في منتدى الخليج والعالم جاءت بعض الأفكار قوية وواضحة ومباشرة نحو الهدف، وكثير منها يلفت الأنظار والعقول للتأمل والنقاش، وأكثر ما قلّ ودلّ من الكلمات ما قاله رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية الأمير تركي الفيصل. يقول: «علينا أيضاً مراجعةُ خياراتنا الاقتصادية التي سمحت بابتعاد اقتصاداتنا عن كونها اقتصادات مبدعة ومبتكرة، وما جَرَّهُ ذلك من آثارٍ ظهرت في تركيبتنا السكانية ومستقبلها، وسمحت بأنْ نكونَ سوقاً لعمالة العالم وأبناءَ بلداننا عاطلون عن العمل. إن تحسين مؤسساتنا السياسية والثقافية لتستجيب لمتطلبات التحولات الاجتماعية والثقافية في مجتمعاتنا لم يعد خياراً لنا وإنما هو فرض علينا، وإن مفهوم المواطنة بكافة معانيها هو أس للعلاقة التي تربط الدولة والمواطن». ويضيف في موضع آخر: «لذلك علينا ألَّا نبقى مُرتهنين لتقلبات السياسة الدولية، وضحيةً للمساومات الديبلوماسية، بل يجبُ أن نكون فاعلين أقوياء في جميع التفاعلات الدولية حول قضايا منطقتنا، وألا نسمح بفرض خياراتِ الآخرينَ علينا بحجة ضعف قدراتنا العسكرية، مما يعني ترسيخَ تبعيتنا للغير». السعودية ودول الخليج دول سلام، سيماهم مدنية، ورؤيتهم العسكرية دفاعية، وهي حتى في أحلك ظروفها وحاجتها إلى الدفاع لم تفرض التجنيد الإجباري، وفتحت في فترة ما التجنيد الاختياري، وهو ما أعتقد أننا بحاجة إليه. لا نشكو ضعفاً عسكرياً لجهة التقنية، والأسلحة، والأهم لجهة عدد وهِمم الرجال في قواتنا المسلحة، لكن الكثيرين في العالم، وبعض ممن حولنا لا يفهمون لغة المحبة والسلام، ويختالون بكثرة العدد حتى لو كان مستوى الإخلاص لديهم يفضح مع أول أزمة. في أحلك الظروف أعلن مواطنو الخليج الحب على قياداتهم وبالطبع على أوطانهم، وهذه الأوطان المسالمة كانت ديموغرافياً تتسم بقلة عدد السكان، وهي سمة تلاشت مع معدلات زيادة تعتبر الأعلى في العالم. التجنيد الاختياري التطوعي فيه احتواء لطاقات الشباب، وفيه فرصة لانتقاء مبرزين في مجالات حيوية باتت اليوم من محددات القدرة العسكرية، المتشابكة مع جميع القدرات الأخرى اقتصادياً واجتماعياً. لا نعاني اليوم، ولن نعاني بإذن الله، لكن فكرة الجيوش الاحتياطية، إذا أديرت بالعقلية المتحضرة المعروفة عن القيادات الدفاعية الخليجية، وسخِّرت لخدمة المجتمع عبر تهيئة بعض أفراده ليس بالضرورة للمعارك، ولكن أيضاً للحياة المنضبطة، والشرسة أحياناً، خصوصاً أن لدينا مجتمعات شابة وطاقاتها كبيرة. يمكن أن يعطى المجندون المتطوعون اختيارياً ميزات في القبول والتوظيف إذا تساوت المؤهلات مع الغير، أو يعطوا أولوية في القبول العسكري الرسمي في القطاعات كافة، واثق أن مناقشة الفكرة بمفهوم عسكري، مع رؤية اجتماعية اقتصادية وعلى المستوى الخليجي يمكن أن تكون مساهمة في تحقيق ما أشار إليه الأمير تركي الفيصل في كلمته. إن إحساس المواطنة لدينا جميل وواضح، لكن مفاهيمها التي يشير إليها الأمير ربما تحتاج إلى تعميق عبر برامج تنفيذية تبلور العاطفة الحميمة إلى قدرات جاهزة وداعمة. [email protected] twitter | @mohamdalyami