في ظل التغيرات السياسية التي تمر بالمنطقة، وتبدل موازيين التحالفات فيها بل إن البعض يرى أن الشرق الأوسط يشهد إعادة تشكيل. مثل هذه التغيرات تثير الخوف والفزع لدى بعض المراقبين، وأنها قد تكون على حساب بعض الدول وخصوصاً الدول الخليجية، فإلى متى نعيش حالاً من القلق في تغير مثل هذه التوازنات الجديدة من بعض القوى الدولية خصوصاً الولاياتالمتحدة الأميركية؟ إن دول الخليج العربي من الدول التي تشهد حركة تنموية شاملة وبخاصة في المجال المادي من ناحية المشاريع والبني التحتية فيها، لكنها في المقابل تعيش أزمة وجود قوات عسكرية مدربة، للدفاع عن ما حققته من تقدم تنموي، فلا يمكن لدولنا الخليجية الركون إلى اتفاقات عسكرية مع بعض القوى الكبرى للدفاع عن أوطانها، فتلك الدول تحركها مصالحها، وتغير من مواقفها تجاهنا في أية لحظة، وأكبر دليل على ذلك الاتفاق الأخير بين الغرب وإيران في شأن برنامج طهران النووي، فما الخيارات المتاحة وغير المستغلة لدى دول مجلس التعاون لتقوية منظومتها الداخلية؟ وأهم هذه الخيارات برأيي هي إقرار التجنيد العسكري في دول المجلس، إذ أقرت الإمارات وقطر أخيراً قانون الخدمة العسكرية الإجباري للذكور والاختياري للنساء، وأعتقد أن هذه الخطوة أتت متأخرة، ونأمل بأن تقوم بقية دول المجلس بإقرار هذه الخدمة التي ستحقق أهدافاً مهمة للشعوب الخليجية، فمع ما يشهده العالم العربي من فوضى وفراغ سياسي إضافة إلى سيطرة حركات الإسلام السياسي المتطرفة على المشهد العربي، فنحن في دولنا يجب أن نقوي جبهتنا الداخلية من خلال جيل شاب جاهز عسكرياً وفكرياً للدفاع عن أوطانه، خصوصاً أن المجتمعات الخليجية مجتمعات شابة يسيطر الشبان على نسبة مرتفعة من تركيبتها السكانية، فالشبان في مجتمعاتنا يعانون مشكلات عدة من بطالة وعدم جدية ومشكلات اجتماعية كثيرة، فمثل هذه البرامج ستكون أداة فعالة في إخراجهم من دوامة هذه المشكلات. وأنا لا أدعو إلى أن تكون قوانين الخدمة العسكرية هي برامج للتوظيف التي قد تنتهي إلى بطالة مقنعة، فنحن بحاجة إلى معرفة الأساليب العسكرية، وأن يكون لدينا جيش احتياطي جاهز للدفاع عن الوطن في حال أي تهديد خارجي قد يتعرض له، وقد يطرح البعض أن الجيوش الحديثة لا تعتمد على الكم بأعداد أفراد جيوشها بل على التطور التقني للجيوش، بل إننا وصلنا إلى مرحلة الحروب إلكترونية. وأن أنظمة مجاورة لم تمنعها جيوشها الجرارة من السقوط، ولكن في المقابل نجد أن دولاً غربية وشرقية متقدمة في المجالات العسكرية ما زالت تعمل بقوانين الخدمة العسكرية الإلزامية، وهذا يؤكد أهمية التجنيد الإجباري في حماية الأوطان، ونحن لسنا باستثناء. في دولنا الخليجية نعاني من ازدواجية الولاء الوطني، فهناك الولاءات المذهبية والمناطقية والعرقية، ويأتي الولاء للوطن في آخر الأولويات، فمن خلال إقرار نظام التجنيد الإجباري، يمكن غرس الحب والولاء للوطن أولاً من خلال الأعوام التي يقضيها المجند في الخدمة العسكرية، إضافة إلى أنه من خلال هذه البرامج يعطى الفرصة للمؤسسات العسكرية لاختيار العناصر المميزة، للاستمرار في هذه المؤسسات بحسب التخصصات التي يخدمون فيها، سواء كانت علمية أم إنسانية. مثل هذه القوانين هي باعتقادي أقل ما يمكن عمله للحفاظ على ما حققه الرعيل المؤسس لهذه الأوطان في فترات عصيبة، فالأوطان لا يمكن أن يدافع عنها إلا أبناؤها، متى كانوا مؤهلين بالولاء الحقيقي لهذه الكيانات، ومسلحين بالمعرفة العسكرية في أوقات أزمات قد نواجهها في محيط مضطرب وأعداء محيطين بنا، يعملون في شكل فج في تقويض مكاسبنا التنموية التي تحققت في دولنا. [email protected] @akalalakl