بلغة الاشارة والرموز المدوّنة على لائحة الطعام يمكن الزبائن تحديد رغبتهم في الحصول على وجبة الطعام في مطعم الصم الاول الذي أُقيم في مدينة غزة، حيث يتحدى العاملون فيه من ذوي الاحتياجات الخاصة حاجز اعاقتهم السمعية. وعند مدخل المطعم تقف فتاة ترتدي ثوباً مطرزاً من التراث الفلسطيني لاستقبال الضيوف وهي تعرض عليهم عدداً من المشغولات اليدوية والمطرزات التي بين يديها ترويجاً لمنتوجات زملائها من الصم العاملين في جمعية «اطفالنا للصم» التي انشأت مشروع المطعم هذا بتمويل من جمعية سويسرية. وفي الرواق المزخرف الذي عُلّقت على جدرانه لوحات مرسوم عليها إشارات لغة الصم، يقف النادل احمد دهمان (22 عاماً) ليحيي الزبائن بإيماءة من رأسه قبل ان يصطحبهم الى داخل المطعم بابتسامة خجولة. ويقول الشاب الذي يعاني الاعاقة السمعية منذ ولادته بلغة الاشارات التي يفسرها مترجم يعمل في الجمعية: «لمسنا تعاوناً ودعماً كبيرين من الناس فكثيرون منهم يبدون رغبة في تعلم لغة الاشارة»، معترفاً بأنه كان يشعر ب «القلق والخوف من الفشل» في التواصل مع الجمهور قبل افتتاح هذا المطعم. ويعبر الشاب عن سعادته بعمله الذي «منحني الشعور بالأمان على مستقبلي والاعتماد على نفسي لأن فرص العمل كانت معدومة بالنسبة إلى ذوي الاحتياجات الخاصة». ويقدم هذا النادل قائمة الطعام المطرزة لفتاتين زائرتين يبدو الارتباك عليهما، الا انه مستدركاً عدم فهمهما للغة الاشارة يشير بابتسامة الى قائمة اشارات مدون عليها رقم يدل على كل طلب. وتقول الفتاة شهد العيلة (21 عاماً): «جئنا نجرب المكان. لقد سار الامر في شكل لطيف، نرغب في تقديم الدعم المعنوي لهم لذلك سنأتي دائماً». وحول طاولة مقابلة يختلس زبائن النظر لمراقبة العاملين وهم يتحدثون مع بعضهم بلغة الاشارة. وعن فكرة إنشاء المطعم، تقول داليا ابو عمرو المسؤولة في جمعية اطفالنا للصم: «يأتي مشروع إنشاء المطعم ضمن برنامج مدر للدخل للصم في غزة بتمويل من جمعية سويسرية لمدة اربع سنوات». وتلفت إلى أن جميع العاملين في المطعم وعددهم 14 شخصاً من ذوي الاعاقات السمعية باستثناء الطاهي الاساسي والمحاسب الذي يتلقى المكالمات الهاتفية لتوفير الحجوزات وتلقي الطلبات الخارجية. وأوضحت انه «تم تدريب طاقم العاملين الصم المكون من 12 فرداً خلال ثمانية شهور على فن الطهو واستقبال الضيوف». ولفتت إلى ان المشروع «يهدف الى دمج شريحة الصم في قطاع غزة ويؤمّن فرص عمل لهم والترويج لقدراتهم». وتعمل في المطعم خمس فتيات، اربع منهن يعملن في المطبخ بينما تتولى الخامسة الإشراف على ادارة المطعم. ولم تفلح نيفين القوقا (35 عاماً) في العثور على فرصة عمل سابقاً على رغم متابعتها دورات في الخياطة والرسم، وتقول: «انني لم اجد فرصة عمل، لا يوجد من يرحب بعمل الصم في غزة». وتضيف وهي تزين طبق الغداء لأحد الزبائن: «لدي حماسة كبيرة لأن أطوّر مهاراتي في الطبخ ليتطور المطعم ولأثبت نفسي وزملائي في المجتمع على رغم اعاقتنا... أنا سعيدة جداً الآن». اما زميلتها امينة العمري (22 عاماً) فتبين بلغة الاشارات: «المجتمع ليس لديه معرفة باحتياجاتنا، كان لدي شعور بالظلم والاضطهاد من ذلك، لكن هذا الشعور بدأ يتلاشى تدريجاً حين عملت في المطعم وبدأت الاعتماد على نفسي». وتتلقى الفتاتان توجيهات من الطاهي حسن الضابوس (30 عاماً) بلغة الاشارة للشروع في إعداد وجبات جديدة. ويقول الضابوس الذي يعمل في الطهو منذ اكثر من عشرة اعوام: «لطالما كان الامر لا يعدو كونه وظيفة احبها، لكن اليوم اصبح ذا طابع انساني ومعنوي أقدمه لهذه الفئة من ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع والتي تستحق منا جميعا كل الدعم، لأنهم فعلاً مميزون».