جاءت الإحصائيات منذ الخمسينيات لتؤكد تضاعف عدد موظفي الدوام الجزئي ثلاث مرات وحالياً تصل نسبة العاملين بدوام جزئي 1 من كل 6 موظفين وفقا لأرقام مكتب العمل الأمريكي ومنذ عام 2007م زاد عدد الذين يعملون بدوام جزئي لأسباب اقتصادية لأنهم لا يجدون وظيفة بدوام كامل. أهمية هذا الموضوع دفعت لعقد ندوة «البيئة التنظيمية والتشريعية لنظام العمل الجزئي والعمل عن بعد للمرأة في المملكة العربية السعودية» والتي اختتمت نشاطها مؤخراً برعاية صاحبة السمو الملكي الأميرة موضي بنت خالد بن عبدالعزيز. دراسات وتوصيات: «الجزيرة» حاولت رصد بعض الدراسات وعرض التوصيات فمن ضمن هذه الدراسات ما قدمته. الدكتورة حنان بنت محمد الجويعد مديرة عام برامج التدريب المشترك بالمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني دراسة تحدثت فيها عن سياسات وإجراءات مقترحة تنظم العمل الجزئي للمرأة في المملكة وقد أوضحت أن الهدف الرئيسي لهذه الدراسة تقديم سياسات وإجراءات مقترحة تنظم العمل الجزئي في كل من القطاعين الحكومي والخاص في المملكة ومن خلال هذه السياسات والإجراءات سيتم التطرق إلى الجهة المسئولة عن تنفيذ ومتابعة تطبيق هذا النوع من العمل وكذلك ساعات العمل وحقوق وواجبات الموظف. واستطردت الجويعد قائلة: هذا بالإضافة إلى أننا نريد التعرف على سياسة المملكة في تبني نظام العمل الجزئي وتحديد المعوقات التي تواجه تطبيق نظام العمل الجزئي في منشآت القطاع الحكومي والخاص وكيفية معالجتها. وعن أهمية العمل الجزئي ذكرت الدكتورة: إن العمل الجزئي لا يحقق مزايا للمنظمات فقط بل يشمل الأفراد الذين لا يناسبهم العمل بدوام كامل مثل الطلاب لمتابعة دراستهم، الأمهات اللاتي يرغبن في رعاية أطفالهن بأنفسهن، المتقاعدات الذين يرغبون في زيادة معاشاتهم ومن يعاني من ظروف صحية لا تمكنه من العمل بدوام كامل. ثم تحدثت عن المعوقات التي تقابل تطبيق العمل الجزئي في منظماتنا الحالية فذكرت على سبيل المثال: إن الكثير من المنظمات خاصة والحكومية تعطي أولوية للحضور على حساب تحقيق الأهداف والإنجاز, كما أن هناك ما يعرف بالإرث الثقافي حيث يعود عدم تطبيق ساعات العمل المرنة لهذا الإرث حيث تهتم الجهات الحكومية بالذات على تقييم أداء الموظف من خلال التزامه بمواعيد الدوام، فقد يتم فصله بسبب تغيبه أو عدم التزامه بفترات العمل التي وضعها النظام بينما لا يتم فصل موظف بسبب تقصيره في عمله وقلة إنتاجيته، كما ذكرت الدكتورة أن من معوقات العمل الجزئي أيضا عدم مناسبته لجميع الوظائف حيث يتضح أن نظام ساعات العمل المرنة لا يناسب جميع أنواع العمل فبعض الأعمال يتطلب إنجازها في وقت محدد، لذا يتوجب حضور الموظفين في ساعات معينة. بالنسبة لجهود المملكة في تبني نظام العمل الجزئي: ذكرت الدكتورة أن من جهود المملكة بهذا الشأن أن هناك سياسة (13) من إستراتيجية التوظيف السعودي تدعو إلى عرض فرص عمل بشكل دائم أو جزئي على فئة الشباب دون 25 عاما لما يحققه ذلك من نتائج إيجابية على مستوى الاندماج الاجتماعي، لأن عدم استهداف هذه الفئة بسياسات معينة ينتج عنه آثار سلبية تتمثل في ارتفاع معدلات الجريمة والإدمان وسط هذه الفئة مما يتطلب إنفاق أموال طائلة لإصلاحها تفوق الأموال التي تخصص من خلال برامج معينة لتسهيل توظيفهم، كما أن هناك أوامر سامية صدرت عام 1429ه تدعو وزارة التربية والتعليم لتقوم بإجراء دراسة شاملة حول موضوع النصاب الجزئي لعمل المعلمات في سلك التعليم. ما هي أهم معوقات تطبيق العمل الجزئي في منشآت القطاع الحكومي والخاص في المملكة؟ إن أهم المعوقات تتمثل في عدم حاجة المنظمة لتطبيق العمل الجزئي لديها كما أن أعداداً كافية من الموظفين تقضي على ضغوط العمل بالإضافة لتبني المنظمة سياسة تأدية الأعمال في وقت خارج الدوام. هل هناك توصيات تساهم في تفعيل عمل المرأة الجزئي؟ هناك بعض التوصيات مثل: - أن يتم تطبيق العمل الجزئي بشكل تدريجي على بعض الدرجات الوظيفية ثم يعمم على مختلف الدرجات الوظيفية. - أن يطبق على الفئات المستهدفة من تبني أسلوب العمل الجزئي خاصة المرأة وطلاب الجامعة. - تطبيق نظام العمل الجزئي للمرأة في كل من القطاعين الحكومي والخاص. - أن يكون تطبيق نظام العمل الجزئي اختياريا للراغبين وبما يتناسب مع احتياجات ومتطلبات الجهات التي ستطبقه. - حث الجهات المعنية بالدراسات والأبحاث على إجراء دراسات بحثية خاصة بالعمل الجزئي. - نشر ثقافة العمل الجزئي في المملكة. أنظمة سوق العمل: من جهة أخرى ذكرت الأستاذة منيرة العسيري مشرفة برنامج التنظيم الوطني للتدريب المشترك بالمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني أن أسواق العمل في دول مجلس التعاون الخليجي وفي المملكة على وجه التحديد لم تكن بمنأى عن الأزمة العالمية وبخاصة في مجال تشغيل العمالة ومعدل مشاركتها في سوق العمل التي تعاني في الأساس من الكثير من الاعتلالات الهيكلية. وعلى الرغم من أن قوانين العمل في المملكة العربية السعودية توفّر مرونة كبيرة لأرباب العمل، إلا أنها تغفل جانب تبني سياسات مرنة في أنظمة العمل ذاتها، وهو ما كان له دور كبير في تفاقم أبرز إشكاليات سوق العمل السعودي وهي قضية البطالة. والتي قد يكون في اعتماد قوانين وسياسات جديدة تعزز ترتيبات العمل المرن حل ملائم يستطيع من خلاله سوق العمل السعودي القضاء نسبيا على هذه الإشكالية، التي تشتد وطأتها يوما بعد آخر نتيجة للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة التي مرت بها المملكة خلال فترة وجيزة من الزمن، مما أثر على معادلة العرض والطلب في سوق العمل وكانت من السرعة بمكان بحيث يصعب التجاوب معها بنفس سرعة تغيرها. ومن تلك التغيرات تسارع النمو السكاني، والتركيبة السكانية التي تتميز بالأغلبية الشابة فأصبحت هذه الأعداد المتدفقة التي تدخل سوق العمل سنوياً تشكل عبئاً كبيراً على المجتمع وتحديا صعبا يواجه صناع القرار، في ظل محدودية الفرص الملائمة. وتؤكد الأستاذة منيرة على أنه من الضروري التفكير في التغلب على هذه الظاهرة قبل تفاقمها وتقليل آثارها معللة ذلك بأنه أصبح هاجساً يقلق المجتمع وأفراده كما يفرض على المخططين للمستقبل البحث والتحري والاستفادة من تجارب السابقين من الدول المتقدمة في كيفية التغلب على هذه الظواهر. ومن ابرز الحلول التي انتهجتها العديد من دول العالم المتقدمة هي تبني نظم العمل المرنة ومنها العمل عن بعد والعمل الجزئي. وعن أهم السبل والتوصيات التي من شأنها تفعيل نظام العمل الجزئي ذكرت العسيري: إنشاء هيئة وطنية مستقلة مشكلة من الجهات ذات العلاقة وفي مقدمتها وزارة العمل ووزارة الخدمة المدنية والمالية والاتصالات والمعلومات، وذلك لوضع خطة إستراتيجية وطنية لتطبيق أنظمة وآليات العمل المرن في المملكة، وإجراء دراسة شاملة لسوق العمل السعودي، ومراجعة أنظمة ولوائح العمل في القطاعين العام والخاص وخاصة قوانين عمل المرأة، أيضا تقييم التجارب الدولية الإقليمية والعالمية في تطبيق أنظمة العمل المرن وتحديد الملائم منها لسوق العمل السعودي، وحصر وتقييم التحولات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية القائمة في المجتمع السعودي وتحديد أنظمة العمل المرن المتوافقة معها. ثم وضع خطة مرحلية تدريجية لتطبيق أنظمة العمل المرن في سوق العمل السعودي، ووضع آليات لمتابعة وتقييم التنفيذ والوقوف على أية إشكاليات.