الاعتراف بالحق وسيلة، والاعتذار سمة المطاريد، واستقطاب الغاضبين والحانقين والمحبطين والطامحين... هي فقرة الساحر الأخيرة التي تجب ما قبلها من ألعاب بهلوانية وتمهد لما بعدها من استلاب عقل الجمهور الذي لا يرى في فقرة فصل جسد المرأة عن رأسها سوى عمل مدهش يشيب له الولدان ودعوة يستجيب لها الظمآن، وتغيب عنه خدعة انهما امرأتان وان الساحر حاذق يتمتع بأذرع ماهرة. أذرع الجماعة الماهرة تعاود الظهور في هذه الساعات السابقة للذكرى الثالثة للثورة فتضرب ذراع بيد من «سلمية» وتلوح أخرى بغصن زيتون وتضرم ثالثة نيران الفتنة وتطرح رابعة مبادرة توحيد الصف ورأب الصدع، فيما تدعو خامسة إلى مقاومة مسلحة للجيش والشرطة. والجميع يتلقى تعليمات الإضراب والتلويح والإضرام والمبادرة من عقل مفكر واحد وذهن مدبر ثابت. ولأن الثبات على المبدأ سمة أصيلة من سمات الجماعة، على رغم تعدد الأذرع وتناقض الأدوات وتوحد الغايات، حافظ مدبروها وحمى مفكروها ثباتهم على مبدأ سرقة الثورات وركوب الموجات ومغازلة الإحباطات والدق على أوتار الحريات، مهما كلفهم ذلك من كلفة اعتراف ناقص بأخطاء، ومغبة تنصلات، وتعدد ساحات، ورقص على الحبال. حبال الأمل الذائبة المتعلقة بحكم البلاد مجدداً، فإن تعذر إحراق البلاد ومعها العباد، دفعت الجماعة إلى إصدار ما يشبه بيان اعتراف ناقص بأخطاء «ارتكبها الجميع» لا يشمل اعتذاراً مع الاحتفاظ بالتأكيد الكلاسيكي المزمن على أن ما حدث في 30 حزيران (يونيو) الماضي «انقلاب فاشي دموي»، ثم إصدار ما يشبه التثمين على هذا البيان، وكأن ذراعي البيان والتثمين مختلفتان. وبينما الذراعان غارقتان في التلويح بأغصان الزيتون وإطلاق أسراب الحمام البيضاء، تندلف ذراع ثالثة داعية إلى «المقاومة الشعبية»، أي الكفاح المسلح ضد الجيش والشرطة. الفيديو المحمل على موقع «يوتيوب» يحوي دليل المقاوم الذكي حيث «كل ما عليك فعله هو اتخاذ القرار، ثم إقناع أربعة أو خمسة ممن تثق فيهم بذلك، وفي حال لم تجد أحداً فيمكنك البدء بمفردك. تمويلك ما في جيبك. يمكن تنفيذ عشرات العمليات في كل المحافظات في وقت صغير، وهذا أكبر من طاقة التنظيمات، أو حتى الجيوش». هدف هذه الذراع هو «كسر الذراع الأمنية للنظام من أمن الدولة والمخابرات والشرطة، وإعادة ترسيم الحياة في شكل أكثر عدلاً، وردع أي طائفة أو حزب أو إعلام يساعد في أن يبرر للنظام المحتل أعماله القذرة، إلى جانب تحييد الجيش عن المعركة أو استقطابه في حال الدخول فيها». وتدق هذه الذراع على وتر «الإعلام الذي يمثل 90 في المئة من المعركة»، مع العلم بأن الهدف الذي سيموتون من أجله هو «هزيمة الاحتلال الصهيوني الغربي للأمة من طريق هزيمة عملائه ووكلائه في مصر». وهنا يبزغ دور الذراع التكتيكية عبر «التحالف الوطني لدعم الشرعية» حيث تكتيك «الموجة الثورية الأولى» وهي الموجة التي يطلب فيها من القواعد أن تكون متتالية ومتتابعة، ولا تقتصر على يوم واحد، بداية من غدٍ الجمعة وإلى 11 شباط (فبراير) المقبل ذكرى تنحي الرئيس السابق حسني مبارك عن الحكم. «جمعة التحدي الثوري» المقررة غداً هي بالون اختبار لذراعي الحشد «الإخواني» والاستقطاب الشبابي الثوري، وذلك عبر ذراع «وحدة الصف» التي يلوح بها «الإخوان» الذين أمعنوا في شق الصف وتوسيع الصدع على مدار عام من حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، ويعودون في الذكرى الثالثة للثورة وهم يرتدون زي «الهالوين» التمويهي حيث رغبة عارمة في توحيد الصف الوطني الحر «لاسترداد الثورة». وهنا تتداخل وتتشابك وتتواءم الذراعان الأعتى تناقضاً والأعمق تنافراً من أذرع الجماعة الكثيرة، حيث الشدة مع الرقة، والحشد الرهيب مع السلم الأكيد وما ينجم عن ذلك غالباً من عنف مريع، لا سيما ان التحالف يطلب من قواعده «الالتزام بتجارب اللاعنف وضوابط المقاومة السلمية». ذراع المقاومة السلمية التي تؤجج «إخوانياً» استعداداً لمحاولة ركوب موجة جديدة تستدعي فتح باب الفوضى وتشجيع شيوع الاختلال، وهو ما يستدعي «ترك إدارة الأرض للثوار وفق تطورات المشهد وطبيعته»، وإن كانت شعارات «الثورة الإخوانية» محددة سلفاً ومكتوبة مسبقاً، وهي «ثورة واحدة دم واحد قاتل واحد»، وإعادة تدوير شعاري «الشعب يريد إسقاط النظام» و «يسقط يسقط حكم العسكر»، وتجويد إضافي يلخص التوجه «الإخواني» حيث «يسقط النظام: عسكر قضاء إعلام». الطريف أن الذراع البلاغية لدى «الإخوان» تعاني جدباً فكرياً وجفافاً إبداعياً، إذ تقترض أدبيات «الانقلابيين» وتسطو على شعارات الثوريين من دون تغيير أو تدوير أو اختيار ما يناسب خصوصياتها الذهنية وتفرداتها التركيبية. فمن «التهمة حيازة عقل» التي يصف بها قواعد الجماعة أنفسهم، إلى «يسقط من خان» على رغم أنهم يتربعون في صدارة القائمة، إلى دعوتهم الموجهة إلى «مكونات الوطن التي لم تلوث بعد بالدماء» التي تولوا إراقتها على مدى ما يزيد على عام، مع المطالبة ب «إعلاء الوطن على المصالح الذاتية والحزبية الضيقة» وهو الإعلاء الذي أطاحته الجماعة ومرشدها ورئيسها وقواعدها، ما أدى إلى انتفاضة 30 حزيران (يونيو) الماضي وإعادة الجماعة إلى خانة التنظيم السري ذي الأذرع المتناقضة والمهمات المتضاربة والتأرجح بين الثورة والثورة المضادة وفق اتجاه الريح.