التجربة هي معايشة الأحداث، وذوق الوقائع، والتمرّس بالحياة، والمران على أطوارها، والتجربة بالمكروه أعظم أثرًا من التجربة بالمحبوب، لأن المكروه يوقظ القلب، وينبّه النفس، ويثير المشاعر، والمصائب والنكبات والكوارث جامعات للتجارب، يدرس فيها حداة المثل مقررات من الآلام والمعاناة والأزمات، فيخرجون على حسب استعداداتهم، فمنهم المتفوق المبرز الطموح، ومنهم المتوسط المعافى ومنهم الفاشل المندحر، والتجربة كي تصقل فيها المواهب والصفات، وأعظم من تركوا أثرًا في التاريخ هم الذين ذاقوا الويلات، وعاشوا المصائب، وتجرّعوا غصص الصبر على المكروهات، يقول الشاعر الشهير الفرنسي موسيه: لا شيء يجعلك عظيمًا غير ألم عظيم ويقول المتنبئ: إذا اعتاد الفتى خوض المنايا فأهون ما يمر به الوحول وقال في قصيدة أخرى: لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والإقدام قتال ويقول في ثالثة: أحقهم بالمجد من ضرب الطلى وبالأمن من هانت عليه الشدائد يقول الكاتب مصطفى أمين: العظمة ليست وسامًا بعد وسام، ولا منصبًا إثر منصب، ولا ألقابًا ولا جوائز أو هبات. العظمة معناها: ألم ومثابرة، وصمود وتحدٍّ وإصرار. العظمة: نكبة بعد نكبة، ومصيبة بعدها مصيبة، وعقبة إثرها عقبة. العظمة: سجون ومعتقلات، ودموع ودماء وتضحيات. وهذه التجربة الكبرى في الحياة. وقال الشاعر الإنجليزي تشوسر: التجربة تؤخذ من مصدرين. المصدر الأول: الكتب القديمة، التي تعدُّ كنزًا للذكريات البشرية، والحكم الإنسانية. والمصدر الثاني: مشاركة الفرد في أحداث الحياة. وصدق الله جلت عظمته: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ).