يروى عن الخطيب الإغريقي العبقري ديموستين أنه كان يعاني من إعاقة في لسانه جعلت منه في صدر أيامه وأول نشأته شخصاً منطوياً يكابد سياط الرهاب الاجتماعي ولقاء الناس, وعندما توفي والده ترك له ثروة طائلة من شأنها أن تجعله شخصاً بالغ الثراء, ولكن القانون الإغريقي في ذلك الوقت كان يفرض على الوارث أن يثبت حقه وملكيته للإرث في مناظرة علنية!.. وقد حال عيه وخجله دون ذلك مما أدى إلى فقدانه جميع الثروة التي خلفها له والده، فماذا كان حاله بعد ذلك؟.. هل تراه انزوى على نفسه باكياً نائحاً يندب حظه ويبكي قدره؟!.. أبداً، بل قطع عهداً على نفسه بأن يكون الخطيب الأول، ولم يلبث طويلاً حتى أصبح أخطب أهل الأرض في زمنه وأفصحهم لساناً وأقواهم حجة. إن من يقرأ في سيّر الناجحين ويتتبع تفاصيل حياة أصحاب البصمات البيضاء في الحياة وذوي الآثار الطيبة يجد أنهم سقطوا عدداً لا يحصى من المرات وتذوقوا في مشاهد كثيرة مرارة الفشل وتجرعوا غصص الإخفاق ولكنهم في المقابل قد ملكوا أهم ميزة وأعظم قدرة ألا وهي «الإصرار»؛ فالناجحون والمبدعون في أيّ مجال نجدهم قد مروا بسلاسل من الإخفاق في بداياتهم فلم يقفوا عند المرة الأولى أو الألف، بل عاودوا المحاولات وأكملوا المشوار حتى حققوا هدفهم المرجو وأملهم المنشود، إن الوقوع في الخطأ يدل على أن المرء خطا خطوة إلى الصواب، وتذوق الفشل علامة على أن المرء خطا خطوة نحو النجاح، فالإنسان لا يهزم مع الإصرار فقليل منه يحيل الغني إلى فقير وخامل الذكر إلى صاحب ذكر حسن وربما تحول الضعيف إلى بطل!.. لقد أيقظت خطب تشرشل الحماسية الشعب البريطاني والتي كانت ضمانيها لا تراوح كلمات الإصرار والبذل والعطاء وعدم اليأس والإخلاص, فما أروع الأرواح حينما تحلق ثم تحلق ثم تزداد تحليقاً إلى النجاح بأجنحة من إرادة وإصرار وعزيمة وحسن توكل. لقد عرّف الحكماء الفشل على أنه الحد الأدنى من الإصرار وفي المقابل يعرفون النجاح على أنه الإصرار على إنجاز المهمة مصحوباً بالعمل على إتمامها والإيمان بالقدرة على إنجازها. إن الإصرار وحب النجاح ليست قبعة تعتمر ولا رداء يلبس ويخلع وليس طريقة تستخدم لتحقيق مكاسب صغيرة أو لإبهار الناس،إنه قانون حياة ومبدأ وأسلوب حياة، إنه مشاعر داخلية وصوت يصدر من الأعماق؛ وتعبير ظاهري لمشاعر داخلية عظيمة، فأصحاب الهمم العظيمة أعداء اليأس تشهد كل سكنتاهم وهمساتهم وكل خلية من خلاياهم بحقيقة خالدة وموقف عظيم تتمثل في حبهم للحياة، تذكر دائماً إن لحظات ما بعد الإخفاق تمثل فرصة رائعة لإعادة النظر في حياتك وإحداث تغير قوي فيها, إنها الفرصة الأنسب لتتعلم منها. فنجاحاتك لا تعلمك الكثير. بقدر ما تكون الإخفاقات معلماً رائعاً ولكنها تحتاج لفكر واعٍ وعقل نابه يفهم ويستوعب! ومضة قلم: أُحب الضوء لأنه ينير لي الطريق ولا أرفض الظلام ففيه النجوم. [email protected]