاً: (ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة من جيرانه الأدنين أنهم لا يعلمون منه إلا خيراً إلا قال الله تعالى: قد قبلت قولكم، وغفرت له ما لا تعلمون). وأحمد الله عزَّ وجلَّ على ذاك الثناء العاطر الذي سمعته وسمعه غيري من كل الناس، خصوصاً من جيرانه وممن تعامل معه، وممن عمل معهم، فكانوا يثنون عليه خيراً، والأسى يعتصر في وجوههم حزناً على فراقه.. - رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. انتقل عمي حمد بن صالح المحمود إلى الرفيق الأعلى تاركاً خلفه سيرةً عطرة تعجز الكلمات عن تسطيرها،ويضيق المقام بذكرها. ولولا إيماننا بقضاء الله وقدره لصعُب علينا المصاب، ولكن مشيئة الله تعالى التي نؤمن بها، وندرك معها أن الموت هو نهاية كل كائن حي في الدنيا، فصبرنا واحتسبنا في مصابنا الجلل، وهلت مآقينا دموعها حزناً على فقده. فمصابنا أليم، ولا نقول إلا ما يرضي الرب سبحانه وتعالى «إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا عمي لمحزونون». أسأل الله عزَّ وجلَّ أن يغفر له، وأن يوسع له في قبره، وأن يبدله داراً خيراً من داره، وأن يجازيه بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً، وأن يلهمنا الصبر والسلوان، ف{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. * نائب الناطق الإعلامي بشرطة منطقة القصيم