يتساوى الكتَّاب مع الكثير من أبناء البشر في هذه الحياة.. فالكتابة بحد ذاتها لا تمنحهم ثراء فاحشاً ولا منصباً أو جاهاً.. ولا موضعاً يجعلهم دائماً ينالون ما لايناله سواهم وتجعلهم في منأى من العثرات والمشكلات! وحين أقول الكتَّاب فأنا أتحدث عن الكاتب الفنان ذي الإحساس المرهف والتوجّه السامي الذي يسعى دوماً إلى رضا خالقه أولاً ثم معايشة هموم الآخرين ومحاولة الإصلاح فيما يستطيع..! وإذا كان الأمر كذلك فيما ذكرت إلا أنهم من أسعد الناس حظاً في أمور أخرى.. من أسعد الناس حظاً في المصائب والفواجع والصدمات المفاجئة القوية.. ورغم أن المصائب لم تكن أمنية أبداً لأي من الناس صغيراً أو كبيراً، متعلماً أو جاهلاً إلا أنها تصبح دافعاً قوياً للكاتب لمزيد من الإبداع والتفوق.. يحدث ذلك على المستوى الجماعي والفردي.. أي فيما يراه من مصائب العالم وكوارثه وفيما يراه على المستوى الشخصي باعتباره كائناً يدبُّ على هذه الأرض ويبحث دائماً عن الأجمل والأروع والأنقى.. وحال الكاتب هنا تبدو شديدة الشبه بمن يمد يده بكل سعادة ليلتقط تفاحة حمراء ريّانة، نضرة، لامعة، وفجأة يصرخ رعباً حين يكتشف أن بعض الديدان قد اتخذت من جوف التفاحة مقراً لها. والأمر يهون لو كان هذا الاكتشاف في بعض الثمار وحسب ولكن حين تكون فجيعتك في إنسان فهذه هي قمة المرارة..! ولكن رغم ذلك هي للكاتب منتهى الفرح.. مرارة الاكتشاف الذي لن يأخذ كثيراً من وقته واهتمامه.. إذ سوف يرفع رأسه عالياً ويشعره ذلك بمنتهى التفوق والسعادة فها هو يخرج بكنز ثمين، نفسه التي لم تحمل حقداً أو ضغينة والتي يمنحها ذلك الاشتعال صفاء ونضارة يجعلها أكثر قدرة على التحدي والمسير عبر هذه الحياة.. وتكتمل السعادة حين يعاد تشكيل هذا الألم إلى كتابة جميلة تتمثل في قصة أو رواية أو قصيدة إن كان المعني «صاحب المصيبة» شاعراً.. والأمثلة على ذلك كثيرة فلولا حب فاشل لما كانت قصيدة الأطلال لإبراهيم ناجي.. ولولا امرأة خائنة لما كانت قصيدة «لا تكذبي لكامل الشناوي» ولولا حادثة مرورية جعلت صاحبتها تلازم السرير ثلاث سنوات لما كانت رواية «ذهب مع الريح» للكاتبة الشهيرة مرغريت ميتشل.. وهناك من الأمثلة الكثير والكثير منها ما هو معروف ومعلن ومنها ما هو غير ذلك!!. e-mail: [email protected] ص.ب 61905 الرياض: الرمز البريدي 11575