اطلعت على العدد رقم 14062 اليوم الأربعاء الموافق 25-4-1432ه حول تقرير بعنوان استفتاء على تسمية الخليج العربي واتهام أجندة طائفية بإطلاقه، وأن هناك 66% لصالح تسميته بالفارسي و33% لتسميته بالعربي. والحقيقة أن الحديث عن هذا الموضوع ليس جديداً، وأن هناك محاولات عديدة لتسميته بالخليج الفارسي وإيهام الدول بأنه كذلك. إن طرح مثل هذا التصويت في هذا التوقيت بالذات يدل دلالة واضحة على أن هناك أجندة طائفية مستمرة لبذر الشقاق والتفرقة بين البلدان، بل محاولة مسح الهوية العربية التي تقع على ساحل الخليج الشرقي، وهم عرب الأحواز الذين احتلتهم إيران منذ ثمانين عاماً بتعاون من بريطانيا آنذاك، وفي زمن احتلالها لبعض دول الخليج العربي. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يحاول فيها هؤلاء الحاقدون إثارة مثل هذا الموضوع؛ فقد سبق لرئيس البرلمان الإيراني أن تحدّث عن ذلك علانية منذ ما يزيد على سنتين، مبيناً أن هذه هي اللغة التي يستخدمونها مع الدول العربية! ومهما يكن فإن الخليج العربي سيظل عربياً بإذن الله مهما افترى الحاقدون ومهما تحدث المتحدثون.. ولا شك أن إيران الفارسية الصفوية تود الحديث عن قوميتها ومحاولة تفريس ذلك الخليج الذي هو عربي مائة في المائة، عربي بسكانه من الضفتين الشرقيةوالغربية، وعربي بتاريخه الطويل، وعربي باستخدامه القديم من قِبل الرحالة العرب الذين يُعرَفون جيداً. وتوضيحاً لما أقول عن الخليج العربي، وأنه عربي إلى الأبد بإذن الله، فإن النقوش القديمة جداً في العصور القديمة أيضاً كانت تطلق عليه البحر الأدنى أو البحر المر، والراجح أن الإسكندر الأكبر الذي كان يطمح إلى حمل لقب ملك العالم هو أول من سماه بالخليج الفارسي؛ لأن أمير البحر نياركوس الموفد من قِبل الإسكندر بحث عن الاكتشافات الجغرافية في منابع الشمس ولم يتعرف في رحلته إلا على الساحل الشرقي للخليجي القريب من إيران حيث كانت تحتل ذلك الساحل، بينما ظل الساحل الغربي مجهولاً لديه؛ ما دعا الإمبراطور إلى أن يطلق على الخليج ذلك الاسم، وبقي متداولاً بالتواتر. وفي العصور الأخيرة أُطلق عليه اسم خليج البصرة. أما سكان الأحساء فكانوا يسمونه خليج القطيف، غير أن المؤرخ الروماني بليني Bleny يسمي الخليج باسمه الصحيح «الخليج العربي» منذ القرن الأول الميلادي، وذلك في وصفه لمدينة خاراكس التي يرجح الباحثون أنها مدينة المحمرة. ولنرجع أيضاً إلى عام 1957 حينما زار المؤرخ البريطاني رودريك أوين Rwodrek Oyen الخليج العربي، وأصدر عنه كتاباً أسماه الفقاعة الذهبية، روى فيه أنه زار الخليج العربي وهو يعتقد أنه فارسي؛ لأنه لم ير على الخرائط الجغرافية البريطانية سوى هذا الاسم، وبريطانيا بالطبع في ذلك الوقت تستعمر غالبية الدول المطلة على هذا الخليج، ولا شك أنها تحب أن يكون الشقاق بينهم مستمراً، لكن المؤرخ البريطاني ما كاد يتعرف عليه عن كثب حتى أيقن أن الواقع والإنصاف يقضيان تسميته بالخليج العربي؛ ولهذا سمى كتابه بهذا الاسم. ويذكر بعض الباحثين أن الفرس لم يعرفوا البحر مطلقاً حتى يحرصوا على تسميته فارسياً، حتى في أوج عظمتهم، وإذا ما أنشؤوا في الخليج أسطولاً فإن بحارته من غير الفرس؛ لأنهم كانوا يتهيبون ركوب البحر، بينما جاب العرب البحار، وقاموا بأعظم الفتوحات، وساسوا إمبراطورية تفوق إمبراطورية الرومان؛ فاستشرفوا البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي، وقاموا بحملات بحرية مشهورة، ولم يعد غريباً أيضاً أن يوصف البحر الأحمر بأنه بحيرة عربية؛ لأن كل ما يحيط به أرض عربية من شماله إلى جنوبه، مثله مثل الخليج العربي الذي يتضح من خلال حديثي هذا أنه خليج عربي في كل شيء، في أسماء مدنه وأنهاره وجباله وسكانه على الضفتين، حتى التابعون بالاحتلال لإيران حالياً كلهم عرب أقحاح يتحدثون العربية بطلاقة وينتسبون إلى لغتهم العربية في بندر عباس والأحواز وعبدان وغير ذلك من المدن الأخرى التي تقع على ساحل الخليج العربي، والتي احتلتها إيران بمساعدات ومصالح لدول أخرى؛ لذا فإن الإيرانيين جاؤوا بمحاولات عدة لتفريس منطقة الأحواز وما يسمى بعربستان الغنية بالنفط، وذلك من خلال التركيبة السكانية؛ لذا فإن إيران لا تكشف النسب الحقيقي لأبناء القوميات والأقليات الدينية والمذهبية. علما بأن العرب الذين استولت عليهم إيران يصل عددهم إلى نحو ثمانية ملايين نسمة. ومما يؤسف له حقيقة أن قضية عرب الأحواز في إيران متجاهلة من بني قومهم؛ فلا جهود للجامعة العربية ولا للدول العربية الأخرى حول هذا الموضوع، وهم يساعدون إيران في هذه القضية مقابل أن إيران تتدخل تدخلاً سافراً في شؤون كل الدول العربية، وتحديداً دول مجلس التعاون الخليجي، وتحتل جزءاً من أراضيها، وتحاول بث خلايا التجسس، وتساعد المنتمين إليها مالياً ومعنوياً لبث الفُرْقة والتناحر بين سكان الدول العربية، ولقد أوجدت ما يسمى بحزب الله في لبنان، ودعمت بعض الفرق في اليمن، وتدخلت في شؤون المغرب والسودان، واحتلت العراق، وعقدت اتفاقيات قوية مع بعض الدول العربية التي تطبق - للأسف - أجندتها.. وماذا بعد؟.. إن العرب كلهم مطالبون بأن يقفوا وقفة واحدة ويصارحوا الفرس بأنهم أعداء ويخططون لتصدير ثورتهم العمياء التي ما زال الشعب الإيراني نفسه يرضخ تحت ويلاتها. نعود للحديث عن الخليج العربي، ويتضح مما سبق أن العرب يعرفون خليجهم جيداً؛ لأنهم عرفوا مسالكه، وعرفوا أنواءه الجوية وطبيعة المناطق الواقعة عليه وإمكاناتها الاقتصادية ومغاصات لؤلؤه، فكان هذا الخليج يمثل المدرسة التي تخرجوا منها بوصفهم أشجع بحارة وأمهر غواصين. ولا غرو فإن سكان الخليج العربي من الناحيتين كلهم عرب، يتحدثون العربية كما ذكرت، وهم مسلمون قبل كل شيء، وكلهم يعرفون جيداً أن هذا الخليج هو خليجهم مهما حُدِّث عن غير ذلك؛ فالخليج عربي إلى الأبد. همسة أخيرة متواضعة في آذان الإخوة العرب: اجعلوا من هذه القضية قضية كبرى تهم كل عربي وتطالب بحقوق العرب أينما كانوا وأينما حلوا، وعلينا جميعا نحن العرب تبني قضية عرب الأحواز وإخراجها إلى السطح ودعم هذا الشعب المغلوب على أمره، وأن نساعده للخروج من المأزق الذي يعيش فيه، وهو حق علينا نحن العرب. علما بأن الجميع يعرف أن إيران تتدخل في قضايا العرب كما ذكرت سابقاً، وتحاول التوغل في كل مكان كما هو مشاهَد. وفي الختام، أتمنى أن تكون الدول العربية جميعاً جادة في تثبيت اسم هذا الخليج حتى في إيران؛ ليكون عربياً مثل تلك المدن العربية التي تحتلها إيران على سواحله الغربية. د. صالح بن عبدالله بن محمد الحمد - [email protected]