لكل إقليم وبلد خصائصه وطبائعه التي تؤثر فيه وفي قاطنيه، وتعكس تلك الخصائص والملامح صورتها في جلبابه، وتتلون بصداها في نغمه ووتره، وجغرافية نجد أثرت في ساكنيها، شأنها كسائر الأقاليم المؤثرة في الخلق والطباع، وبالنظر في طبيعة الدرس النجدي وهيكلته، ومكانة الفنون العلمية المتلقاة عند أهالي نجد نلحظ أن اهتمام النجديين وعنايتهم يدور حول علوم الشريعة من الفقه والتفسير والعقيدة، وتأميم القلب للرب الأحد الصمد، ومحاربة الشرك والخرافات بشتى صورها، وبجانب ذلك لهم نصيب وإلمام بفنون اللغة العربية وما يتصل بها مما هو من علوم الألة الضرورية؛ لأن معرفة اللغة العربية طريق لفهم مراد الشارع الحكيم الذي أنزل كتابه بلسان عربي مبين، والخط والكتابة هما وسيلتا نقل العلوم والفنون كلها فلذا كان لهما حظ وافر، وعلى الصعيد ذاته لم تحظ بقية علوم الآلة بعناية توازي تلك العلوم الضرورية، ومن بين تلك العلوم: علم القراءات وعلم التجويد اللذين لم يكن لهما شأن في حلقات التعليم القديمة، ولم يُلحقا بالمتون التي يرقى في درجاتها طلاب العلم ومحبوه، فغابت عن دائرة اهتمامهم، والتفتوا عنها، وهذا عائد لطبيعتهم التي توارثوها جيلاً بعد جيل؛ من التركيز على العلوم الأساسية فحسب مما يقيم لهم عبادتهم، ويصحح معتقدهم، والاكتفاء بقراءة القرآن على سليقتهم والحرص على إقامة حروفه وسلامة نطقه، ولذا كان المنقول من مؤلفات علم القراءات نسخاً بأقلام النجديين قليل وعزيز، مع توافر أسبابه ويسر أدواته؛ إذا علمنا بأن واحداً من مؤلفات علم القراءات ولد ونبت في بلد نجدي، وهو نظم: الدرة المضيئة في قراءات الأئمة الثلاثة المرضية 1للعلامة محمد بن محمد الجزري ت 833ه حينما صده أعراب نجد عن الحج عام 822ه فاضطر للمكوث في عنيزة، والحج من قابل، ورغم ذلك لم نجد دلائل تشير لإفادتهم من المنظومة أو الناظم، وهي لعمري أدعى للتلقي والتعليم. بواكيرالمنسوخات النجدية في علم القراءات ومما يشكل نواة للقراءات في نجد، ويوحي بوجود إشارات، ورموز لهذا الفن مخطوطات في بلد الدرعية غير أن عددها القليل وتفرقها جعلها مجرد خطوات أولية لدى أفراد قلائل تأثروا بها من خلال لقاءات العلماء ممن يقصدون البيت الحرام للحج والعمرة وزيارة المسجد النبوي، أو ممن جلبها لنجد خلال الرحلات العلمية من الأقطار التي تعنى بها؛ كي يعلم القارئ بأن نجداً ليست قفراً من المخطوطات في هذا الفن، ولو لم يتقلب في جنبات المساجد ودور التعليم. وإليك ما عثرت عليه من مخطوطات النجديين في علم القراءات: 1- التيسيرفي القراءات لأبي عمرو الداني ت444ه 2- غاية النهاية في القراءات لابن الجزري ت 833ه 3- شرح الشاطبية (نسختان) . 4- كتاب في القراءات. 5- قواعد في القراءات، وجميع تلك الكتب المنسوخة نقلها إبراهيم باشا من الدرعية للمدينة المنورة عام 1233ه 62- شرح الشاطبية أو شرح حرز الأماني نسخها بيده الشيخ عبدالله بن سليمان السياري ت 1352ه 73- ومن الأوقاف على طلبة العلم شرح الشاطبية من وقفيات بنتي عوض بن محمد من أهل حائل 4ارتباط التجويد بالقراءات وأوائل رسائل النجديين في التجويد: علم التجويد متصل بالقراءات ومتعلق به، وهما من سبيل واحد؛ فبالتجويد تعرف أحكام الحروف: نطقاً ومخرجا ومستوى مما هو موجود في مراتب الأصوات، ومما يدل على عناية أهل نجد بالتجويد وجود عدد من المخطوطات والرسائل المختصرة والتملكات، غير أنها محاولات متفرقة لما تتبلور وتتأطر، وهي على النحو التالي: 1- كتاب في تجويد القرآن، وهو ضمن مخطوطات الدرعية المنقولة للمدينة المنورة. 2- رسالة في التجويد للشيخ عبدالله بن عبدالرحمن أبابطين مفتي الديار النجدية ت 1282ه تم الإنتهاء من رقمها عشية السبت 22من ذا في 1309ه، ومعها: الاختصار السديد لعلم التجويد وهي رسالة مختصرة لعبدالمحسن بن عثمان بن عبدالكريم أبابطين في شعبان 1359ه أهداهما إليَّ - مشكوراً - الأستاذ محمد بن حمد النمي. 3- رسالة في فن التجويد للشيخ محمد العسافي ت 1397ه، وذكرت أيضاً ضمن مجموع رسائل وفوائد في التجويد للعسافي نفسه. 46- رسالة في التجويد للشيخ محمد بن شهوان بن عبدالله بن شهوان ت 1392ه 57- ومن التملكات: منظومة عمدة المفيد وعدة المجيب في معرفة التجويد للسخاوي ت 643ه من تملك الشيخ حمد بن إبراهيم الشثري ت 1254ه 8.وتحدثنا كتب التراجم والسير عن أعلام المقرئين في نجد ومعلمي القرآن والتجويد الذين يجلسون لتعليمه وتلقينه في المساجد والكتاتيب، ومنهم: 1- الشيخان حسين بن محمد بن عبدالوهاب ت 1224ه، وأخوه الشيخ عبدالله ت1244ه قرأ عليهما القرآن مجوداً الشيخ عبدالعزيز بن حمد بن إبراهيم بن مشَرّف ت 1241ه 29- ابن حنطي مقرئ في شقراء حفظ على يديه القرآن تجويداً الشيخ عبدالرحمن بن عودان ت 1374ه 310- الشيخ علي بن داوود ت 1320ه قال عنه الشيخ عبدالله بن عدوان: وهو العالم الوحيد الذي يتلوا القرآن الكريم متقيداً بأحكام التجويد في ذلك الزمن 411- الشيخ عبدالله بن محمد السائح تعلم على يديه الشيخ عبدالعزيز بن محمد آل مطلق ت 1412ه 512- الشيخ عبدالله بن محمد بن حمد درس على يديه الشيخ عبدالعزيز بن إبراهيم العبادي ت 1358ه ودرّس بعده 13والأخير حفظ الجزرية في التجويد 614- الشيخ سليمان بن محمد بن شبل قرأ عليه تجويد القرآن الشيخ عبدالعزيز بن محمد بن سليمان البسام ت 1413ه 715- الشيخ شكر بن حسين والشيخ علي بن علي الشامي قرأ عليهما التجويد الشيخ عبدالرحمن بن محمد الشعلان ت 1417ه 16ممن كان ينوب في الإمامة بالحرم المكي. 8- الشيخ ابن رضيان أخذ عنه الشيخ عمر بن حسن بن حسين آل الشيخ ت 1395ه قواعد التجويد. 17وفي عام 1340ه افتتحت أول مدرسة نظامية حديثة تعلم القرآن بالتجويد والترتيل في عنيزة افتتحها الأستاذ المربي: صالح بن عبدالله القرزعي ت 1350ه18، ومن ثم كان التجويد في المدارس النظامية والجامعات فناً قائما برأسه. أسباب انتشار قراءة حفص عن عامر في نجد معروف أن قراءة حفص بن سليمان الأسدي الكوفي ت 180ه عن عاصم بن أبي النجود ت 127ه احتضنها إقليم نجد الصحراوي دون غيرها؛ لكونها القراءة المعتمدة في مساجد نجد وجوامعها ودور التعليم في الكتاتيب، لأسباب متعددة من أشهرها: 1- أنها قراءة تنقلت مع الدولة في دور الخلافة من عصر إلى عصر؛ قراءة وتعليمًا وكتابه في المصاحف فصارت قراءة أهل المشرق. 2- إتقان حفص لروايته عن عاصم، وقوة سنده يقول الشاطبي: وَذَاكَ ابءنُ عَيَّاشٍ أَبُو بَكءرٍ الرِّضَا وَحَفءصٌ وَبِاءلإتءقَانِ كانَ مُفضَّلا 19وذلك أن حفصًا كان ابن زوجة شيخه عاصم بن أبي النجود، وكان معه في دار واحدة. قال أبو عمرو الداني: وهو الذي أخذ قراءة عاصم على الناس تلاوة، ونزل بغداد فأقرأ بها، وجاور بمكة فأقرأ بها أيضاً وقال ابن المنادي: وكان الأولون يعدونه في الحفظ فوق أبي بكر ابن عياش - يعني: شعبة - ويصفونه بضبط الحروف التي قرأ على عاصم، وأقرأ الناس دهرًا، وكانت القراءة التي أخذها عن عاصم ترتفع إلى علي رضي الله عنه. يعني: سندًا. فثناء الفقهاء والعلماء على إتقانه وضبط قراءته أدى إلى الإقبال الشديد على روايته. كما تعد أيضًا طباعة المصاحف برسم قراءة حفص؛ عاملاً أساسًا في انتشار هذه الرواية على مرالعصور، وخاصة في هذا العصر الذي انتشرت فيه الطباعة بمختلف أنواعها ولا تجد أرضًا إلا والغالب فيها المصاحف المطبوعة برواية حفص عن عاصم اللهم إلا النزر من بلاد المغرب وإفريقيا؛ الذي بدأ يغزوها هذا الانتشار الواسع لمطبوعات المصاحف الجديدة سهولتها وموافقتها لبيئة النجديين. 3- الإذاعات والمرئيات بمختلف أنواعها؛ من القديم إلى الحديث كان الغالب فيها إذاعة رواية حفص. وهذا شئ ملحوظ ومشاهد. وكان أول تسجيل صوتي للقرآن الكريم في العالم الإسلامي بصوت الشيخ محمود خليل الحصري برواية حفص عن عاصم. 4- تدريس القرآن برواية حفص في المدارس والمعاهد والجامعات والكتاتيب في أغلب الأقطار؛ حتى في معاهد القراءات بداية يدرسون القرآن برواية حفص؛ تلاوة وحفظًا وتجويدًا، ثم يُبنى عليها بقية القراءات العشر المتواترة، والأربعة من الشواذ. 5- وثمة سبب لعله هو أقوى الأسباب وأهمها: أن الله عزَّ جلَّ قد وضع لهذه الرواية القبول والإقبال، لأسباب نعلمها أو لا نعلمها؛ فهي مع ذلك لا تنفي القراءات الأخرى وأهميتها، ولا تحط من شأنها. 620- لكون لهجة نجد تمتاز بالتحقيق وهو تحقيق الهمز، خلاف الحجازيين الذين عرفوا بتسهيل الهمزات. مرحلة قبول القراءات ووجود الإجازات العلمية: تلقت بلدان نجد هذه القراءة بالقبول، وظلت ردحاً من الزمن لم تُزاحم ولم يطرأ عليها ضمور حتى وقت رجوع علماء آل الشيخ من مصر إلى نجد بين عامي1241ه و1264ه فالأول: زمن رجوع الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ ت 1258ه والثاني: رجوع ابنه الشيخ عبداللطيف ت 1293ه حيث بدأ انتشار القراءات على يديهما؛ لتلقيهما إجازة في القراءات من علماء مصر المقرئين، ومع ذلك لم يقرأ بها في المساجد والجوامع المتفرقة، وكتاتيب التعليم في نجد، إلا أنها اتخذت مساراً أوضح من مرحلة التأثر والتماس المتمثل في نسخ المخطوط وقراءته وتداوله، فتلقف النجديون القراءات، وصاروا في عداد ذوي الإجازات، ومن مشاهير المجازين إثر مرحلة التطور: 1- الشيخ عبدالله بن عائض ت 1322ه في عنيزة له سند متصل بالقراءات السبع 221- الشيخ عبدالرحمن بن سالم بن كريديس ت 1402ه له إجازة في القراءات، وتعلم على يديه القرآن مجوداً كثيرون من أشهرهم: فضيلة الشيخ/ صالح بن محمد اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى - حفظه الله. 322- الشيخ عبدالعزيز بن صالح بن ناصر آل صالح ت 1415ه إمام وخطيب المسجد النبوي قرأ على المقرئ الشيخ حسن الشاعر في أحكام التجويد والقراءات السبع. 423- سلسلة الشيخ عبدالرحمن بن حسن رقم (1) . عن شيخه إبراهيم العبيدي شيخ مصر في زمنه في القراءات، قرأ الشاطبية، وشرح الجزرية، وبعضاً من سور القرآن الكريم، وعن الشيخ أحمد بن سلمونة القرآن كاملاً 24ثم أخذها عنه عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ، ثم الشيخ ابن سهل، وعنه الشيخ البطحي وعنه الشيخ إبراهيم بن عيسى بن رضيان وعنه الشيخ عمر بن حسن آل الشيخ، ويظهر والله أعلم أن الشيخ عبدالرحمن بن حسن حفيد إمام الدعوة السلفية متطلب للقراءة إذ قرأ الجزرية في الدرعية على الشيخ أحمد بن حسين بن رشيد الحنبلي الأحسائي ت1257ه تقريباً وقبل 1233ه قبل انتقال الشيخ عبدالرحمن لمصر 25والشيخ أحمد أخذها عن ابن فيروز عالم الأحساءالجليل ت 1216ه 5- سلسلة الشيخ عبدالرحمن بن حسن رقم (2) . أخذها عن الشيخ عبدالرحمن بن عدوان أخذها عنه الشيخ علي ابن داوود عنه أخذها الشيخ عبدالرحمن بن حيان، والشيخ عبدالله بن حسن، والشيخ عبدالرحمن بن خريف. 26الهوامش 1- الضوء اللامع لأهل القرن التاسع لعلي بن عبدالصمدالسخاوي 9- 2257- مكتبة الإمام عبدالله بن سعود طباعة مكتبة الملك عبدالعزيز بالرياض. 1417ه/ الصفحات 17- 18- 319- هذه بلادنا القويعية ص 61للشيخ سعد بن جنيدل، وتاريخ المخطوط 1180ه وتاريخ نسخها قبل عام 1352ه والمخطوط موجود في مكتبة الشيخ. 4- إسهام المرأة في وقف الكتب في منطقة نجد في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين د/دلال بنت مخلد الحربي - الرياض 1422ه ص 37- 595- مكتبة الإمام عبدالله بن سعود طباعة مكتبة الملك عبدالعزيز بالرياض/ الصفحات 17- 618- الآثار المخطوطة لعلماء نجد لخالد بن زيد المانع ص 255ط 1عام 1426ه 7- علماء نجد خلال ثمانية قرون للشيخ عبدالله آل بسام 8566/5- علماء وقضاة حوطة بني تميم والحريق وقراهما لعبدالله بن زيد المسلم ط 1- 1429ه 1/162ولم يسم المنظومة مع أنها الوحيدة في كتابة هذا الفن واكتفى بقوله (منظومة في التجويد وجدت عليها ختمه) وقد حققها الشيخ عبدالعزيز الصالح من إصدار مكتبة الدار بالمدينة، ومكتبة المؤيد بالرياض. 9- علماء نجد خلال ثمانية قرون لابن بسام 10320/3- علماء نجد خلال ثمانية قرون لابن بسام 11130/3- المرجع السابق / 121855- المرجع السابق / 498/3نقله ابن بسام من تسهيل السابلة في طبقات الحنابلة للشيخ صالح بن عثيمين عن شيخه العبادي. 13- المرجع السابق / 143295- المرجع السابق 3- 15298- المرجع السابق 16513/3- المرجع السابق 3- 17180- مشاهير علماء نجد للشيخ عبدالرحمن بن عبداللطيف آل الشيخ، ص 18.11- علماء نجد. 2- 19500- الوافي في شرح الشاطبية في القراءات السبع لعبدالفتاح عبدالغني قاضي ت 1403ه ط 6- 1415ه ص 2019- منقول من منتدى قمر الإسلامي (أسباب انتشار قراءة حفص...) الشبكة العنكبوتية. 21- علماء نجد خلال ثمانية قرون لابن بسام 22188/4- المرجع السابق 2353/3- المرجع السابق 24398/3- مشاهير علماء نجد وغيرهم للشيخ عبدالرحمن بن عبداللطيف آل الشيخ ط 13861ه ص 2580- المرجع السابق ص88، ولا يرد على تلقيه من شيخه الأحسائي في مصر إذ كانا معاً؛ لكثرة القراء في مصر، وانفرادهم بهذا الفن، وتميزهم فيه. 26- المرجع السابق