من المرجح أن يؤدي قرار البنك المركزي الأوروبي بالإبقاء على سياسته النقدية دون تغيير والذي جاء في أعقاب خفض أسعار الفائدة الأمريكية, إلى تأجيج حدة التكهنات في السوق إزاء مسيرة أسعار الفائدة الأوروبية. وبعد مرور ثلاثة أشهر على آخر تغيير اقره البنك المركزي الأوروبي على أسعار الفائدة برفع فائدة إعادة التمويل الرئيسية بربع نقطة مئوية لتصل إلى 4,70 بالمائة، ينقسم رأي الاقتصاديين حول الخطوة القادمة التي سيتخذها البنك. ويزيد ذلك بالتالي من حالة عدم اليقين التي تحيط بأسواق المال، خاصة أن البورصات الأوروبية تراجعت مرة أخرى أول أمس (الخميس) بعد فورة الحماس التي سادت في أعقاب خفض سعر الفائدة التي اتخذها بنك الاحتياط الفدرالي الأمريكي,, ويعتقد العديد من الاقتصاديين ان مؤشرات تراجع النمو في دول منطقة اليورو الاثنتي عشرة ستدفع في النهاية بالبنك المركزي الأوروبي إلى ان يحذو حذو بنك الاحتياط الفدرالي الأمريكي في خفض اسعار الفائدة خلال الأشهر المقبلة,غير أنه في ظل التحذيرات التي أطلقها البنك المركزي الأوروبي من مخاطر ارتفاع معدلات التضخم واستمرار البنك في محاولة بناء مصداقيته في الأسواق، فإن محللين اقتصاديين آخرين أعربوا عن اعتقادهم بأنه من غير المحتمل ان يخفف البنك من سياسته النقدية، وقالوا إنه قد يبقى على أسعار الفائدة دون تغيير لعام كامل، على الأرجح,وذكر جان فرانسوا ميرسييه، الاقتصادي الاوروبي في مؤسسة شرويدر سالومون سميث بارني الأمريكية للاستثمار، ان تباطؤ النمو العالمي، والتعافي الأخير للعملة الأوروبية الموحدة (اليورو) مقابل الدولار الأمريكي، واعتدال النمو النقدي في منطقة اليورو، تشكل جميعها المبررات التي تدفع البنك المركزي الأوروبي لعدم رفع أسعار الفائدة خلال الأشهر المقبلة، حتى وإن كان يتوقع زيادة في معدلات التضخم ,,وفي الواقع فإن اليورو بعد تدهوره بنسبة ثلاثين بالمائة تقريباً مقابل الدولار خلال العام الماضي، فإن الارتفاع المطرد الذي سجله خلال الأسابيع القليلة الماضية يعطي البنك المركزي الأوروبي بعض المجال للمناورة كما يمنحه فرصة للتفكير في الخطوة القادمة التي سيتخذها,وقد ارتفعت قيمة اليورو بنسبة 14 بالمائة تقريباً منذ تدهور سعره إلى أدنى معدل له على الإطلاق في تشرين الأول / أكتوبر الماضي,, وفي أعقاب قرار بنك الاحتياط الفدرالي الأمريكي بخفض الفائدة يوم الأربعاء الماضي وقرار البنك المركزي الأوروبي بالإبقاء على سعر الفائدة دون تغيير أول أمس الخميس وصل سعر اليورو إلى حوالي 90 سنا. وكان البنك المركزي الأوروبي قد قام بخطوات متتالية سريعة خلال الفترة من تشرين ثان/ نوفمبر من عام 1999 وتشرين الأول / أكتوبر من عام 2000 رفع خلالها أسعار الفائدة من 2,5 بالمائة إلى 4,75 بالمائة. وفي إطار الدعوات التي تطالب البنك المركزي الأوروبي بمواجهة احتمالات تباطؤ النمو في منطقة اليورو, بإجراء خفض على اسعار الفائدة، زعم واحد من أبرز معاهد الأبحاث الاقتصادية الألمانية، وهو معهد دي, أي , دبليو الذي يتخذ من العاصمة برلين مقرا له، أن البنك تعجل في تشديد سياسته النقدية. وقال جوستاف أدولف هورن كبير الاقتصاديين بالمعهد إن البنك المركزي الأوروبي سيكون قد أعطى مؤشرا إذا ما قام بخفض أسعار الفائدة بنسبة نصف نقطة مئوية . وإضافة إلى المؤشرات على تباطؤ النمو الاقتصادي الأمريكي والدلائل بتحول تدفق رأس المال باتجاه منطقة اليورو، فإن العملة الأوروبية الموحدة تكتسب أيضا قوتها من تقارب الفجوة التي كانت قائمة بين أسعار الفائدة الأمريكية والأوروبية. وبالرغم من الإجراء القوي لبنك الاحتياط الفدرالي الأمريكي بخفض فائدة التمويل الرئيسية بنسبة نصف نقطة مئوية لتصل إلى ستة بالمائة، فإن الأسواق المالية ما زالت تتوقع أن يقدم البنك على خفض اسعار الفائدة إلى معدلات أدنى خلال العام الحالي. ومن بين الأمور الأخرى التي ساعدت على تعزيز ارتفاع سعر اليورو، التوقعات بأن معدلات النمو في الولاياتالمتحدة ومنطقة اليورو ستتساوى إلى حد بعيد خلال هذا العام عند نسبة ثلاثة بالمائة. ومن المحتمل أيضا أن يحظى البنك المركزي الأوروبي ببعض الدعم لموقفه بالتمسك بأسعار الفائدة من خلال فيض البيانات الاقتصادية المستقرة الواردة من منطقة اليورو والولاياتالمتحدة والتي تؤكد أن التباطؤ الاقتصادي سيكون أقل ظهورا في أوروبا عنه في أمريكا. وتأكد ذلك من خلال البيانات التي أعلنت أول أمس الخميس وأظهرت أن ثقة المستهلك في فرنسا التي تعتبر ثاني أكبر قوة اقتصادية في منطقة اليورو قد حققت ارتفاعا قياسيا في شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي.