باتت «صناعة النجوم»، مهنة مربحة جداً مادياً بالنسبة إلى شركات الإنتاج، وإلى المغنين الشباب الطامحين إلى الشهرة. ومع فورة برامج مسابقات الأغاني والمواهب، أصبح دخول عالم الفن أسهل من الماضي، لأن الأصوات الجميلة تصل إلى المُشاهد بسرعة، لأن مشاركتها تفتح لها أبواباً، إما لتسجيل أعمال فردية أو الغناء بمشاركة نجوم قدامى في حفلات ومناسبات معينة، أو حتى العمل في ملاهٍ ليلية تدر عليها بالتالي ربحاً مادياً معقولاً. وإذا كنتِ فتاة جميلة ومثيرة وجذابة، وتملكين صوتاً عادياً أو مقبولاً، فالشهرة حتماً في انتظارك، وستتحولين إلى نجمة في أقل من ثلاثة أشهر عبر تبنيك من قبل شركة إنتاج، وتوزيع إعلانات على الطرقات عن أعمالك، وتصوير فيديو كليب مثير، واستضافتك في غالبية القنوات الفنية، ما يمنحُكِ انطلاقة صاروخية في عالم الفن. ولكن كم تدوم شهرة هذه الفنانة، أو الفنان الفائز في أحد برامج مسابقات الغناء، وهل للنجومية مدة صلاحية معينة تنتهي معها حياة الفنان أو الفنانة؟ شهد العالم العربي صعود نجوم كثيرين سيطروا على الساحة الغنائية بأعمال متواضعة، ولكن الدعم الإعلامي المتواصل، ساهم في ثباتهم، إلى أن خف بريقهم وبهُتَ بصعود مواهب جديدة اتبعت الأسلوب ذاته، واستمرت لفترة أطول من غيرها. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا، كيف يحافظ نجوم ثمانينات القرن العشرين الذين تجاوزا ال 50 سنة، كعمرو دياب (1961) وكاظم الساهر (1957)، وراغب علامة (1962)، وسميرة سعيد (1959)، ونجوى كرم (1966)، ومحمد منير (1954)، ومحمد عبده (1949)، على تألقهم وبقائهم في مراتب عالية، حتى وإن شهد بعضهم كبوات لا تذكر؟ البقاء في القمة، أصعب من الصعود إليها، وتترتب على ذلك أمور عدّة يجب أن تؤخذ في الاعتبار، كالمحافظة على الشكل مثلاً، والتطور في انتقاء الأعمال ومواكبة الانفتاح في عالم الموسيقى والألحان، والابتعاد عن المشاكل الفنية. واللافت في الأمر، أن هذه المجموعة من الفنانين، تلقى منافسة شديدة من نجوم الجيل الحالي، لكنها ما زالت تحافظ على الاتزان وتقديم أعمال جيدة. فمَن يشاهد كليباً لعمرو دياب مثلاً، لن يلاحظ أبداً أنه تجاوز الخمسين سنة، لكثرة اهتمامه بمظهره وممارسة الرياضة ومحافظته على لياقته البدنية، والاستعانة بخبراء لمواكبة صيحات الموضة وقصات الشعر، للحفاظ على صورته الشابة في عقول المتلقين. ولا يقتصر عمل دياب على الشكل فقط، بل هو منفتح جداً على الأنماط الموسيقية الغربية ومحاولة مزجها مع إيقاعات عربية أحياناً، والاعتماد في أحيان أخرى على قوالب موسيقية غربية. ويتميز دياب أيضاً بانتقائه كلمات تناقش مشاكل شبابية، إنما بلغة راقية، وانفتاحه على مشاكل اجتماعية بطريقة حديثة ومعاصرة. وتتشارك سميرة سعيد مع دياب في قصة انفتاحه على الموسيقى الحديثة أحياناً، وهي معروفة منذ انطلاقتها بحبها لتقديم كل ما هو غريب ومميز في عالم الفن، من قصات شعر وأزياء وصولاً إلى الإيقاعات الموسيقية الشبابية. في المقابل، عملت الفنانة نجوى كرم كثيراً على شكلها الخارجي في السنوات الأخيرة، إلى أن باتت اليوم تنافس بأناقتها ورشاقتها مغنيات صاعدات. لكن مشكلة كرم تكمن في انغلاقها على ذاتها وعدم انفتاحها على تجارب موسيقية جديدة، وحصر أعمالها بالفولكلور والاستيحاء منه، مع الاعتماد على مجموعة من الشعراء والملحنين من أبناء جيلها، من دون فتح المجال على الطاقات الشابة والاستفادة من تجاربها. مواكبة هموم جيله لكن تطوّر الشكل وتبديل الملامح، لا يكون دائماً مفتاحاً سحرياً للانفتاح. فالمطرب السعودي محمد عبده، لم يتغير شكله كثيراً منذ انطلاقته، لكنه فرض نفسه على الساحة الغنائية بأعمال خالدة أحبها المستمع في الماضي، ويحبها المستمع الحالي، لما فيها من شغف موسيقي وحسن اختيار وإحساس عالٍ في الأداء. عبده الذي أثرى المكتبة الخليجية بأعمال مميزة، بات مقلاً في مشاركاته الفنية بسبب وضعه الصحي المتقلب حالياً. على رغم تجاوز المطرب المصري محمد منير عتبة ال 57 سنة، إلا أنه لا يزال رقماً صعباً في الحالة المصرية. وإضافة إلى انفتاحه على الثقافة النوبية، وغرفه من الإيقاعات الأفريقية، وجنونه على المسرح، واكب منير قضايا جيله ومشاكل بلده، وغنى للحرية والثورة والمرأة والديموقراطية والانفتاح على الآخر، وقدّم أعمالاً لا يجرؤ أحد على تقديمها. وساهمت بساطة منير وطيبة قلبه، بتربعه على قلوب المصريين والمهمشين حاملاً رايتهم ومسانداً إياهم في قضاياهم المحقة. ثمة أمور عدّة يجب على النجم المحافظة عليها ليبقى في القمة، أهمها عدم التقليل من شأن مستمعيه، واحترام أذواقهم، والاستماع إليهم ومواكبة ما يكتبونه عنه في مواقع التواصل الاجتماعي، ومواكبه قضايا بلده مع الاهتمام بمظهره وموسيقاه. ويتشارك كاظم الساهر المعروف منذ بداياته بعشقه للمرأة وقضاياها، وراغب علامة بأغانيه الجميلة واعتماده التغيير الدائم في «اللوك»، في كثير من الأمور الذي ذكرت سابقاً من حيث التطور في انتقاء الأعمال ومواكبة الانفتاح في الموسيقى العربية. إذاً نجوم خمسينيون ما زالت مراتبهم عالية في عالم الغناء، وينافسون فناني الجيل الحالي الذين يحاولون جاهدين التشبه بهم أحياناً، والتفوق عليهم في أحيان أخرى.