رغم إنشغال مؤسسات المجتمع المحلي بتقديم المساعدات الطارئة لمتضررين حرب غزة 2014، إلا أنّ هذا الوضع الطارئ لم يوقف نشاط برامج التنمية في القطاع، خصوصاً ما يتعلّق ببرنامج يدعم حق التعليم الجامعي لذوي الإعاقات السمعية، بالشراكة بين «جمعية أطفالنا للصم» والجامعة الإسلامية. هي خطوة في الإتجاه الصحيح وإن جاءت متأخرة، لتحقق أحلام كثر. هكذا تُفتح الأبواب لذوي الإعاقة السمعية لخوض مجالات مهنية متعددة ومتنوعة، وغير محصورة في الجانب الحرفي كما جرت العادة. فرحة لم تُخفها أم سامي لدى تلقيها النبأ، فهي ككل الأمهات سعادتها من سعادة ابنتها تسنيم (21 سنة) التي تعمل في مشاريع يدوية عدة، وتطمح لإتمام تعليمها الجامعي لتصبح معلمة في منشآت تربوية تهتم بذوي الإعاقة السمعية. من هنا جاء الاهتمام الجاد بتهيئة الجامعة، كحاضنة للدفعة الأولى من متخرجي ثانوية مصطفى الرافعي للصم، المدرسة الوحيدة في قطاع غزة بحسب الإختصاصي الإجتماعي حسين أبو منصور، والهدف إنجاح مسيرة التعليم في هذا الجانب بحسب مدير جمعية الصم مدير كباجة، إذ يتمّ التنسيق بين الجامعة الإسلامية و «جمعية أطفالنا» لتزويد الطاقم التدريسي بعدد كبير من مترجمي لغة الإشارة، كوسيط أساسي لنقل المادة التعليمية للطلبة. وعن نجاح البرنامج في تحقيق أهدافه، يشير كباجة إلى أنّ البرنامج تجريبي، وتعتمد استمراريته على نجاح العملية التعليمية. في السياق ذاته، يشهد المجتمع المحلّي نشاطاً ملحوظاً في دورات تعلّم لغة الإشارة داخل أوساط مهنية مختلفة أبرزها المؤسسات الإعلامية، سعياً منها لإيصال رسالتها لمختلف الفئات الإجتماعية، إلى جانب توظيف مترجمي إشارة في المصارف تلبيّة لحاجات تلك الفئة التي تشكّل 1 في المئة (صمم جزئي وكلي) في قطاع غزة، وفق تقديرات منظمة الصحة العالمية. ومن باب دعم التواصل الإجتماعي وزيادة التقارب بين فئة الصم وذويهم من أفراد المجتمع، تشارك الطالبتان وسام المدني وهبة السماك في مؤتمر الدوحة الدولي للصم العرب، لطرح فكرة مشروع تخرجهما من الجامعة، وهو إنشاء موقع للتواصل الإجتماعي خاص بالصم. وتأتي مشاركتهما ترويجاً للمشروع وسعياً للحصول على تمويل كاف لإطلاقه إلكترونياً. ويؤكد مصمم لغة الإشارة بلال جبر من «جمعية الأمل» للصم في مدينة رفح المشرف الأول على إنجاز موقع التواصل الإجتماعي «I'm alive»، أن الموقع لقي رواجاً واستحساناً من شريحة كبيرة من الصم والبكم داخل القطاع. ومن باب زيادة التفاعل المجتمعي كان «مطعم أطفالنا» للصم الذي أفتتح في القطاع ويشهد إقبالاً كبيراً. ويعمل فيه شابات وشبان من الصمّ لتغيير الصورة النمطية عن الأشخاص من ذوي الحاجات الخاصة في المجتمع الفلسطيني. واللافت أنّ ذوي الإعاقات السمعية تركوا بصمة لا تُضاهى حرفياً خصوصاً في صناعة منتوجات التطريز اليدوية. ولا أحد يدري ماذا سيخبئ المستقبل القريب لتلك العقول المبتكرة من فضاءات واسعة للعمل وتحقيق الذات، فلعلّ إنجازاتهم تبوح يوماً ما تبوح بما لا تستطيع الألسن فعله!