ولد الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود في حوطة بني تميم سنه 1329ه وقد نشأ بها بين والديه وكان والده زيد تاجر قد توفى والشيخ صغير لم يبلغ سن الرشد فصار يلي أمره والدته نورة بنت عبدالعزيز الشثري (أبو سعود) وتولي الوصاية عليه خاله حسن بن صالح الشثري فأخذ عنه حملة من الأدب النافعة والأخلاق الكريمة الفاضلة وقد طلب العلم منذ نعومه أظفاره فتلقي دروسه الأولى كعادة الطلاب في ذلك الزمن على يد عدد من المشايخ كالشيخ عبدالملك بن إبراهيم آل الشيخ قاضي الحوطة في زمنه وهو أول من درس عليه من شيوخه رحمهم الله والشيخ محمد أبو زيد الشثري والشيخ عبدالعزيز محمد الشثري (أبو حبيب)، وعندما انتقل الشيخ أبو حبيب بأمر الملك عبدالعزيز إلى وادي الرين، حيث عينه عند قبائل قحطان المهاجرة قاضياً ومفتياً ومعلماً وواعظاً انتقل معه للدراسة عليه والاستفادة منه وقد لازمه الشيخ عبدالله مدة أربع سنوات وقبل ذلك كان قد حفظ القرآن الكريم وهو صغير قبل أن يبدأ مرحله البلوغ وهكذا نشأ مرتبطاً بكتاب الله وقدمه شيوخه للصلاة بالناس القيام والتراويح. ولم يتجاوز عمره الخامسة عشرة لما رأوا فيه من تفوق وجداره، وقد تفرغ الشيخ لطلب العلم الشرعي بجد وطول نفس، فدرس وحفظ الكثير من الكتب والمتون في الفقه والحديث والنحو.. ففي الفقه حفظ زاد المستقنع وهو من كتب الحنابلة، وفي الحديث حفظ بلوغ المرام، وألفيه الأمام السيوطي في مصطلح الحديث، كما حفظ كثيراً من الأحاديث النبوية عن ظهر قلب، وكان من عادة علمائنا أنهم لا يرحلون لطلب العلم حتى يستكملوا التحصيل والطلب من شيوخ بلدهم فيسافروا بعد ذلك رغبه في مجالسه شيوخ البلدان والأخذ عنهم، وقد اقتفي الشيخ عبدالله آثار أولئك العلماء وسار على طريقتهم وسننهم بعد أن استكمل الطلب على شيوخه في حوطة بني تميم رغب في الرحلة حيث كان رحمه الله محباً للعلم لا يثنيه عن طلبه أهل ولا مال، فلا يكاد يسمع بعالم من العلماء في بلد من البلاد إلا شد الرحال إليه، رحل إلى قطر حيث قصدها طلباً للعلم على يد الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن مانع رحمه الله، وذلك عام 1355ه، وكان له من العمر ستة وعشرون عاماً وكان السفر حينها على ظهور الجمال ولما وصل إلى قطر لازم الطلب على يد شيخه محمد بن مانع ثلاث سنين متفرغاً للعلم.. وفي أول عام 1359ه صدر الأمر إلى سماحه المفتي آنذاك الشيخ محمد ابن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله من الملك عبدالعزيز باختيار ثمانية من العلماء للذهاب إلى مكة للوعظ والتدريس بها ويكونون تحت طلب الحكومة لسد حاجة الأقاليم من القضاة فكان الشيخ عبدالله بن محمود أحد هؤلاء الثمانية وفي نفس العالم قدم إلى مكة حاكم قطر آنذاك الشيخ عبدالله بن قاسم آل ثاني قاصداً الحج وبصحبته ابنه حمد وعدد من كبار الأسرة الحاكمة والأعيان؛ وبعد أدائهما لفريضة الحج في ذلك العام طلب من الملك عبدالعزيز أن يبعث معهما برجل يصلح للقضاء والفتيا، حيث كانت قطر في ذلك الحين بدون قاض بعد أن غادرها الشيخ محمد بن مانع إلى مكه سنة 1358ه، وعندما ذهب الشيخ إلى قطر تقلد أمانة القضاء في قطر وكان ذلك في نهاية شهر ذي الحجة عام 1359ه وبعد مباشرة عملة كقاضٍ ومفت وخطيب وواعظ وإمام، فكان مفتي الناس وقاضيهم وناصحهم وقد مكث في منصب القضاة ما يزيد عن خمسين عاماً. وهو يعتبر بحق مؤسس القضاء الشرعي في قطر وإليه يعود الفضل بعد الله تعالى في إرساء لبنات صرح قطر القضائي (المحاكم الشرعية) على أسس حديثة حيث وضع نظام تسجيل الأحكام والقضايا ولم يكن القضاة قبلة يسجلون أحكامهم أو يوثقونها. وقد كان له الفضل في وضع نظام حفظ أموال القاصرين. حيث تتولى المحكمة الشرعية الإنفاق عليهم واستثمار أموالهم لحين بلوغهم سن الرشد. وقد اشتهر في قضائه بتحري العدل والنزاهة حتى أصبح الناس يقصدونه من المناطق المجاورة لفض نزاعاتهم وكان لا يفرق في قضائه بين صغير. كان الشيخ سلفي العقيدة حنبلي المذهب ولكنه لا يتقيد به فقد كان بعيداً عن التعصبات المذهبية فمتى كانت المسألة متفقة مع نصوص الكتاب والسنة وكانت مندرجة تحت مناطهما أخذ بها. عرف عن الشيخ عبدالله البذل والسخاء وإكرام العلماء والقضاة وكان مضيافاً للوافدين إليه وقد أنفق الشيخ في إحدى السنوات في شهر رمضان نصف مليون من ماله الخاص.. وللشيخ رحمه الله فتاوى في الحج وآراء حول كثير من المسائل منها: 1- ومن آرائه الشهيرة فتواه بجواز رمي الجمار أيام التشريق قبل زوال الشمس. وقد ذكر هذا الرأي ضمن رسالته يسر الإسلام في أحكام حج بيت الله الحرام وقد أورد في رسالته هذه من الأدلة ما يؤيد بها ما أذهب إليه والذي دعاه إلى الفتوى في هذه المسألة ما وقع فيه الناس من الحرج والضيق من تزاحم وتلاكم وخطر على الأرواح عند رميهم للجمرات. 2- ومن آرائه أن واجبات الحج تسقط عن الحاج إذا كان غير قادر على أدائها دون فدية أو استنابة وهو بهذا يريد إسقاط دم الفدية عمن يتعذر عليه أداء واجب من واجبات الحج المعروفة وهذه المسألة من مسائل الاجتهاد التي ذهب إليها الشيخ رحمه الله. 3- ومن آرائه ألا يفتح الطريق إلى الحج على مصراعيه بالنسبة لسكان المملكة ودول الخليج وإنما يكون الحج بالنوبة، والتوزيع وذلك حتى يتم التخفيف على الناس في المشاعر. انتقل إلى رحمة الله تعالى يوم الخميس الثامن والعشرين من شهر رمضان المبارك, عن عمر ناهز التسعين عاما. قد خلف من الأبناء سبعة عشر ابناً أحسن تنشئتهم